أصدرت السلطات السعودية حكمًا بالسجن لمدة عشرة أشهر بحق المدون والناشط اليمني محمد البُكاري، وغرامة مالية قدرها عشرة آلاف ريال سعودي، مع الترحيل الإجباري إلى اليمن، وذلك بعد أربعة أشهر من احتجازه بسبب نشره مقطع فيديو على موقع “تويتر” يعبّر فيه عن دعمه لحقوق المثليين/ات. القرار أثار موجة واسعة من الانتقادات الحقوقية، خاصة مع التقارير التي تؤكد تعرض البُكاري لمعاملة تنتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان، من بينها إخضاعه لفحص شرجي قسري—a ممارسة تعتبرها منظمات حقوقية شكلاً من أشكال التعذيب.
خلفية القضية: دعم حقوق مجتمع الميم في بيئة قمعية
في أبريل 2020، قام محمد البُكاري، وهو لاجئ يمني مقيم في السعودية، بنشر مقطع فيديو على حسابه في “تويتر” يدعو فيه إلى احترام حقوق المثليين والمثليات في العالم العربي، متحدثًا عن أهمية التعايش وقبول الآخر. هذا الفيديو، رغم بساطته، أثار ردود فعل عنيفة من جهات محافظة، وسرعان ما تم اعتقاله من قِبل السلطات السعودية.
وقد وُجهت له عدة تهم، أبرزها:
- الترويج للمثلية الجنسية عبر الإنترنت،
- انتهاك الآداب العامة،
- التشبّه بالنساء.
ورغم عدم وجود نص قانوني محدد في السعودية يجرّم المثلية الجنسية بشكل صريح، إلا أن النظام القضائي يعتمد على تفسير فضفاض للشريعة الإسلامية، ما يجعل الأشخاص الكوير عرضة للاستهداف والملاحقة القانونية تحت بنود “الآداب العامة” أو “الفساد في الأرض”.
انتهاكات خطيرة أثناء الاحتجاز
وفقًا لتقارير حقوقية، تعرّض البُكاري أثناء احتجازه إلى فحص شرجي قسري من قِبل قوات الأمن السعودية، وهي ممارسة تدينها منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية بوصفها تعذيبًا جسديًا ونفسيًا يفتقر لأي مبرر طبي أو قانوني.
الفحص الشرجي لطالما استخدم في عدة دول عربية كوسيلة “إثبات” غير علمية للمثلية، رغم الإدانة الصريحة لهذه الممارسة من قبل المجتمع الطبي الدولي، بما في ذلك الرابطة العالمية للطب الشرعي.
خطر الترحيل إلى اليمن: حياة محمد البُكاري في خطر
قرار السلطات السعودية بترحيل البُكاري إلى اليمن بعد انتهاء مدة سجنه يعرضه لخطر شديد، حيث أن البُكاري معروف بآرائه التقدمية وهو مهدد بالقتل من قبل جماعات مسلحة في اليمن. الوضع الأمني المتدهور في البلاد، إضافة إلى الخطاب العدائي ضد مجتمع الميم، يعني أن حياته ستكون في خطر دائم في حال تم ترحيله.
وفي هذا السياق، صرّحت هيومن رايتس ووتش قائلة:
“يجب على السلطات السعودية الإفراج الفوري وغير المشروط عن محمد البُكاري، وإلغاء قرار الترحيل الذي قد يؤدي إلى قتله في اليمن.”
انتقادات حقوقية ودعوات للإفراج
الحكم على البُكاري شكّل سابقة مقلقة في سجل المملكة المتدهور في ما يتعلق بحرية التعبير وحقوق الإنسان، لا سيما مع تعهدات “رؤية السعودية 2030” بالإصلاح والانفتاح.
وقد طالبت منظمات دولية ومحلية:
- بالإفراج الفوري عن البُكاري،
- إسقاط جميع التهم الموجهة إليه،
- وقف ممارسة الفحوص الطبية القسرية ضد المعتقلين،
- مراجعة القوانين المحلية بما ينسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
واقع حقوق المثليين في السعودية
السعودية تُعد من أكثر الدول تشددًا في قمعها لمجتمع الميم، إذ يعاقب القانون على العلاقات الجنسية المثلية بعقوبات قد تصل إلى الإعدام في بعض الحالات، إضافة إلى التعزير، الجلد، أو السجن لفترات طويلة. ولا توجد أي حماية قانونية للأشخاص الكوير، بل تُستخدم القوانين العامة مثل “الآداب العامة” لتجريم السلوكيات المرتبطة بالهوية الجنسية أو الجندرية.
ورغم محاولات السلطات تحسين صورتها عالميًا، إلا أن ممارسات مثل قضية البُكاري تسلط الضوء على الفجوة العميقة بين الخطاب الرسمي والواقع.
قضية البُكاري كجُرح مفتوح في ملف الحريات
تكشف قضية محمد البُكاري عن واقع مظلم يعيشه المدافعون عن حقوق الإنسان والأقليات في السعودية، حيث يُقابل التعبير عن الرأي، خاصة فيما يتعلق بحقوق المثليين/ات، بالسجن، الترحيل، أو حتى التعذيب.
في وقت تتجه فيه أنظار العالم إلى المنطقة لمتابعة مشروعات الانفتاح المعلنة، لا بد من التذكير بأن أي تقدم حقيقي لا يمكن أن يحدث دون احترام شامل لحقوق الإنسان للجميع، بما في ذلك مجتمع الميم.