“المثليين مقرفين” أو “المثليين مقززين”. قد يعتبر البعض هذا القول مجرد رأي شخصي أو تعبير عن عدم ارتياح، إلا أنه أبعد من ذلك بكثير.
حيث أن كلمات ولغة كهذه تُرسّخ رفض وكراهية وعنف متجذرين بالفعل في الثقافة العامة، وتُسهم في ثقافة الوصم والخوف وعدم الفهم والإقصاء وممارسات العنف ضد ملايين الناس.
في المجتمعات التي تسعى جاهدة لتحقيق التطور والشمول والكرامة وإحقاق العدالة وإنهاء الظلم ضد الجميع، لا يُمكن تجاهل مثل هذه العبارات أو الكلمات التي تحقر من شأن الناس وفئات من المجتمع.
حيث أن الاحترام العام المتبادل والتعايش بين كل الناس والحب والتعاطف وتماسك النسيج المجتمعي والبشري يتطلب كلاً من:
أولًا: فهم مصدر هذه اللغة وهذا الشعور بالتقزز والقرف
غالبًا ما تنبع المواقف السلبية تجاه مجتمع المثليين من مزيج من التأثيرات الثقافية والدينية والتاريخية.
على مدى قرون، جُرِّمت ولا تزال تجرم المثلية الجنسية والمثليين، كما عُملوا ولا زال يتم التعامل معهم على أنهم مرضى ويمكن علاجهم، كما صُور المثليين على أنهم غير أخلاقيين أو منحرفين أو يشجعون على الفسق والفجور وغيرها من المصطلحات المختلفة التي تستخدم في التحقير من المثليين والتحريض ضدهم.
وقد ترسخت هذه الآراء في القوانين والمساجد والكنائس والمؤسسات الدينية والفصول الدراسية ووسائل الإعلام وبيئات العمل والمنشآت والبيئات الصحية والطبية والعلمية.
نشأ الكثير منا وتربوا على سماع أشياء سلبية ومغلوطة وغير دقيقة عن مجتمع المثليين دون تشجيع على التوقف عندها والتساؤل حول دقتها والتشكيك فيها ومراجعتها.
من المهم إدراك أن الإحساس بالانزعاج أو التقزز والقرف أو غيرها من المشاعر السلبية التي تتولد عن سماع أو رؤية ما يخص مجتمع المثليين، لا تنتج هذه المشاعر من حقائق ووقائع، بل تنتج من التكييف والاعتياد والتربية على كراهية مجتمع المثليين والنفور منهم ليس إلا في دائرة غير مفرغة من تمرير الأفكار المغلوطة والعدائية تجاه مجتمع المثليين بين الناس والأجيال المختلفة.
كثير من الفئات المجتمعية التي يصفها الناس بأنها “مقززة” أو “مقرفة” هم ببساطة غير مألوفين لهم.
تُظهر دراسات علم النفس أن الناس غالبًا ما يتفاعلون بشكل سلبي مع أشخاص وأشياء لا يفهمونها أو رُبّوا على الجهل بها والنفور والانزعاج منها وكراهيتها وأحيانًا ممارسة العنف تجاهها.
لكن هذا النفور والانزعاج ليس صحيحًا ومنطقيًا ولا أساس له، وقد يمثل فرصة للتوقف عنده التفكير فيه بشكل منطقي لمعرفة أسبابه والتخلص منه واعتبارها فرصة للتعلم والمعرفة حول فئات المجتمع المكروهة والمنبوذة دون سبب منطقي أو واقعي أو علمي.
ثانيًا: التكلفة البشرية لخطاب الكراهية
يمكن للغة أن تُحسّن أو تُدمّر. عندما يقول أحدهم: “المثليون مقززون”، فإن هذه الرسالة لا توجد أو تُفنى في الفراغ. إنما تُساهم في خلق بيئة أوسع يشعر فيها أفراد مجتمع المثليين – وخاصة الشباب – بعدم الأمان، والنبذ، والخجل، والعزلة، وكراهية الذات والمجتمع كـ رد فعل على الكراهية.
وفقًا لبحث أجرته منظمة مشروع تريفور، وهي منظمة مهتمة بالصحة النفسية للمثليين وأفراد مجتمعات الميم، فإن المراهقين من مجتمع المثليين ومجتمعات الميم أكثر عرضة بأربع مرات لمحاولة الانتحار من أقرانهم، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى الرفض والبيئات العدائية والكراهية والعنف من المجتمع ضد المثليين ومجتمعات الميم.
في أماكن العمل والمدارس والمنازل والشوارع وعبر الإنترنت، تؤثر هذه الكلمات المسيئة والمهينة التي تحمل رفض وكراهية ونبذ على الناس الحقيقيين وفي الحياة الحقيقية.
حيث تشجع الكلمات المسيئة والمهينة وتؤدي إلى التنمر والتمييز واضطرابات الصحة النفسية. قد يشعر الناس بالضغط لإخفاء هويتهم لمجرد الشعور بالأمان أو القبول أو عدم التعرض للكراهية والعنف والتنكيل سواء من المقربين والغرباء والشرطة أو الجهات الرسمية والحكومية في أكثر من 60 دولة حول العالم. حتى لو لم يقصد أحدهم الأذى بكلامه، فقد يكون التأثير مدمرًا.
ثالثًا: ما يقوله العلم والطب عن المثلية والمثليين
لا يوجد أساس علمي يدعم الأفكار المغلوطة المنتشرة والشائعة عن المثلية الجنسية بأنها خطأ أو غير طبيعية أو مرض أو شذوذ وانحراف أو أن لها تأثير سيئ على المثليين والمجتمع.
المثلية الجنسية هي جزء من التنوع الطبيعي في التوجهات والميول الجنسية عند البشر والكائنات الحية. وقد أكدت الأمريكية للأطباء النفسيين ومنظمة الصحة العالمية ومؤسسات طبية وعلمية كبرى أخرى لا حصر لها على ذلك طوال سنوات وعقود. المثلية الجنسية ليست مرضًا أو مرحلة أو عيبًا أخلاقيًا – إنها ببساطة جزء من تنوع الإنسان والكائنات الحية.
عندما يصف الناس المثليين بأنهم “مقززين” أو “مقرفين”، فإنهم لا يتحدثون عن حقائق – بل يتحدثون من منطلق الخوف أو المعلومات المضللة أو الرفض والنفور والكراهية الموروثة عبر الأجيال والمتأثرة بالمحيط. حيث لا يجب جمع الانزعاج الشخصي بالحكم الأخلاقي أو العلمي والطبي.
رابعًا: لماذا الاحترام مهم – حتى للأشخاص والفئات التي لا نفهمها أو ندعم حقوقها
ليس عليك أن تفهم تجربة شخص ما تمامًا لمعاملته باحترام وكرامة. قد لا يفهم الكثيرون معنى أن تكون من مجتمع المثليين ومجتمع الميم، لكن الاحترام الأساسي لا ينبغي أن يعتمد على التشابه أو الاتفاق، حيث أن الناس مختلفين ومتنوعين والاحترام لهم حق أساسي لكونهم بشر، وليس لأننا نتفق معهم في التوجهات الجنسية والهوية بكل مركباتها.
حيث أننا جميعًا كـ بشر نعرف معنى أن نرغب في أن نُقبل كما نحن، وأن نشعر بالأمان في مجتمعاتنا، وأن نعيش دون خوف من السخرية أو الأذى أو الملاحقة والتنكيل والعنف اللفظي والنفسي والجسدي.
قد يكون من السهل على الأشخاص غير المثليين وخارج مجتمعات الميم تجاهل مشاكل التحقير وإهانة المثليين ومجتمعات الميم باعتبارها مشكلة الآخرين أو لا تخصهم. لكن الحقوق والعدالة والأمن والسلامة مسؤولية الجميع، حيث أن عالم أكثر عدلاً ورحمة يعود بالنفع علينا جميعًا ويضمن التعايش والسلم والتماسك والرخاء بالنسبة للجميع بغض النظر عن توجهاتهم الجنسية أو اختلافاتهم وتوجهاتهم.
خامساً: ما يمكنك فعله بشكل مختلف للتخلص من معاداة أشخاص ومجتمعات لا تعرفها
راجع معتقداتك. اسأل نفسك من أين يأتي انزعاجك. هل هو مبني على التجربة، أم على ما قيل لك في طفولتك ونشأتك؟
تحدث عندما تسمع آراء تحمل كراهية أو قسوة أو تحريض على الآخر لا لشيء إلا لأنه مختلف. الصمت قد يُعتبر موافقة وتجشيعًا على العنف ضد الآخر، حيث أن تعنيف المختلف يعني أن الجميع قد يعانون من العنف يومًا ما، لأن كل الناس مختلفين في أعين غيرهم. ومن المهم مراعاة السلامة والأمن، حيث أن مناقشة بعض آراء الكراهية والعنف قد تعرض الأشخاص للعنف هم أنفسهم.
الخلاصة
إن عبارة “المثليين مقززين” أو “المثليين مقرفين” ليست مجرد عبارة قاسية، بل هي ضارة، وخاطئة في الواقع، ومدمرة اجتماعيًا.
حيث إنها تُديم الألم وتحرص على توسعه، وتُعزز الجهل وعدم الفهم، وتشجع ثقافات الكراهية وممارسات العنف اللفظي والنفسي والجسدي، وتعيق بناء مجتمع متنوعة، يغلب عليها الاحترام والتعاطف والحب المشترك.
لكلٍّ منا خيار في كيفية استخدام أصواتنا وطرق تعاملنا. اختيار اللطف بدلًا من القسوة، والتفهم بدلًا من الحكم، والتعاطف بدلًا من الخوف، والانفتاح بدلاً من اللجوء على الاعتياد والأفكار الموروثة التي تجهل بالآخر، لا يعني بالضرورة الصوابية السياسية أو التجمل أو الادعاء والتصرف بمثالية، بل يعني أن نكون بشرًا محترمين نقدر الآخر وحقوقه في العيش بسلام وأمان وكرامة.
حتى لو لم تكن من مجتمع المثليين ومجتمعات الميم، فإن كلماتك وأفعالك قد تحمي الآخرين أو تؤذيهم. فلنختر بحكمة، ولنعامل الناس لا كـ تصنيفات أو فئات، بل كبشر جديرين بنفس الاحترام والود الذي نأمل أن نحظى بهما.