أثار إمام مسجد في العاصمة البوسنية سراييفو موجة من الغضب المحلي والدولي بعد نشره تدوينة تحريضية ضد مجتمع الميم/عين، عبّر فيها عن “الفرح” بانتشار فيروس كورونا المستجد لأنه أدى إلى تعطيل فعاليات مسيرة الفخر الكويرية في البلاد. وسرعان ما تبرأت دار الإفتاء في البوسنة والهرسك من تصريحات الإمام، مؤكدة أن ما صدر عنه لا يُعبّر عن موقف المؤسسة الدينية الرسمية ولا عن المسلمين في البلاد.
التحريض باسم الدين: تدوينة تثير الجدل
الإمام محمد فيليتش، المعروف بظهوره الإعلامي ونشاطه الديني في العاصمة سراييفو، نشر على حسابه في فيسبوك تدوينة قال فيها:
“الحمد لله على كورونا، فقد أوقفت مسيرة الفخر”، في إشارة إلى فعالية Pride التي كان من المقرر تنظيمها لدعم حقوق أفراد المجتمع الكويري في البوسنة.
تسببت هذه الكلمات في موجة غضب عارمة، حيث اعتبرها كثيرون خطاب كراهية مباشر يحرض على التمييز والعنف ضد فئة مهمّشة في المجتمع. كما أدانها عدد من الناشطين الحقوقيين والسياسيين الذين اعتبروها خرقًا لأبسط القيم الإنسانية والدينية على حد سواء.
ردّ رسمي من دار الإفتاء: لا يمثلنا
في خطوة سريعة لاحتواء الجدل، صرّح مستشار المفتي العام للبوسنة والهرسك، محمد جوسيك، بأن الإمام فيليتش لا يعمل ضمن كوادر دار الإفتاء، وأن تصريحاته لا تمثل المؤسسة الدينية الرسمية في البلاد، ولا تعبّر عن موقف المسلمين الحقيقيين تجاه قضايا الكرامة الإنسانية.
وأكد جوسيك أن “الإسلام يدعو إلى الاحترام والتعايش، وليس إلى الشماتة والتمييز أو الكراهية”.
وتظهر في الصورة المرفقة للمقال مفتي البوسنة والهرسك الشيخ حسين كافازوفيتش، الذي سبق أن عبّر في مناسبات مختلفة عن ضرورة حماية حقوق الإنسان والتأكيد على أن الإسلام لا يبرر العنف أو الإقصاء.
السياق العام: حقوق مجتمع الميم/عين في البوسنة
البوسنة والهرسك، الدولة التي ما تزال تتعافى من تبعات الحرب الأهلية في التسعينات، تشهد في السنوات الأخيرة تزايدًا في الأصوات المطالبة بحقوق مجتمع الميم/عين، خاصة في العاصمة سراييفو.
ورغم أن البوسنة لا تجرّم المثلية الجنسية، إلا أن التمييز والوصم الاجتماعي لا يزالان منتشرين على نطاق واسع، خصوصًا في المناطق الريفية والتقليدية.
تم تنظيم أول مسيرة فخر في سراييفو في سبتمبر 2019، وسط إجراءات أمنية مشددة، وتعرضت في حينها لحملات تحريض من شخصيات دينية وسياسية. وكان من المقرر إقامة المسيرة الثانية في 2020، قبل أن تؤدي جائحة كورونا إلى إلغائها أو تأجيلها.
أهمية الموقف الديني المعتدل
رد دار الإفتاء على تصريحات الإمام المتطرف يحمل في طياته رسائل مهمة:
- فصل الدين عن التحريض السياسي، والتأكيد أن المؤسسات الدينية ليست منصات للكراهية.
- حماية كرامة الإنسان كقيمة دينية وأخلاقية، بغض النظر عن ميوله أو هويته الجندرية.
- تعزيز الخطاب الديني المتزن القادر على لعب دور إيجابي في حماية التعددية والتنوع داخل المجتمع.
تشير هذه الواقعة إلى التحديات التي يواجهها مجتمع الميم/عين في البوسنة وغيرها من الدول ذات الغالبية المسلمة، لكنها أيضًا تؤكد أهمية وجود مؤسسات دينية معتدلة تدافع عن حقوق الإنسان وتتصدى لخطاب الكراهية.
المعركة ضد التمييز لا تتعلق فقط بالحقوق المدنية، بل تمتد لتشمل المعركة من أجل خطاب إنساني وأخلاقي شامل يضمن كرامة الجميع، دون استثناء.