أطياف

أكثر من مجرد «الآنسة حنفي»

سوف تظل السينما دائماً انعكاساً لما يوجد في الحياة من ماضٍ وحاضر ومستقبل، ومن ضمن تلك الانعكاسات ظهر فيلم «الآنسة حنفي» الذي تم إنتاجه عام 1954، من بطولة الفنان الكوميدي الراحل إسماعيل يس ومن إخراج المخرج الكبير فطين عبد الوهاب، وفيلم «الآنسة حنفي» يصنف كواحد من أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وكان أول فيلم في تاريخ السينما المصرية يتطرق لقضية العبور الجنسي.

القصة الحقيقية التي ألهمت الفيلم

رغم أن قصة الفيلم عن رجل ترانس، إلا أن القصة الحقيقية لـ فاطمة إبراهيم داود من قرية “ميت يعيش” التابعة لمركز “ميت غمر” بمحافظة الدقهلية، كان لدى فاطمة ثلاث أخوات وتوفي والدها وهي في سن العاشرة تاركاً الأخوات مع والدتهم للعيش مع جدهم المزارع في فقر، وجعل هذا فاطمة تخرج للعمل من سن صغيرة حتى تكفل عائلتها. بدأت حياة فاطمة تتغير عندما أراد شاباً من أهل القرية أن يخطبها ورحبت به عائلتها ووافقت عليه، لكن فاطمة رفضت هذه الخطبة وصارحت عائلتها بأنها غير مناسبة له، لأنها كانت قلقة من خلو جسمها من الأعراض التي تتعرض لها الفتيات في سنها وشعورها بأنها تنجذب للنساء وليس للرجال، وطلبت أن يعرضوها على الأطباء، وبالفعل تم عرضها على الطبيب  جورجي الياس الذي كان تشخيصه لها بأن أنوثتها موضع شك والأفضل عرضها على أطباء في القاهرة، وبالفعل ذهبت فاطمة إلى القاهرة وفحصها الأطباء حتى قرروا إجراء عملية جراحية تمت في مستشفى «القصر العيني»، وأصبحت فاطمة من بعدها علي إبراهيم داود، والذي تزوج بعد العملية من جارته فاطمة محمد.

القصة كفيلم سينمائي جدلي ومن منظور نسوي كويري

شغلت قصة العبور الجنسي الرأي العام والشارع المصري، وكان حديث الساعة نظراً لأن الأمر كان مفاجئاً وجديداً عليهم، ولفت هذا نظر المؤلف السينمائي جليل البنداري، وكتب سيناريو فيلم “الآنسة حنفي” الذي تمت صياغته بطريقة مختلفة لتصبح القصة تتحدث عن امرأة ترانس، لإضافة طابع كوميدي على حد قوله. وتدور قصة الفيلم حول رجل ذكوري مستبد يعتقد أن المرأة لا حق لها في التعليم وأنها يجب أن تظل بالمنزل، بينما هو كرجل لديه الحق في أن يفعل ما يحلو له ويسهر في الكباريهات ويستمتع بملذات الحياة. وكان هذا نموذج واقعي، يعكس الكثير من الأفكار والتصرفات الذكورية للرجال في فترة الخمسينات، وحتى لا يزال بعض تلك الأفكار متواجدة في زمننا الحالي. ولكن في ليلة زفاف حنفي من نواعم التي لعبت دورها الممثلة ماجدة الصباحي، يشعر حنفي بألم شديد في معدته ويتم نقله إلى المستشفى ويصبح فيفي. وهنا يختلف الأمر عندما يكون الإنسان من المهمشات، كونها امرأة، ففي الفيلم تتغير نظرة حنفي عندما يصبح فيفي، بأن فيفي لديها الحق في التعليم مثل الرجل ولديها الحق في أي اختيارات في حياتها دون وجود سلطة ذكورية تتحكم بها وبحياتها، ويجب على المرأة بأن تكون فخورة بكونها امرأة، وألا تشعر بالخجل أو الإهانة، فهناك مشهد في الفيلم تتحدث فيه نواعم لـ فيفي بعد أن تغير تفكيرها الذكوري، قائلةً: «أيام ما كنتي راجل»، فتقاطعها فيفي بعصبية وترد قائلةً: «اخرسي، أنا يا بت كنت راجل؟ ده أنا طول عمري مزمزيل.»رغم أن الفيلم احتوى على كثير من الأخطاء والمغالطات الطبية والعلمية في تقدم العبور الجنسي، والتي لم يهتم المؤلف جليل البنداري بأن يبحث ويدقق فيها جيداً، ومواقف داخل الفيلم تسخر من الأفراد الترانس، إلى أن البعض يعتبر الفيلم إلى حد ما لم يكن سيئاً في طرح العبور الجنسي في تلك الفترة الزمنية المليئة بقلة المعرفة والمعلومات المتوفرة المرتبطة بالأفراد الترانس والعبور الجنسي، خاصةً أن الفيلم حتى كان من الصعب إنتاجه ورفض الكثير إنتاجه خوفاً من استنفار المجتمع حينها، ومحاولة الفيلم أيضاً عرض ودعم المساواة بين الرجل والمرأة. سيظل فيلم «الآنسة حنفي» من الأفلام ذات العلامات الجريئة وذات التأثير الكبير في السينما المصرية والناطقة بالعربية، وفيلم يثير الكثير من المناقشات الحقوقية والاجتماعية والفنية بين مختلف أفراد وفئات المجتمع.

عمل فني: منة الله

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.