نضال بالعربي: قصة حكم رياضي وصراع مع التمييز
أثار الحكم الرياضي التونسي “نضال بالعربي” جدلاً واسعًا في الأوساط الرياضية والحقوقية بعد إعلان استبعاده من قطاع التحكيم في تونس، بسبب ميوله الجنسية المثلية.
القضية لم تتوقف عند حدود الإقصاء المهني، بل تجاوزتها إلى السجن والفحص الشرجي القسري، وهو إجراء أدانته منظمات حقوق الإنسان العالمية باعتباره شكلاً من أشكال التعذيب وانتهاك الكرامة الجسدية.
السجن والفحص الشرجي: ممارسات تنتهك حقوق الإنسان
قضى نضال بالعربي ما يزيد عن ثلاثة أشهر في السجن (تحديدًا 3 أشهر و19 يومًا)، وخضع خلال احتجازه إلى الفحص الشرجي الإجباري، الذي ما زال يُمارس في تونس ضد من يُشتبه في ميولهم الجنسية. وقد دعت العديد من منظمات حقوق الإنسان، من بينها منظمة العفو الدولية، إلى إيقاف هذه الممارسة التي تُعد مهينة وغير إنسانية.
وقال نضال في تصريح إعلامي: “هناك مسؤولون معروفون في قطاع التحكيم، لم يغادروا مناصبهم إلى الآن، كانوا يتحرشون بي ويطلبون إقامة علاقات جنسية معي، وكانوا يتصلون بي في ساعات متأخرة من الليل”. هذه الشهادة تبرز التناقض الصارخ بين استبعاده بسبب ميوله وبين تساهل المؤسسة مع تحرشات صادرة من مسؤولين.
المثلية الجنسية في الرياضة: واقع مخفي
أكد نضال أن المثلية الجنسية ليست غريبة عن المجال الرياضي في تونس، قائلاً: “عدد لاعبي كرة القدم المثليين كبير، وقد يناهز الأربعين”. وأشار إلى أن العديد من المثليين يشغلون مناصب عليا، لكنهم يعيشون حياتهم في الخفاء خوفاً من وصمة العار والتمييز المجتمعي.
هذا التصريح يسلط الضوء على واقع معقد يعيشه الرياضيون المثليون في تونس والدول الناطقة بالعربية بشكل عام، حيث يُجبرون على إخفاء ميولهم لتجنب الإقصاء والاضطهاد، رغم أن العديد منهم يساهمون في تطوير الرياضة على مستويات مختلفة.
عروض لجوء وقرار البقاء
في خضم العاصفة التي واجهها، تلقى نضال بالعربي عروضًا للجوء من ثلاث دول أوروبية، لكنه رفض مغادرة تونس، مؤكدًا: “باقٍ في تونس، ولن أغادرها إلا مُكرهاً”.
هذا القرار يعكس إيمان نضال بحقوقه كمواطن تونسي، ورفضه للتخلي عن بلده رغم الظروف الصعبة التي يواجهها.
الإطار القانوني في تونس: المادة 230
تعتمد السلطات التونسية على المادة 230 من القانون الجنائي، التي تُجرّم العلاقات الجنسية المثلية وتُعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
هذه المادة، رغم الانتقادات الواسعة، ما زالت تُستخدم لتجريم أفراد من مجتمع الميم، خاصة الرجال المثليين، من خلال أساليب تحقيق مهينة مثل الفحص الشرجي.
في السنوات الأخيرة، دعا عدد من النشطاء والمنظمات المحلية والدولية إلى إلغاء المادة 230، مؤكدين أنها تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ومع ذلك، ما زال الجدل مستمرًا بين الأصوات التقدمية والقوى المحافظة في البلاد.
هل هناك أمل في التغيير؟
رغم التحديات القانونية والاجتماعية، فإن تونس شهدت في السنوات الماضية تحولاً نسبيًا في الخطاب العام، مع ظهور منظمات مدافعة عن حقوق مجتمع الميم، وزيادة التغطية الإعلامية لقضاياهم، ما يعكس بداية وعي مجتمعي جديد، وإن كان بطيئًا.
قضية نضال بالعربي تُعد جرس إنذار يُسلّط الضوء على معاناة الرياضيين المثليين، والحاجة الماسة إلى بناء بيئة رياضية أكثر شمولية تحترم الكرامة الإنسانية وتُدين التمييز بأشكاله كافة.
دعوة لإعادة النظر
إن استبعاد نضال بالعربي ليس مجرد حادث فردي، بل هو انعكاس لمنظومة مجتمعية وقانونية ترفض الآخر، وتُقصي كل من يختلف عن المعايير النمطية للجنس والهوية.
وفي ظل هذا الواقع، تبقى الحاجة ملحّة إلى إصلاح تشريعي عادل وشامل يضمن المساواة ويُنهي التمييز على أساس التوجه الجنسي.
إذا كانت الرياضة تُعرف بأنها مساحة للعدل والمساواة، فهل يمكن أن تتحقق هذه القيم في ظل استبعاد مواطنين فقط لأنهم مختلفون؟ هذا سؤال يجب أن نطرحه جميعًا.