تعرضت شركة نوفارتس (Novartis)، إحدى أكبر شركات الأدوية العالمية، لهجوم شرس من بعض المسؤولين في مصر بعد أن عبّرت صفحتها العالمية على فيسبوك عن دعمها حقوق المثليين والترانس ومجتمعات الميم ضمن احتفالات شهر الفخر. رغم أن الصفحة المصرية لم تنشر أي محتوى متعلق بذلك، إلا أن ذلك لم يمنع انطلاق حملة كراهية واسعة، قادها مسؤولون في النقابات المهنية وشبه الحكومية.
تصريحات تحريضية رسمية من مسؤولين ونقابيين
ما يثير القلق هو أن هذه التصريحات صدرت عن مسؤولين رسميين أو شخصيات تمثل مؤسسات لها تأثير واسع على الخطاب العام والسياسات، ما يُعد سابقة خطيرة في ترسيخ الخطاب العدائي ضد فئة مضطهدة ومعنفة.
إليكم بعض التصريحات التي وردت من مصادر نقابية ومسؤولين في القطاع الصحي:
- د. حاتم البدوي، أمين عام شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية:
“نوفارتس وشركات الدواء العالمية لا تحترم ولا تهتم بثقافتنا وأعرافنا، بل تتعمد إثارة المواطن العربي… لن نقبل بهذه الأفعال الشاذة.” - د. محفوظ رمزي، رئيس لجنة التصنيع الدوائي بنقابة الصيادلة:
“بعض شركات الدواء العالمية تدعم مجتمع الميم من منطلق مزاعم الحرية وحقوق الإنسان، رغم أن كل الأديان السماوية ترفض هذا المجتمع وتحرمه وتجرّمه.” - وأضاف أيضًا:
“يجب أن نحذر من تسرب هذه الأفكار الشاذة والغريبة عن مجتمعنا و أدياننا.”
“نحن نرفض هذه الممارسات، ليس فقط دينيًا، بل لأنها تتعارض مع الفطرة السليمة.”
“الدعم لمجتمع الميم هو تناقض صارخ مع القيم والأخلاق.”
“يجب رفع تقارير للشركات الأم تعكس رفض المجتمع المصري لهذا الشذوذ.”
خطورة الخطاب التحريضي على الصحة العامة والصناعات الحيوية
لا يمثل وصف الأفراد من مجتمعات الميم بأنهم “شاذون”، وأن سلوكياتهم “غير طبيعية”، أو “آثمة”، أو “ضد الفطرة”، و”تخالف الأديان الإبراهيمية”، خطابًا تمييزيًا ومليئًا بالكراهية فقط، بل هو خطاب يهدد حياة الأفراد وسلامتهم النفسية والجسدية، خاصة في دولة مثل مصر حيث لا يزال الرفض المجتمعي والاضطهاد المؤسسي قائمًا.
هذه التصريحات ترسّخ الجهل، وتُشرعن التمييز، وتحفّز على الكراهية المجتمعية، وتغلق الباب أمام أي نقاش علمي أو إنساني حول الصحة النفسية والجنسانية والحقوق الفردية وخاصةً الحقوق الصحية للمثليين والترانس وأفراد مجتمعات الميم.
أثر خطير على مجال الدواء والصحة العامة
الأخطر من ذلك، أن ربط القضايا الصحية والدوائية العالمية بخطاب الكراهية يُهدد بتسييس قطاع يعتمد أساسًا على العلم، والتجربة، والإنسانية. عندما تتحول النقابات المهنية إلى أدوات تحريض أخلاقي، تفقد مهنيتها، وتُفرّغ دورها من محتواه العلمي، وتُهدد الثقة العامة في الطب الحديث وفي دور الأدوية الحديثة، خاصة تلك التي تُنقذ أرواح آلاف المصريين يوميًا.
أثر ممتد على مجتمعات الميم في مصر والمنطقة
الخطاب الصادر من هذه الجهات:
- يعزز وصم مجتمعات الميم
- يؤجج حملات كراهية وملاحقة قد تؤدي إلى العنف
- يؤثر سلبًا على العاملين من أفراد مجتمعات الميم داخل القطاع الصحي
- يفاقم من عزلة المرضى من مجتمعات الميم من حيث طلب رعاية صحية مناسبة
بلغة أخرى، التحريض لا يضر فقط نوفارتس أو الشركات العالمية، بل يضر المصريين أنفسهم: المرضى، والصيادلة، والعاملين في القطاع الصحي، والمواطنين الذين يحتاجون لبيئة طبية آمنة وغير إقصائية بسبب ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية.
تتواجد نوفارتس في مصر منذ أكثر من 58 عامًا، وتعد من الشركات الرائدة في سوق الأدوية المصري، حيث تستثمر في التصنيع المحلي، وتدير برامج دعم مرضى متعددة.
نوفارتس والتزاماتها العالمية تجاه حقوق الإنسان
منذ عام 2018، أصبحت نوفارتس أول شركة أدوية كبرى تدعم معايير الأمم المتحدة للأعمال لمكافحة التمييز ضد مجتمعات الميم. وتشمل سياساتها:
- المشاركة في مؤشرات المساواة في مكان العمل
- نشر برامج توعية حول الشمول والتنوع
- دعم مجموعات العاملين من مجتمعات الميم وذويهم
- تعديل السياسات الداخلية لتوفير بيئة عمل آمنة ومفتوحة
الإعلام التقليدي كمحرك أول لحملات الكراهية: استغلال مكرر لقضايا المثليين ومجتمعات الميم
من المهم الإشارة إلى أن ما أشعل هذه الحملة ضد شركة نوفارتس لم يكن منشور الشركة نفسه، بل التغطية الإعلامية المتعمدة من قبل وسائل إعلام مصرية، مثل “المصري اليوم”، التي تواصلت مع مسؤولين رسميين لسؤالهم عن موقفهم مما نُشر على صفحة الشركة العالمية.
هذه الخطوة ليست بريئة أو عفوية، بل تأتي ضمن نمط إعلامي مكرَّر في الإعلام المصري التقليدي، يقوم على إثارة الجدل باستخدام قصص وقضايا المثليين ومجتمعات الميم كمادة “ساخنة” لجذب المشاهدات والتفاعل، خصوصًا في المواسم التي يغيب فيها المحتوى الجاد أو الإخباري.
ما حدث هو شكل واضح من أشكال “صحافة الاستفزاز”، حيث تسعى الجهة الإعلامية إلى “صناعة الجدل” عبر استدعاء تصريحات من مسؤولين معروفين بمواقفهم المحافظة، وبالتالي تغذية الجدل بدلاً من تحليله أو تقديم سياق موضوعي له.
هذا النمط يكرر نفسه دوريًا:
- يتم رصد أي تعبير دولي عن دعم حقوق المثليين ومجتمعات الميم.
- يُنشر في وسائل الإعلام المحلية بلهجة إدانة ضمنية أو صريحة.
- يتم التواصل مع شخصيات “محافظة” معروفة لتعزيز الخطاب العدائي.
- يُقدَّم خطاب الكراهية والتحريض على العنف باعتباره “رأي المجتمع”، رغم أنه يفتقر لأي تمثيل شامل أو علمي أو تعددي يعكس آراء آخرين من المجتمع.
وبدلًا من أن يمارس الإعلام دوره التنويري أو التحليلي، يُصبح في هذه الحالات أداة تحريض، تساهم في:
- إعادة تدوير خطاب الكراهية
- تأجيج الرأي العام ضد فئات مهمّشة
- تحقيق نسب مشاهدة وتفاعل على حساب كرامة وسلامة الأفراد والمواطنين وحقوق الإنسان
في هذا السياق، يصبح الإعلام التقليدي طرفًا فاعلًا في تثبيت الصورة النمطية عن المثليين والترانس ومجتمعات الميم كمصدر “تهديد” أو “انحراف”، مما يشرعن العنف الرمزي والمجتمعي ضدهم.
يجب أن يكون دور الإعلام فضح الرفض، والتمييز، والكراهية، والعنف، والعمل على إنهائها وتنمية المجتمع، لا في تسويقها.
كما أن قصص وقضايا المثليين والترانس ومجتمعات الميم ليست أدوات إثارة، بل ملفات حقوقية وصحية واقتصادية وتعليمية واجتماعية يجب التعامل معها بحساسية وموضوعية، وليس باعتبارها مواد جذب أو وقودًا للتفاعلات الإلكترونية.
بدلاً من التحريض والوصم، تحتاج مصر إلى تطوير الخطاب الصحي والنقابي كي يرتكز على الأدلة العلمية، لا الخطابات الدينية أو الانفعالية. احترام التنوع وحقوق الإنسان لا يعني فرض قيم “غربية”، بل هو جزء أساسي من أي نظام صحي حديث يحترم كرامة الإنسان في كل بلد وكل مجتمع حول العالم.
التحريض الرسمي على الكراهية خطر لا يُهدد فقط مجتمع الميم، بل يُهدد الهوية الأخلاقية والمهنية لمؤسساتنا الصحية، ومستقبل قطاع الأدوية في البلاد.