منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، شهدت الولايات المتحدة تصعيدًا غير مسبوق في الهجمات على حقوق مجتمعات الميم، خاصة الأفراد الترانس، في مجالات الصحة، والسجون، والحريات الشخصية. جاءت هذه السياسات ضمن قرارت رئاسية وحكومية أثارت موجة من الغضب بين النشطاء الحقوقيين والمنظمات الطبية والمجتمع الدولي.
قطع تمويل برامج مكافحة الإيدز وتهديد حياة الملايين
في خطوة وُصفت بأنها كارثية، أوقفت إدارة ترامب تمويل البرامج الصحية العالمية، بما في ذلك برنامج الطوارئ الرئاسي للإغاثة من الإيدز (PEPFAR)، مما عطل مباشرة إمدادات الأدوية المنقذة للحياة لأكثر من 20 مليون شخص، معظمهم في أفريقيا.
مع هذا القرار، اضطرت العديد من العيادات المدعومة من برنامج PEPFAR إلى الإغلاق أو تعليق خدماتها، مما منع المرضى من الحصول على الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية (ARVs)، التي تمنع الفيروس من التكاثر في الجسم. وبما أن بعض المرضى لديهم إمدادات تكفي لشهر أو شهرين فقط، فإن خطر انتشار الفيروس وتدهور صحة المتعايشين معه بات مرتفعًا للغاية.
وصفت المنظمات الصحية والحقوقية القرار بأنه جريمة ضد الصحة العالمية، فيما حذرت الأمم المتحدة من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى زيادة كبيرة في الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة.
ترمب يكن عداءً خاصًا للترانس مدعومًا بكراهية إيلون ماسك
حظر الرعاية الصحية المؤكدة للهوية الجندرية للقاصرين الترانس
في تصعيد آخر، وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا يمنع تقديم الرعاية الصحية المؤكدة للهوية الجندرية للأشخاص تحت سن 19 عامًا. بموجب هذا القرار، يُحظر على برامج Medicare وMedicaid دعم العلاجات الهرمونية أو العمليات الجراحية للأفراد الترانس، كما أنهى ترمب الاعتماد على إرشادات الجمعية العالمية للمهنيين لصحة الأفراد الترانس (WPATH)، والتي اتهمتها الإدارة الأمريكية سابقًا بـ”الترويج لعلوم زائفة”.
يأتي هذا القرار في ظل تزايد عدد الشباب الترانس الذين يسعون للحصول على الرعاية الطبية، حيث أظهرت الإحصاءات أن حوالي 4230 قاصرًا تلقوا علاجًا هرمونيًا في الولايات المتحدة خلال العام الماضي، في حين تناول أقل من 1400 منهم علاجات حاصرات البلوغ. ومع ذلك، فإن 26 ولاية أمريكية على الأقل فرضت بالفعل قيودًا على وصول القاصرين إلى الرعاية المؤكدة للهوية الجندرية.
نددت المنظمات الحقوقية، مثل GLAAD وحملة حقوق الإنسان (HRC)، بالقرار الرئاسي، مشيرة إلى أن كل الجمعيات الطبية الكبرى تدعم الرعاية المؤكدة للهوية الجندرية والعبور الجنسي باعتبارها علاجًا ضروريًا قائمًا على الأدلة ويساهم في إنقاذ الأشخاص.
في استطلاع أجرته مؤسسة جالوب العام الماضي، قال 61% من الأمريكيين إنهم يرفضون القوانين التي تحظر الدعم النفسي والعلاجات الهرمونية والجراحية للقاصرين الترانس، بينما أيدها 36% فقط، مما يعكس انقسامًا مجتمعيًا حول القضية.
نقل النساء الترانس إلى سجون الرجال ومنع الرعاية الصحية عن السجناء الترانس
أحد أكثر القرارات غير الإنسانية التي اتخذها ترامب فور عودته للرئاسة كان إلغاء سياسات الحماية للسجناء الترانس. أصدر الرئيس قرارًا بفرض إيواء جميع النساء الترانس في سجون الرجال وإنهاء وصولهن إلى الرعاية الصحية المؤكدة للجندر داخل السجون الفيدرالية.
يعد القرار انتهاكًا صارخًا لحقوق الأفراد الترانس وحقوق الإنسان داخل أماكن الاحتجاز والسجون، حيث أظهرت بيانات وزارة العدل الأمريكية الرسمية أنه يوجد حوالي 2230 سجينًا ترانس في مراكز الاحتجاز والسجون الفيدرالية، من بينهم 1506 امرأة ترانس، ومع ذلك، لا يوجد سوى 16 منهن محتجزات في سجون النساء.
لحسن الحظ، أصدر القاضي الفيدرالي في واشنطن رويس لامبرث، حكمًا يمنع إدارة ترامب من تنفيذ القرار، مشيرًا إلى أنها تتعارض مع القوانين الفيدرالية وتحمل مخاطر جسيمة على حياة السجينات الترانس.
تشير القرارات التي اتخذتها إدارة ترمب منذ عودته إلى الرئاسة إلى تصعيد خطير في الهجمات على حقوق مجتمعات الميم، من قطع التمويل عن برامج مكافحة الإيدز إلى حظر الرعاية الصحية المؤكدة للجندر ونقل النساء الترانس إلى سجون الرجال. هذه القرارات لا تعكس فقط توجهًا سياسيًا معاديًا، بل تمثل أيضًا خطرًا مباشرًا على حياة الملايين، خاصة الفئات الأكثر ضعفًا وهشاشةً.
ورغم أن المعارضة الحقوقية والقضائية نجحت في تعطيل بعض هذه القرارات، إلا أن الطريق لا يزال طويلًا أمام النضال من أجل استعادة الحقوق والحفاظ على المكتسبات التي حققتها مجتمعات الميم في السنوات الماضية.