في لحظة فارقة من تاريخ لبنان الحديث، كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش عن تقرير جديد يوثق المشاركة الفاعلة لأفراد مجتمع الميم/عين، ولا سيما الكويريين والعابرين/ات جنسياً، في انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019. التقرير، الذي أعدّته الباحثة رشا يونس ورافقته فيديوهات من تنفيذ أماندا بايلي، يرسم صورة عميقة ومُلهمة عن نضال الكويريين في لبنان ضد التهميش والتمييز، وتحويلهم للشارع إلى مساحة مقاومة وصوت تحرر.
من الهامش إلى الواجهة: حضور مجتمع الميم في الثورة اللبنانية
شهدت انتفاضة لبنان، التي أشعلتها الأزمة الاقتصادية الطاحنة والفساد السياسي المتجذر، بروزًا غير مسبوق لمطالب مجتمع الميم كجزء لا يتجزأ من خطاب الثورة. في وسط بيروت، علت أصوات المتظاهرين بهتافات مناهضة للطائفية، للأبوية، لرهاب المثلية ورهاب العبور الجنسي، في ترديد جماعي أعاد رسم ملامح الوعي السياسي والاجتماعي اللبناني.
“بدنا نسقط الهوموفوبيا؛ بدها تفلّ!” – هتاف متكرر في قلب بيروت
على جدران المدينة، ظهرت كتابات مثل: “لوطي مش مسبّة” و”رهاب المثلية جريمة”، ما عكس تحولاً نوعياً في الخطاب العام ودخول حقوق المثليين والعبور الجنسي إلى الحيز العام.
أصوات كويرية تقود النضال: شهادات من قلب الساحات
أبرز التقرير شهادات لأشخاص مثل ملاك (26 عامًا) ومايا (38 عامًا) ونادراً (33 عامًا) ولور (28 عامًا)، سردوا تجاربهم في خوض الشارع، وتحدي الخوف، ومشاركة نضالهم من أجل الكرامة والمساواة.
- ملاك: “الثورة كانت المرة الأولى التي لا أمارس فيها الرقابة الذاتية، لأنني شعرت أنني لست وحدي.”
- مايا: “كان من المستحيل أن أبقى خارج المنزل بعد الساعة 9 مساءً، الثورة غيّرت ذلك.”
- نادراً: “نهتف في الساحات نيابة عن كل من لا يستطيع رفع صوته.”
- لور: “الغرافيتي هو طريقة لتغيير المدينة. الثورة سمحت لنا بخلق خطاب جماعي.”
شوارع بيروت: من ساحات خنق إلى فضاءات تحرر
تحول الشارع من مساحة للقلق والخطر، خصوصًا على الكويريين والعابرين/ات، إلى مساحة مقاومة وتعبير جماعي. أصبح المكان العام ملاذًا للتمكين وتبادل الدعم، ورسماً لواقع جديد يطمح إليه اللبنانيون واللبنانيات.
- رسوم الغرافيتي توثق الهوية الكويرية.
- الهتافات تنتقل من بيروت إلى سهل البقاع وطرابلس.
- تظاهرات النساء شملت حضورًا كويريًا واضحًا.
القمع القانوني والتمييز مستمران
رغم هذا التقدم الرمزي، لا يزال قانون العقوبات اللبناني، وتحديدًا المادة 534، يُستخدم لتجريم العلاقات المثلية. ويواجه الأفراد الترانس أيضًا تمييزًا منهجيًا في الصحة والتعليم والعمل.
حتى الآن، لم تُنفّذ أي إصلاحات قانونية تحمي حقوق مجتمع الميم أو تضمن المساواة. وتبقى الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا عاملين مضاعفين للتهميش.
دعوة للتضامن والتغيير
تقرير هيومن رايتس ووتش ليس فقط توثيقًا لحضور كويري في لحظة ثورية، بل دعوة إلى الدولة اللبنانية لإعادة النظر في علاقتها مع الفئات المهمشة، وتذكير بأن مستقبلًا ديمقراطيًا لا يمكن أن يبنى دون احترام حقوق الجميع، بما فيهم المثليين والعابرين/ات جنسيًا.
“إن لم يكن الوقت مناسبا الآن، فلن يكون هناك أي وقت لاحقًا.” – رنا (32 عامًا)