في زمنٍ أصبحت فيه سينما الرعب مساحة للتجريب وإعادة تخيّل الأنواع التقليدية، يظهر فيلم Queens of the Dead ليعيد تعريف علاقة الجمهور الكويري بهذا النوع السينمائي. العمل، الذي أخرجته تينا روميرو (ابنة أسطورة أفلام الزومبي جورج روميرو)، ليس مجرد فيلم عن الموتى الأحياء، بل هو بيان فني وسياسي عن البقاء والتمثيل والهوية.
الفيلم عُرض لأول مرة في مهرجان تريبيكا السينمائي في نيويورك في يونيو/حزيران 2025، وسط حفاوة نقدية ووقوف تصفيق طويل.
ومن المقرر أن يُعرض رسميًا في صالات السينما في الولايات المتحدة في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2025، ليصبح أحد أبرز أفلام الخريف التي ينتظرها عشاق الرعب والكوير معًا، مع توقع بطرحه رقميًا لاحقًا.
حبكة تعكس الواقع الاجتماعي عبر الرعب
تدور الأحداث في بروكلين–نيويورك، حيث ينظّم فريق من فناني الدراج Drag وأصدقاء النوادي الليلية حفلة ضخمة في مستودع قديم. كل شيء يبدو على وشك الانفجار: الدي جي مفقود، المراحيض معطّلة، والوقت يضغط. لكن الكارثة الحقيقية تأتي حين يقتحم الزومبي عالم الحفلة.
هؤلاء ليسوا أي زومبي؛ إنهم “زومبي الدراج Drag”، غريبو الأطوار بقدر ما هم مرعبون، يجبرون الأبطال على وضع خلافاتهم جانبًا وتوحيد الصفوف لمواجهة الغزو. السخرية، الدماء، والملابس المبالغ فيها كلها تتحوّل إلى أدوات للبقاء.
تمثيل متنوع وقائمة نجوم بارزة
يتميّز الفيلم بطاقم متنوّع يضم أسماء بارزة من التلفزيون والسينما الكويرية:
- مارغريت تشو (Margaret Cho) في دور Pops
- كاتي أوبراين (Katy O’Brian) في دور Dre، من فيلم Love Lies Bleeding
- جاكيل سبايفي (Jaquel Spivey) من Mean Girls في دور Sam
- دومينيك جاكسون (Dominique Jackson) نجمة Pose
- نينا ويست (Nina West) من RuPaul’s Drag Race
- إلى جانب تشيان جاكسون (Cheyenne Jackson)، ريكي ليندهوم (Riki Lindhome)، وتومس ماتوس (Tomas Matos) من فيلم Fire Island.
هذا التمثيل لا يضيف فقط لمسة فنية، بل يرسّخ فكرة أن الفيلم ليس عن “الرعب والمثليين” بل عن رعب كويري مكتوب وممثَّل من الداخل، بجمهور يعرف نفسه على الشاشة.
من إرث جورج روميرو إلى “رعب بعيون كويرية”
تينا روميرو قالت في تصريحاتها لـEntertainment Weekly: “لقد حان الوقت لنرى فيلم زومبي مثلي وكبير الحجم. أردت أن يكون ممتعًا، مخيفًا، ومليئًا بالحب والهوية”.
الفيلم يستعير إرث والدها جورج روميرو، الذي قدّم سلسلة Living Dead وأعاد تعريف الزومبي كرمز سياسي، لكنه يضيف بعدًا جديدًا: كيف يعيش المجتمع الكويري تحت الحصار، وكيف يحوّل الاستعراض والدراج Drag إلى أدوات مقاومة.
ماذا قال النقاد؟
لم يمرّ فيلم Queens of the Dead مرور الكرام على النقاد منذ عرضه الأول في مهرجان تريبيكا. فقد وصفت مجلة Variety العمل بأنه “كوميديا رعب مليئة بالأفكار الممتعة والذكية”، مشيرة إلى قدرته على المزج بين الترفيه والرمزية.
أما The Hollywood Reporter فذهبت إلى اعتباره “احتفاء بالأسلوب الكوميدي المبالغ فيه والهوية الجندرية في إطار دموي ومرح”، مؤكدة أن الفيلم لا يكتفي بتقديم مشاهد دموية أو كوميدية بل يخلق مساحة سينمائية مدهشة للاختلاف والتجريب.
من جهته، رأى موقع Screen Anarchy أن العمل “لا يكتفي بـ الإضحاك، بل يقدّم فريقًا من الشخصيات التي نتعاطف معها ونريد لها النجاة”، في إشارة إلى أن قوة الفيلم تكمن في بناء شخصيات معقدة وإنسانية، لا مجرد كليشيهات داخل قالب الرعب.
وعلى مواقع التقييم مثل Rotten Tomatoes، حصد الفيلم نسب رضا مرتفعة بعد عرضه في تريبيكا، حيث أشاد كثير من المتابعين بجرأته البصرية وبالطريقة التي قدّم بها الهويات الكويرية في حبكة الزومبي التقليدية.
الرمزية والرسالة الكامنة
في ظاهر الأمر، يبدو الفيلم مجرد كوميديا دموية. لكن عند التدقيق، نكتشف أنه تشبيه لحياة الكوير في مواجهة مجتمعات تُحاول إخضاعهم. الزومبي هنا ليسوا مجرد وحوش، بل استعارة عن أنظمة تقليدية تحاول ابتلاع المختلفين.
الأزياء، والجليتر، والأدوات الصغيرة التي يستخدمها الأبطال كـ“أسلحة” هي إشارة إلى أن أدوات الفن والهوية قادرة على حماية الأجساد والقصص.
الأهمية الثقافية للفيلم
يمثل فيلم Queens of the Dead محطة فارقة في تاريخ سينما الرعب من زاوية التمثيل الكويري. فهو ليس مجرد عمل عن الزومبي، بل أول تجربة سينمائية كبرى تجمع هذا الكم من الممثلين والممثلات الكوير في أدوار رئيسية، ما يجعله مرجعًا جديدًا في كيفية دمج الهوية الجنسية الكويرية في قلب القصة لا على هوامشها.
الفيلم أيضًا احتفاء واضح بأسلوب “الكامب”، ذلك الأسلوب الذي شكّل أحد أعمدة الثقافة الكويرية لعقود طويلة، حيث تختلط المبالغة بالكوميديا السوداء والسخرية من الصور النمطية السائدة. لكن الجديد هنا أن الكامب لم يُستخدم كزينة أو كاريكاتور، بل كأداة فنية لإعادة صياغة حكاية الرعب التقليدية، وتحويلها إلى مساحة تعكس تجارب حقيقية وتمنحها عمقًا إنسانيًا.
ولعل أبرز ما يميز Queens of the Dead أنه لا يكتفي بوضع شخصيات كويرية في أدوار ثانوية أو جانبية كما اعتادت السينما السائدة، بل يضعهم في موقع القيادة وصناعة القرار.
الأبطال هم فنانات الدراج (Drag Queens) وأبناء النوادي الليلية، وهم من يواجهون الكارثة ويتخذون القرارات المصيرية. بهذا المعنى، لا يقدم الفيلم مجرد تمثيل رمزي، بل يسهم في تغيير قواعد اللعبة من خلال إعادة توزيع مركز السرد لصالح شخصيات طالما وُضعت خارج الإطار.
رعب، وهوية، واحتفال بالحياة
مع اقتراب عرضه في أكتوبر 2025، يتوقّع أن يثير Queens of the Dead نقاشات واسعة حول مستقبل تمثيل مجتمع الميم في السينما وخاصةً في نوعية أفلام الرعب والتي غاب عنها الكويريين لأوقات طويلة، وكيف يمكن أن تتحول الأنواع السينمائية الكلاسيكية مثل “الزومبي” إلى منصات للهوية والمقاومة.