شهدت مدينة طرابلس شمال لبنان ليلة متوترة، بعد أن أُجبرت فرقة “Awkward” الكوميدية على إلغاء عرضها الساخر في “مسرح ستيريو كواليس”، عقب تجمّع عشرات المحتجّين الغاضبين عند مداخل المسرح، واتهامهم العرض بـ”التطاول على الدين” و”الترويج للمثلية الجنسية”.
لم يكن الاحتجاج عفويًا، بل جاء نتيجة حشد من “نادي طرابلس الثقافي”، وهي مجموعة تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي في التحريض على الفعاليات الثقافية تحت ذريعة “الدفاع عن الدين”. وكان النادي قد أطلق حملة قبل العرض تحت شعار: “اتقوا الله في مدينتكم المستهدفة وأبنائها”.
وقالت ستيفاني غلبوني، إحدى أعضاء الفرقة، في تصريح لموقع “درج“: “لا أنوي إقامة عرض في طرابلس مرة أخرى. رغم امتلاء القاعة ووجود أصدقاء كثر لنا هناك، ما حدث في الخارج كان مرعبًا.”
الجيش يتدخل.. ومغادرة من الباب الخلفي
بينما مرّ العرض الأول عند الساعة الخامسة والنصف مساءً دون مشاكل، بدأ التجمهر والتوتر مع اقتراب موعد العرض الثاني.
المحتجّون رددوا هتافات دينية ورفعوا لافتات تتهم العرض بـ”الشذوذ والتجديف”، مستندين إلى مقاطع قديمة لأعضاء من الفريق الكوميدي مثل شادن فقيه ونور حجار.
دفعت الأحداث الجيش اللبناني إلى التدخل لتأمين مغادرة الفريق والجمهور من الباب الخلفي، بعد أن أصبح المسرح محاصرًا من الخارج.
تكرار الحدث بسبب خرافة “الترويج للمثلية”
ما حصل مع فرقة Awkward ليس حالة معزولة، إذ تكررت في السنوات الأخيرة حملات التضييق والاحتجاج على أنشطة ثقافية وتعليمية في المدينة، غالبًا تحت ذريعة حماية “الأخلاق العامة أو منع “الترويج” للمثلية الجنسية وحقوق المثليين.
وفي مايو 2025، تعرضت وزيرة التربية والتعليم العالي في الحكومة اللبنانية ريما كرامي لحملة شرسة من جهات دينية وشخصيات سياسية في طرابلس، بعد تنظيم ندوة عن الصحة الجنسية للفتيات في “ثانوية فضل المقدّم الرسمية للبنات”، ضمن برنامج قديم يحمل اسم “الصحة الجنسية المتكاملة للمرأة” (WISH)، نُفذ بالتعاون مع المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت.
البرنامج الذي استمر لعشر سنوات دون مشاكل، ويشرف عليه متخصصون بارزون في الصحة العامة، أصبح فجأة في مرمى الاتهامات، حيث تم تصويره كأداة “لنشر الشذوذ” في طرابلس.
وزادت الانتقادات بعد رصد رمز QR Code على أحد الكتيبات التثقيفية، يقود إلى موقع الجامعة الأميركية ويتضمن معلومات حول قضايا الصحة الجنسية والجنسانية والجندر.
الوزيرة ترضخ للضغط… والمشروع يُعلّق
رغم أن البرنامج تم تنفيذه سابقًا في ست ثانويات مختلفة دون اعتراض، سارعت الوزيرة ريما كرامي إلى إيقاف المشروع وسحب مواده التعليمية، حرصًا – كما ورد في بيانها – على “سلامة التلامذة الصحية والنفسية”.
ازدواجية المعايير
اللافت أن هذه الحملات لا تُثار حين يتعلّق الأمر بانتهاكات حقيقية داخل المدارس الرسمية، كحالات التعنيف الجسدي من بعض الأساتذة تجاه التلامذة، والتي تمر مرور الكرام دون محاسبة. في المقابل، يُضخَّم أي نشاط تثقيفي أو فني تحت عنوان “حماية المدينة من الانحلال” أو منع “الترويج” للمثلية الجنسية.
تصاعد الرقابة المجتمعية على الفضاء العام
منذ العام الماضي، ظهرت في طرابلس لبنان مجموعات مثل “جنود الفيحاء”، التي اقتحمت مدارس ومراكز ثقافية بحجة “فضح الجمعيات المروّجة للمثلية”. كما شهدت المدينة هجمات على مراكز توزيع الواقيات الذكرية، وحملات ضدّ فعاليات توعوية تعتبر عادية في باقي المناطق اللبنانية.
الترويج للمثلية خرافة وليس حقيقيًا
لا يُشجع تمثيل المثليين في وسائل الإعلام أو الحديث والنشر عنهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي الناس على أن يكونوا مثليين؛ بل يعكس ببساطة تنوع التجارب والهويات الإنسانية الموجودة بالفعل في المجتمع. كما أنه يسمح للمثليين برؤية أنفسهم في القصص، مما قد يكون مُمكِّنًا ومُؤكدًا ويساعد على تصحيح المفاهيم المغلوطة ويضمن الحماية والحقوق للجميع.
يُعد التمثيل الإعلامي لأفراد مجتمع المثليين، بما في ذلك الشخصيات والقصص المثلية، أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز حضورهم وقبولهم والحد من المفاهيم والتصورات النمطية الخاطئة والمعلومات المغلوطة.
حيث يساعد ذلك على الحد من ثقافات الكراهية وممارسات العنف ضد المثليين ويزيد من تنمية التعاطف والتفهم تجاه الأشخاص ذوي الميول الجنسية المختلفة مما يزيد من السلم والأمن المجتمعي وبين البشر.
يجادل بعض النقاد بأن تمثيل وسائل الإعلام للمثليين يمكن أن “يعززها” أو “يزيد” من وجودهم، لكن هذا مبني على سوء فهم. فالتمثيل الإعلامي لا يهدف إلى تشجيع الناس على تغيير توجههم الجنسي؛ بل إلى عكس التجارب المعيشية لأفراد مجتمع المثليين وإبرازهم مع التحديات والمشاكل التي يواجهوها في قطاعات ومجالات الحياة المختلفة مثل القطاع القانوني والصحي والتعليمي والاقتصادي والثقافي وغيرها.
من المهم الإشارة إلى أن لكل شخص، بغض النظر عن ميوله الجنسية، الحق في أن يُمثل في وسائل الإعلام. إن وسائل الإعلام التي تعرض شخصيات أو قصصًا من مجتمع المثليين تُقر ببساطة بوجود المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي واللاجنسيين، وأنهم يستحقون أن يُنظر إليهم بإنصاف ودقة.