في بلدٍ تندر فيه الاعترافات الرسمية بالهويات الجندرية المختلفة، تبقى لجنة تصحيح الجنس التابعة لنقابة الأطباء المصرية الجهة الحكومية الوحيدة التي تتولى مسؤولية الإشراف على الرعاية الصحية التصحيحية للأشخاص الترانس وثنائيي الجنس، بما يشمل تقييم الحالات الطبية والنفسية وإصدار التصاريح اللازمة لإجراء عمليات تصحيح الجنس.
تشكيل اللجنة واختصاصها
تتكون اللجنة من فريق طبي متعدد التخصصات يضم طبيبين نفسيين، وأستاذ في علم الوراثة، وأستاذ في أمراض الذكورة، بالإضافة إلى رئيس اللجنة ممثلاً عن نقابة الأطباء، وتخضع لإشراف مباشر من لجنة آداب المهنة بالنقابة.
يقوم هذا الفريق بفحص الملفات الطبية والنفسية للحالات المتقدمة، ومن ثم يتم تحويلها إلى المستشفيات الجامعية في القاهرة، الإسكندرية أو أسيوط للخضوع إلى برنامج علاج نفسي إلزامي يمتد لعامين متواصلين. فإذا أثبتت التقارير الطبية والنفسية عجز الشخص عن التعايش مع جسده البيولوجي، يُوصى بالسماح له بإجراء الجراحة.
الدور الديني في قرارات اللجنة وأثارها على الترانس
رغم الطبيعة الطبية والإنسانية لعمل اللجنة، إلا أن إصدار الموافقة النهائية يتطلب أيضًا فتوى دينية من الأزهر الشريف لكل حالة على حدة. وكانت اللجنة قد توقفت عن العمل بين عامي 2014 و2017 بسبب اعتراضات من ممثل دار الإفتاء على تضمين اسمه في التصاريح الرسمية، قبل أن يتم التوصل إلى حل يقضي بإرسال ملفات الحالات بشكل منفصل إلى دار الإفتاء دون حضور ممثلها اجتماعات اللجنة.
تحديات عملية وواقع معقد أمام العبور الجنسي في مصر
منذ إعادة تفعيل اللجنة، أكدت النقابة أنها تستقبل عشرات الملفات سنويًا، حيث تم مؤخرًا تحويل ملفات 14 حالة إلى الأزهر لإصدار الفتاوى، في حين ينتظر 27 ملفًا آخر استكمال الأوراق لعرضها على اللجنة.
ورغم مرور أكثر من عقدين على أول حالة تصحيح جنسي رسمية في مصر، فإن الواقع القانوني والاجتماعي لا يزال معقدًا. فحتى الآن لا يوجد قانون صريح يعترف بالهوية الجندرية، بل يعتمد الأفراد على التصاريح الطبية والدينية للتمكن من تغيير أوراقهم الرسمية في وزارة الداخلية بعد الخضوع للعملية الجراحية.
البيروقراطية كعقبة أمام الحق في الحياة
طول الإجراءات وتعقيدها، إلى جانب ضعف التكوين الأكاديمي للأطباء في هذا المجال — حيث لا يتم تدريس تصحيح الجنس كجزء من مناهج الطب الأساسية — يجعل الوصول إلى الرعاية الجندرية أمرًا بالغ الصعوبة.
وقد صرح د. أسامة عبد الحي، رئيس اللجنة، بأن عدد الموافقات الممنوحة من عام 2013 وحتى توقف اللجنة في 2014 لم يتجاوز 76 موافقة، فيما تم منح حالة واحدة فقط موافقة طبية منذ إعادة تشغيل اللجنة حتى اليوم، دون معرفة إن كانت قد أجرت الجراحة فعليًا.

آثار التوقف: فراغ قانوني وضياع صحي
توقف عمل اللجنة لعدة سنوات أدى إلى تدهور الأوضاع الصحية والنفسية للعابرين والعابرات جنسيًا، إذ أن الجراحة دون تصريح من اللجنة غالبًا ما تُجرى في مستشفيات خاصة ترفض لاحقًا إصدار تقارير طبية، ما يمنع الشخص من استكمال تعديل أوراقه الرسمية. والنتيجة؟ حياة يومية مهددة بسبب عدم تطابق الهوية الجندرية مع الأوراق الرسمية، مما يعرضهم للاعتقالات والانتهاكات.
وقد أشارت داليا عبد الحميد، مسؤولة ملف النوع الاجتماعي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إلى أن العابرين والعابرات يُعاملون كمجرمين تحت تهم فضفاضة مثل “الرذيلة” و“نشر الفجور”، ما أدى إلى اعتقال ما لا يقل عن 200 شخص بين عامي 2013 و2016 في حملات استهدفت مجتمع الميم/عين، بما في ذلك الترانس.
نحو إصلاح المنظومة: هل تكفي اللجنة وحدها؟
ورغم أن لجنة تصحيح الجنس تمثل نافذة قانونية نادرة في مصر، إلا أن القوانين الغائبة، وضعف الاعتراف المؤسسي، وعدم وجود بروتوكولات واضحة أو برامج تدريب للأطباء، تُبقي العابرين والعابرات في منطقة رمادية قانونيًا، واجتماعيًا، وإنسانيًا.
ويأمل الكثيرون أن تكون عودة اللجنة للعمل، واتفاقها مع دار الإفتاء، بداية طريق جديد نحو توفير رعاية صحية متكاملة، وإقرار قانون يعترف بالهوية الجندرية، ويضمن الحقوق الأساسية للأشخاص الترانس وثنائيي الجنس في مصر، وعلى رأسها الحق في الحياة، والحرية الجسدية، والرعاية الصحية المتخصصة.