أطياف
الهند

المحكمة العليا في الهند تؤكد: النساء الترانس هن نساء في حكم تاريخي

في قرار تاريخي ومُلهم صدر في 16 يونيو 2025، قضت المحكمة العليا في ولاية أندرا براديش بأن المرأة الترانس يُعترف بها قانونيًا كامرأة، مؤكدة أن إنكار هذه الحقيقة يُعد تمييزًا ينتهك الدستور الهندي.

خلفية القضية: من العنف الأسري إلى النصر الدستوري

في قلب هذه القضية تقف شابانا، امرأة ترانس شجاعة، رفعت شكوى ضد زوجها وأسرته بتهمة التعنيف والابتزاز والمطالبة بالمهر، مستندة إلى المادة 498A من قانون العقوبات الهندي، والتي تتيح للنساء ضحايا العنف الأسري اللجوء إلى القضاء.

إلا أن زوجها وأسرته سعوا لإبطال الشكوى بحجة أن شابانا “ليست امرأة حقيقية” لأنها لا تستطيع الإنجاب، وبالتالي فهي “غير مؤهلة” للحماية بموجب المادة المذكورة.

لكن القاضية فينكاتا جيوثيرماي براتابا رفضت هذا المنطق، معتبرة أن ربط الأنوثة بالقدرة على الإنجاب “غير قانوني” و”غير دستوري”، مشيرة إلى أن الدستور الهندي، في مواده 14 و15 و21، يضمن المساواة أمام القانون، ويحظر التمييز، ويصون الكرامة والحرية الشخصية.

اجتهادات سابقة واعتراف رسمي

استندت المحكمة في قرارها إلى حكم المحكمة العليا الهندية في قضية NALSA عام 2014، والذي اعترف بحق الأفراد الترانس في تحديد هويتهم الجندرية (رجل، أو امرأة، أو جنس ثالث)، وأكد أن لهم حقوقًا دستورية متساوية.

نص القرار الجديد بوضوح:

“المرأة الترانس، المولودة بيولوجيًا كذكر ثم عبرت إلى أنثى، تستحق الاعتراف القانوني كامرأة. إنكار هذا الاعتراف يُعد تمييزًا”.

أهمية القرار في تمكين النساء الترانس قانونيًا

يمنح هذا الحكم النساء الترانس في الهند الحق الكامل في اللجوء إلى القضاء بموجب القوانين الخاصة بحماية النساء، وعلى رأسها المادة 498A. يشمل ذلك:

  • تقديم شكاوى رسمية ضد العنف الجسدي أو النفسي أو الاقتصادي من قبل الزوج أو أسرته.
  • الحق في تدخل الشرطة واعتقال المعتدين.
  • الحماية من الابتزاز المالي المرتبط بالمهر، وهي ظاهرة واسعة في المجتمع الهندي.

انتصارات وتحديات: ردود فعل من مجتمع الترانس في الهند

أشادت شخصيات بارزة من مجتمع الترانس في الهند بالقرار، معتبرينه خطوة محورية في مسار الاعتراف القانوني والإنساني.

قالت الناشطة كالكِي سوبرامانيام:

“هذا الحكم انتصار للكرامة والعدالة. إنه يرسل رسالة قوية بأن القانون لا يمكنه تجاهل هويتنا.”

أما ميرا باريدا، ناشطة ترانس في أوديشا، فقد أضافت:

“ليس الإنجاب ما يجعل من المرأة امرأة. هذا الحكم يعيد الاحترام لنا جميعًا ويهدم جدران الوصم.”

الناشطة راني باتيل، رئيسة منظمة AAROHAN، قالت:

“هذا الحكم لا يعترف فقط بهوية النساء الترانس، بل يمنحهن المساواة القانونية التي حُرمن منها طويلاً. إنه لحظة مفصلية في مسيرة حقوق الترانس في الهند.”

ما بعد القرار: خطوات قادمة نحو المساواة

رغم أن المحكمة لاحقًا رفضت متابعة الدعوى ضد الزوج وأسرته لعدم كفاية الأدلة، إلا أنها فصلت بوضوح بين الشق الجنائي والشق الدستوري، وأكدت أن شابانا كامرأة تملك كامل الأهلية للتمتع بالحماية القانونية.

هذا القرار يعزز من حماية النساء الترانس أمام العنف الأسري، ويفتح الباب لتوسيع الاعتراف بحقوق الترانس في الزواج، والميراث، والعمل، والرعاية الصحية.

السياق الإقليمي والدولي: التحول في آسيا

يأتي هذا الحكم في سياق تحول قانوني ملحوظ في آسيا لصالح حقوق الترانس ومجتمع الميم، حيث ألغت سنغافورة تجريم العلاقات المثلية، وأقرت نيبال زواج المثليين، كما صوتت تايلاند مؤخرًا لصالح قانون المساواة في الزواج.

ومع ذلك، لا تزال العديد من دول آسيا، ومن بينها دول غرب آسيا، تُظهر أداءً منخفضًا في الاعتراف القانوني بالأشخاص الترانس، مما يتركهم عرضة للتمييز والوصم، لا سيما في غياب قوانين واضحة للحماية، أو في ظل أنظمة صحية غير شاملة.

الاعتراف بداية الطريق

يمثل حكم المحكمة العليا في أندرا براديش خطوة محورية في الاعتراف القانوني الكامل بالنساء الترانس في الهند. لكنه أيضًا تذكير بأن الاعتراف وحده لا يكفي. المطلوب هو بناء أنظمة حماية شاملة، تشمل القوانين، والطب، والتعليم، والعمل، وتغيير الصورة النمطية في الإعلام.

في مجتمعات لا تزال فيها الهوية الجندرية سببًا للرفض والعنف، يصبح كل انتصار قانوني بارقة أمل جديدة.

النساء الترانس هن نساء. والكرامة لا تعرف شرطًا بيولوجيًا.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.