في سابقة نادرة تعكس تحوّلًا تدريجيًا في التعامل القانوني مع قضايا التوجه الجنسي في لبنان، أصدرت المحكمة العسكرية قرارًا يقضي بعدم تجريم المثلية الجنسية، وذلك في إطار محاكمة أربعة ضباط بتهمة ممارسة الجنس المثلي. وقد جاء الحكم، برئاسة القاضي بيتر جرمانوس، ليمثل علامة بارزة في مسار الاعتراف القانوني بحقوق مجتمع الميم-عين في لبنان، خصوصًا في ظل السياق المحافظ والمؤسسات الأمنية.
خلفية القضية: اتهام أربعة ضباط بالمثلية أمام المحكمة العسكرية
تعود القضية إلى اتهام أربعة ضباط في المؤسسة العسكرية اللبنانية بممارسة علاقات مثلية، وهي تهم غالبًا ما تُحاكم في المحاكم المدنية بناءً على المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني، التي تنص على أن “كل مجامعة على خلاف الطبيعة تُعاقب بالحبس حتى سنة”.
غير أن هذه المادة لطالما كانت موضع جدل قانوني، حيث يرى كثير من القضاة أنها غامضة ولا تنطبق تلقائيًا على العلاقات المثلية القائمة على الرضى. وفي هذا السياق، كانت المحكمة العسكرية هي المفاجأة، حين أعلنت صراحة أن “المثلية ليست جريمة”، مؤكدة أن لا مجال للعقوبة حين تكون العلاقة رضائية ولا تؤدي إلى ضرر.
القرار القضائي: خطوة استثنائية من مؤسسة أمنية
ما يجعل هذا القرار أكثر أهمية هو أنه صدر من المحكمة العسكرية، وهي جهة قضائية لطالما ارتبطت بالحزم والانضباط. ووفق مراقبين قانونيين، فإن اعتراف القضاء العسكري بحق الأفراد في التوجه الجنسي المختلف يمثل تجاوزًا رمزيًا وقانونيًا لحدود المؤسسة التقليدية.
وبحسب ما ورد في نص الحكم، أكدت المحكمة أنه لا يجوز معاقبة الأفراد على أساس ميولهم الجنسية الخاصة، طالما لم تُرتكب جريمة واضحة تُخل بالنظام العام أو تُلحق ضررًا مباشرًا بالغير.
السياق القانوني في لبنان: المادة 534 والجدل المستمر
رغم عدم وجود قانون واضح يُجرّم المثلية الجنسية في لبنان، إلا أن المادة 534 من قانون العقوبات تُستخدم لتجريمها بصورة غير مباشرة. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا تدريجيًا، إذ أصدرت عدة محاكم مدنية أحكامًا مشابهة تُبرئ المتهمين بالمثلية، استنادًا إلى أن “المجامعة غير الطبيعية” لا تنطبق على الممارسة بين بالغين بالتراضي.
وقد أصدرت محاكم في بيروت والمتن والنبطية في سنوات متتالية بين 2007 و2018، أحكامًا تاريخية تؤكد أن المثلية ليست مخالفة للقانون، ما فتح الباب أمام تحول قضائي تدريجي في التعامل مع قضايا التوجه الجنسي.
ردود الأفعال: ترحيب واسع من النشطاء الحقوقيين
لاقى الحكم ترحيبًا واسعًا من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في لبنان والمنطقة، واعتبرته جمعيات مثل “حلم” و”المفكرة القانونية” خطوة نوعية نحو إلغاء تجريم المثلية رسميًا.
كما أُطلق وسم #المثلية_ليست_جريمة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر آلاف المستخدمين عن دعمهم للقرار، معتبرين أنه يؤسس لبيئة قانونية أكثر عدلًا وتسامحًا تجاه مجتمع الميم-عين في لبنان.
حكم عسكري يمهد لتغيير مدني
بينما لا يزال لبنان يفتقر إلى قانون صريح يحمي حقوق المثليين والمثليات والعابرين جندريًا، فإن هذا الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية يمثل خطوة متقدمة في معركة الكرامة والمساواة. إنه لا يُغير القانون، لكنه يُغيّر في تفسيره، ويُضيف سابقة قضائية يمكن البناء عليها مستقبلًا.
ومع تزايد الأحكام القضائية التي ترفض تجريم المثلية، تتعزز الدعوات إلى إلغاء المادة 534 بشكل كامل، وسَنّ قوانين تحظر التمييز على أساس الهوية الجندرية أو التوجه الجنسي.