التباعد الاجتماعي والعزلة الذاتية ليست مجرد مصطلحات مرتبطة بفيروس كورونا بالنسبة لنا، فقد طبعت هذه المفاهيم منذ فترة طويلة الحياة اليومية للكويريين المهمشين.مثل العديد من الأشخاص الكويريين الذين أعرفهم، أحاول الضغط على كل إحباطي ومخاوفي في مزحة شاحبة: “لقد كنت في عزلة ذاتية منذ الأزل وإلى الأبد” (تذكروا أن تمضوا في نطق كلمة “إلى الأبد” إلى الأبد). حالتي، حالتنا، كمجتمع كويري، تلخصها جملة من إحدى أغاني “مراهقتي” التي رافقتني منذ 2009، بوم بوم باو: “أنا في سنة ثلاثة آلاف وثمانية، أنتم عالقون في سنوات الألفين”، تعبيراً عن مشاعري بشأن القبول العالمي الأخير لهذا الوضع الجديد الذي بات الآخرون – اعتباراً لخط الفصل بين العالم و”الغرباء”، الكويريين – يتأقلمون معه شيئاً فشيئاً، بينما قد اعتدنا عليه، نحن، كمجتمع كويري، إن لم يكن الأمر قابلاً للإسقاط على المستوى الفردي.وبينما كان الأشخاص الكويريون يستخدمون بحذق ذكاءهم لإخفاء جروحهم لفترة طويلة، طويلة.. طويلة… طويلة جدًا، يبدو أنه لم يسمع أحد بهذا حتى خرجت هانا جادسبي بعرضها الكوميدي نانيت قبل عامين، توجز فيه تجربة العزلة الكويرية “للآخرين” في قالب هزلي: “وبهذه السبل المترفّعة، ارتأينا ألّا نردّ الصاع صاعين وألّا نواجه الأذى للذين تسببون فيه بأذى مضاد، هذه هي الحقيقة”.لقد كنا في عزلة ذاتية منذ الأزل وإلى الأبد (تذكروا من جديد أن تأخذوا نفساً عميقاً عند قراءة “إلى الأبد”، كنفس ما بعد صفعة مباغتة لم تكن أبدًا في الحسبان) وقد قبلنا زيف ما سميناه “ذاتية” بعدما تم دفعنا وإفراغنا في عزلة عن العالم، عزلة “ذاتية”، كما لو كان حقاً الخيار لنا. وهكذا، وفي هذه الظروف التي تذكرنا بسيناريو العزلة هذا، يجب ألا ننسى كل هؤلاء الذين لا زالوا اليوم، في عالم القرن الواحد والعشرين – أسفي لكل الذين كانت تطلعاتهم مشرقة، ومختلفة عمّا نعيشه الآن –يواصلون ممارستهم في “دفعنا” أبعد وأبعد وأبعد وأبعـــد وأبعــــــد وأبعـــــ..د…فلنخيل كيف أن العزلة الذاتية تبدو وكأنها بطانة من الحرير المخملي لمعظمنا من المجتمع الكويري. أفضل أسوء الحلول. لا عجب أن أنواع الأسئلة التي تردّد بصخب في رأسي منذ أن بدأ هذا الحجر هي نفسها التي نحتها صوت ويتني هيوستن في ذاكرة معجبيها منذ 1987: أين تذهب القلوب المكسورة؟ هل يمكن أن يجدوا طريق العودة إلى البيت؟ العودة إلى ذراعين مفتوحتين؟ لحبيب ينتظرهم هناك؟ وإذا ما كان شخص ما يحبك، ألن يحبك دائمًا؟فلنضع أرجلنا في الوحل. لقد سمعنا معاً عن حالات أشخاص عزلوا أنفسهم طويلاً، أبديًا أحيانًا، خوفًا من الضرب والجرح.. والدفن. يمكنني أن أؤكد لكم أنه بالنسبة للكثيرين منا – سأتحدث عن نفسي أولاً، لا يوجد أي شخص ينتظر، فما بالي/نا بأذرع مفتوحة وسيناريوهات العودة. وبالنسبة لشخص يحبني/نا؟ ربما نجحت/نا في إيجاد جزء منه، حفنة حب، ولكن العثور على شخص ما يحبنا كان دائمًا منحدرًا زلقًا.. طريقاً وعرةً.. أرض معركة لا تهون على الكثيرين.اسمحوا لي بهذه الاستعارة الأخيرة قبل أن أعود لقوقعتي وأختفي في روتين الحجر. مثلما هو الحال الآن في زمن كورونا، يجب علينا جميعًا أن نكون واعين بكيفية ارتداء ملابسنا للخروج، فنحن دائمًا ما نشك في بعضنا البعض – في يقظة مفرطة، نخشى أنه إذا ما خرجنا، قد تكون هذه هي خرجتنا الأخيرة، خرجتنا التي ستقتلنا، مدركين تمامًا لحدودنا – جسديًا وعاطفيًا ومكانيًا، وفي حالة من القلق والخوف المستمرين. لن أبالغ إذا ما ذهبت إلى حد القول: هذه هي مدينة الملاهي التي يعيش فيها الأشخاص الكويريون والمهمشون منذ الأزل، وإلى الأبد، مرة أخرى. هذه هي حالة الهلع وعدم اليقين والتقيد التي يجب أن نتكبدها في العزلة، دون الدخول فعليًا في صراعات الخروج والتنقل في الفضاء العام. لقد كنا نعيش كل هذا الوقت في الهامش. هل تصدّقون؟