في خطوة اعتُبرت انتصارًا تاريخيًا لحقوق مجتمع الميم في إفريقيا، قضت محكمة الاستئناف الكينية بأن الحكومة لا تملك الحق في منع تسجيل منظمات تدافع عن حقوق المثليين والمثليات والمتحولين جنسيًا وثنائيي الميول الجنسية (مجتمع الميم)، مستندة إلى أن حرية تكوين الجمعيات مكفولة دستوريًا ولا يجوز تقييدها على أساس التوجه الجنسي.
خلفية القضية: رفض تسجيل منظمة بسبب الاسم
تعود القضية إلى رفض الحكومة الكينية تسجيل منظمة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان للمثليين والمثليات (NGLHRC) كمنظمة غير ربحية، بحجة أن استخدام مصطلحي “مثلي” و”مثلية” في اسمها يخالف القوانين الموروثة من الحقبة الاستعمارية التي تُجرّم العلاقات المثلية.
وقد طعنت المنظمة في القرار أمام المحكمة العليا الكينية، والتي قضت في عام 2015 بعدم قانونية هذا الرفض، معتبرة إياه انتهاكًا لحق الأفراد في تكوين الجمعيات، لكن الحكومة استأنفت الحكم لاحقًا أمام محكمة الاستئناف.
الحكم: انتصار دستوري لحرية التنظيم
في مارس 2019، أصدرت محكمة الاستئناف قرارها بأغلبية ثلاثة قضاة مقابل اثنين، وأيدت الحكم السابق الصادر عن المحكمة العليا. وجاء في حيثيات الحكم أن:
- حرية تكوين الجمعيات حق مكفول في الدستور الكيني ولا يجوز التمييز فيه بناءً على التوجه الجنسي.
- القوانين الاستعمارية التي تُجرّم العلاقات المثلية لا تُبرّر حرمان أفراد مجتمع الميم من حقوقهم الدستورية الأخرى.
- رفض تسجيل منظمة لمجرد أن اسمها يتضمن كلمات مثل “مثلي” أو “مثلية” يُعد تمييزًا صريحًا وغير دستوري.
وأوضحت المحكمة أن القرار لا يعني تقنين العلاقات المثلية – والتي لا تزال تُعد غير قانونية بموجب القانون الجنائي الكيني – لكنه يؤكد أن حقوق الإنسان لا يجب أن تُنتقص بسبب الميول الجنسية.
الأهمية الإقليمية: أمل لحقوق مجتمع الميم في إفريقيا
يمثل هذا الحكم نقطة تحول بارزة في السياق الإفريقي، حيث تواجه منظمات مجتمع الميم في القارة تحديات قانونية وأمنية متكررة، ويتم تجريم العلاقات المثلية في أكثر من 30 دولة إفريقية.
وتعليقًا على الحكم، قالت المحامية إيريك جيتياري، المديرة التنفيذية لمنظمة NGLHRC:
“هذا انتصار كبير، ليس فقط لنا في كينيا، بل لكل من يناضل من أجل الحق في التنظيم في إفريقيا. لقد أكد القضاء أن دستور كينيا يعترف بجميع مواطنيه، دون تمييز.”
كما علّقت منظمات حقوقية دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” بأن القرار يشكل سابقة إيجابية يمكن أن تُبنى عليها تحركات قانونية مماثلة في بلدان إفريقية أخرى.
ما الذي يعنيه الحكم فعليًا؟
النقاط الأساسية للحكم:
- تأكيد الحق في حرية التنظيم والتجمع لجميع المواطنين، بغض النظر عن ميولهم الجنسية.
- رفض استخدام قوانين الحقبة الاستعمارية كذريعة للتمييز.
- السماح الرسمي بتسجيل منظمة NGLHRC كمؤسسة غير ربحية معترف بها قانونًا.
- لا يعني الحكم إلغاء تجريم المثلية، لكنه يفتح بابًا واسعًا للنشاط الحقوقي القانوني لمجتمع الميم في كينيا.
خطوة نحو الديمقراطية والعدالة
يشكّل قرار محكمة الاستئناف الكينية نقطة مضيئة في مسار نضال مجتمع الميم في إفريقيا، ويبعث برسالة قوية مفادها أن الدساتير الديمقراطية يجب أن تضمن الحرية والمساواة لجميع المواطنين دون استثناء.
وفي وقت لا تزال فيه دول كثيرة تستخدم قوانين بالية لقمع التنوع الجنسي والجندري، فإن هذا الحكم يرسخ مبدأ أن الحقوق لا تُنتزع بسبب الاختلاف، بل تُحمى وتُصان بالدستور والقانون.