أطياف
مثلية

إندونيسيا تحظر تمثيل الشخصيات المثلية على الشاشات

تصاعد الرقابة الإعلامية ضد التمثيل الكويري في جنوب شرق آسيا

في خبر أثار استياء النشطاء الحقوقيين وسخرية مستخدمي الإنترنت على حد سواء، أعلنت السلطات الإندونيسية فرض حظر رسمي على ظهور الشخصيات المثلية في المسلسلات التلفزيونية والأفلام المعروضة داخل البلاد، بدعوى الحفاظ على “القيم الأخلاقية” و”الهوية الثقافية الإندونيسية”.

وقد استقبل بعض الناشطين هذا الخبر بأسلوب ساخر، حيث كتب أحدهم على وسائل التواصل الاجتماعي: “ببساطة، تم تحويل المثليين إلى شخصيات غيرية بقرار حكومي!” — في إشارة ساخرة إلى غياب المنطق في فرض رقابة على التمثيل لا على الواقع الاجتماعي.

الرقابة على الإعلام في إندونيسيا: خلفية قانونية وثقافية

إندونيسيا، الدولة ذات الأغلبية المسلمة والتي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، لطالما عرفت بسياساتها المحافظة تجاه قضايا التنوع الجنسي والهوية الجندرية. وعلى الرغم من أن العلاقات بين الأشخاص من نفس الجنس لا تزال قانونية في معظم أقاليم البلاد، إلا أن التمييز المجتمعي والسياسي آخذ في التصاعد.

في السنوات الأخيرة، شنت الحكومة حملات رقابية على منصات الإعلام والترفيه، خصوصًا مع تنامي تأثير شبكات البث العالمية مثل نتفليكس، مما دفع بعض الجهات الحكومية إلى فرض قيود على المحتوى الذي “لا يتماشى مع القيم المحلية”، بحسب تصريحاتهم الرسمية.

أمثلة سابقة على قرارات الرقابة:

  • في 2016، تم حظر عرض الرسوم المتحركة التي تحتوي على شخصيات تعتبر “غير مناسبة أخلاقيًا”، بما في ذلك الشخصيات التي يُعتقد أنها تعكس تلميحات عن المثلية.
  • في 2017، أُغلقت عدة حسابات على وسائل التواصل بدعوى الترويج “للمحتوى المثلي”.

ردود فعل حقوقية: قلق من التمييز وإقصاء التمثيل

الخطوة الأخيرة بحظر ظهور شخصيات مثلية على التلفزيون والإعلام الإندونيسي أثارت ردود فعل غاضبة من قبل منظمات حقوق الإنسان. وقد علّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” على ذلك بالقول:

“هذه الرقابة الإعلامية ليست فقط تعديًا على حرية التعبير، بل تمثل خنقًا لصوت مجتمع الميم وتهميشًا متعمدًا لحقيقته الوجودية.”

وفي حديث مع الناشطة في مجال حقوق الكوير الإندونيسيين “ديانا ساهير”، قالت:

“تمثيلنا في الإعلام ليس رفاهية، بل ضرورة. رؤية أنفسنا على الشاشة تُعطي الأمل للعديد من الشباب الذين يعيشون في عزلة وقمع.”

التأثير الاجتماعي لحجب التمثيل الكويري

يحذر خبراء في علم النفس والاجتماع من الآثار السلبية لتجاهل تمثيل التنوع الجنسي في الإعلام، خاصة على فئة الشباب الكويري الذين يبحثون عن الانتماء والدعم النفسي.

تشير دراسة صادرة عن جامعة أوتريخت الهولندية (2015) إلى أن “تمثيل الأقليات الجنسية في وسائل الإعلام يرتبط بشكل مباشر بتحسن مؤشرات الصحة النفسية والانخراط المجتمعي لدى الأفراد المثليين.”

إذًا، فإن قرار الحظر لا يعني فقط كتم الصوت، بل هو سياسة إقصاء ممنهجة تترك أثرًا عميقًا في الوعي الجمعي والهوية الفردية.

الإعلام والسخرية: مقاومة ناعمة

وسط هذه الأجواء القاتمة، لجأ العديد من النشطاء والمستخدمين إلى السخرية كوسيلة لمقاومة القرار. فقد امتلأت منصات تويتر وفيسبوك بصور معدلة وميمز ساخرة تسخر من “المسخ الإعلامي” الذي تسعى الحكومة إلى فرضه، وبعضها يظهر شخصيات كرتونية وقد كُتب عليها: “أنا لم أعد مثليًا – الحكومة قررت ذلك!”.

كما نشط وسوم مثل:
#GayIsNotACrime
#IndonesiaLGBT
#RepresentationMatters

والتي حظيت بآلاف المشاركات والمناقشات حول أهمية تمثيل الأقليات في الإعلام وأثره على تقبل المجتمعات.

مقارنات دولية: إلى أين تسير إندونيسيا؟

في الوقت الذي تتجه فيه العديد من الدول نحو مزيد من الانفتاح والتعددية في تمثيل الهويات الجنسية، تمثل السياسات الإندونيسية تراجعًا خطيرًا. فمثلًا:

  • في الهند، تم مؤخراً إلغاء تجريم المثلية (2018) وتزايد تمثيل الكوير في السينما.
  • في تايلند، تشهد الساحة الإعلامية طفرة في إنتاج الأعمال التي تتناول العلاقات بين الجنس نفسه، بما في ذلك ما يُعرف بدراما الـ BL.
  • أما في الفلبين، فالإعلام يضم شخصيات كويرية علنية تحظى بشعبية جماهيرية واسعة.

هذا التباين يعكس مدى تأثير الثقافة والسياسات في تشكيل الخطاب الإعلامي تجاه مجتمع الميم.

لا يمكن حذف واقع موجود

رغم الحظر، يبقى الواقع الاجتماعي في إندونيسيا متنوعًا، ولا يمكن لأي قرار حكومي أن يمحو وجود ملايين من المواطنين الكوير الذين يعيشون ويكافحون يوميًا من أجل الاعتراف والاحترام.

ويبدو أن السخرية الجماعية عبر الإنترنت لم تكن فقط وسيلة للتسلية، بل شكّلت مقاومة رمزية تثبت أن التمثيل لا يُصنع فقط من قِبل الرقابة، بل من صمود الناس ووعيهم.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.