أطياف

طفل مثلي وديزني مغايرة

 شاهدت المقطع الوجيز الذي تسبب في منع فيلم ديزني الجديد Lightyear فيما لا يقل عن 13 دولة. يبدأ المشهد بصديقة بظ يطير (بطل الفيلم) وهي تخبره أنها خُطبت من الفتاة التي تحب. ثم ولمدة تقل عن دقيقة يتم استعراض المشاهد المحورية في حياتهما سوياً، ولادة طفلهما، تخرجه من الجامعة، واحتفالهما بمرور 40 عاماً على زواجها. تخيلت شعوري لو كنت طفلة وشاهدت المشهد، المشاعر الدافئة التي ستغمرني واليقين الأكيد بأن هذا هو تحديداً مايعبر عن المشاعر التي لطالما امتلكت ويمثل المستقبل الذي أردته لنفسي. 

في عامي الحادي عشر، سنة 2008 لم يكن هذا المشهد الرقيق ما مثل عتبتي الأولى في اكتشافي لهويتي المثلية وإنما كان مشهداً إباحياً عثرت عليه بمحض الصدفة على الإنترنت. وطوال سنوات مراهقتي اللاحقة كان هذا هو كل المحتوى المتوفر كتمثيل للمثلين ولمجتمع الميم عموما (مثليين، مثليات، مزدوجي الميول والعابرين جنسياً). إما هذا أو المحتوى العربي الشحيح الذي صور المثليين كأشخاص منحلي الطباع، متحرشين ومرضى، موغليين في الرغبات الدنيئة. أما الرجال فكانوا قلب النكتة بمكياج فج وتصرفات -منسونة- . كانت تلك هي المرآة التي رأيت نفسي عبرها كمراهقة وما مثل القالب الوحيد لمشاعري.

ترعرت في دولة الإمارات في منطقة عشوائية بمدينة العين. التحقت بمدرسة متحفظة فصلت بين البنين والبنات وعوضاً عن العلاقات المغايرة انتشرت العلاقات المثلية بين الفتيات الخليجيات تحديداً. كجزء من الجالية المصرية انعزلنا عن هذا الوسط كلياً ونبذناه، على الرغم من رغباتي الشخصية تصورت الأمر مجرد خيال شخصي، شيء لا يمت لواقع الفتاة المهذبة، المتفوقة، المثقفة والمتدينة بالتأكيد بشيء. لم اعرف عن الأمر الكثير على أي حال، أكثر من قصة قوم لوط التي أخبرتني بها أمي والشائعات عن الفتيات المتورطات بعلاقات مثلية تسببت في كرههن من أمثالي.

انحصرت علاقتي بهويتي بتلك الفيديوهات القصيرة التي شاهدتها على الإنترنت، مقتطعة من أفلام ومسلسلات لم اعرفها، غير مترجمة بالطبع ومستوحلة في عالم الجنس حصراً وتثير اشمئزازي حين أفكر بها فيما بعد. تقززت من أن هذا هو كل ما مثلته هويتي، مخبأة في قعر عميق ومظلم بعيداً عن الأعين.

 حين استدعي ذكرياتي المبكرة  أتذكر زميلتي في الفصل الأول الابتدائي، تلك التي أخبرت أمي عنها أنها الفتاة الأجمل على الإطلاق. في المرحلة الثانوية تأملت زميلتي بعين الولهان واستغرقت في التأمل ما استغرقت. حينها لم تكن مشاعري مسماة، الحب لم يكن جزءاً من تلك الهوية لأن أحدهم لم يأتي على ذكره أبداً.

عوالم أوسع

النقاش عن المثلية لم يكن مفتوحاً أو مرغوباً حتى عام 2015 العام الذي قننت فيه أمريكا زواج المثليين. عامي الثامن عشر مثل عام الصحوة. تم عرض مثل The Danish Girl و Carol في بعض دور السينما المصرية. شاهدتهم على الإنترنت بترجمة عربية بعد بحث طويل.

The Danish Girl يحكي قصة أول عابرة جنسياً. كل ما عرفته حينها عن العابرين جنسياً أو كما تم تسميتهم من قبل معلم الأحياء وأصدقائي “المخنثين”، يقول معلمي في درس عن الكروموسومات الجنسية” لما ماتبقاش. وكما قال الشقيري الذي أحببت برنامجه خواطر في مراهقتي”الجنس الثالث اللي ما تعرف هو ذكر ولا انثى”. xx أو xy تبقى مخنث”

أن أشاهد فيلماً يتحدث عن عابرة جنسياً يظهرها كإنسانة طبيعية بل مثيرة للتعاطف والتضامن كان ثورياً، بلا أوصاف ساخرة. كانت مجرد إنسانة مثلي ومثل كل الذين اعرفهم ورأوا السخرية شيئاً لائقاً.

هوية مقحمة في الجنس

عرفتني هذه الأفلام على الحب أخيراً، بالطبع احتوت مشاهد جنسية لكونها تحكي عن أشخاص كبار في السن وبالرغم من أن الجنس لم يكن لب الفكرة إلا أنها لم تكن مناسبة للمرحلة العمرية من الناشئة مثلاً. لكنها ظلت أفضل بمراحل من المحتوى الإباحي برمته. 

ينشأ العديد من أفراد من مجتمع الميم مع الجنس كمحور لهويتهم، في الأفلام داعماً كان أو رافضاُ. وينتشر الاعتقاد  بأنك إن لم تجرب الجنس مع شخص من جنسك لا يمكنك الزعم قطعاً بشأن مثليتك، وتمثل التجربة الجنسية لحظة الصحوة. على الرغم من أن أحدهم لن يشكك أبداً في الميول الغيرية لأي شخص بلا أي ضمانات أو تجارب مسبقة بل وحتى لو لم يتم يومه الأول في الحياة!

 معتقدات شبيهة تشجع الناشئة على خوض تجارب جنسية مبكرة غير مجهز لها قد تنتهي بالاستغلال أو الأمراض الجنسية المنقولة أو حتى المشاكل النفسية التي ستظل طيلة حياتهم ملازمة لإدراكهم عن هويتهم وأنفسهم.

ما أراه مناسباً هو أعمال مثلية نظيفة، على الرغم من ابتذال المصطلح إلا أنني اراه ضرورياً. أعمال يمكن للناشئة أن يشاهدوها دون أن يشعروا بأن حياتهم الجنسية تحدد من هم عليه وإنما إدراكهم لأنفسهم باختلاف ومشاعرهم العاطفية حتى تلك العذرية والأكثر نقائاً. 

حتى لو لم تكن من فئة الناشئة، البعض من الراشدين من مجتمع الميم يعرفون أنفسهم على أنهم لا جنسيين ومثليين عاطفياً. بمعنى أنهم لا يختبرون مشاعر جنسية على الإطلاق أو يختبرونها بشكل طفيف لكنهم ينجذبون عاطفياً لأشخاص من نفس جنسهم ويحلمون بخوض علاقات طويلة الأمد أو تكوين عائلات. البعض الآخر يحتاج إلى الوقت لتكوين رابطة عاطفية قوية بالآخر قبل التفكير في خطوة أبعد. كما أنه في مجتمع متدين فقد يختار البعض على الرغم من تصالحه مع ميوله عدم الانخراط في نشاط جنسي قد لا يتوافق مع معتقداته الدينية لكن الأمر لا ينفي هويته. الخلاصة هي أن التنميط الجنسي المبالغ فيه لكلمة مثلي غير عملي ومؤذي.

براعم الفن المثلي

عام 1982 تم إصدار رواية Annie on My Mind للكاتبة نانسي غاردن. وفي عام 1994 بمدينة كنساس في أمريكا تم حرقها علانية. حكت تلك الرواية عن قصة حب بين فتاتين في سنتهما الأخيرة بالثانوية. اللافت بها أنها كانت موجهة للمراهقين تماماً، ذات طابع طفولي ورقيق خالية من المشاهد الجنسية الفجة وعاطفية بامتياز، كما أنها تنتهي نهاية سعيدة وبلا أي وفيات، قتل او انتحارات! ولم يكن هذا هو النموذج الذي أراد أولياء الأمور أن يقُدم لأطفالهم عن تلك الميول “البغضية” تماماً كما يعاد السيناريو ذاته الآن في عام 2022.

جماهير يانعة

لم تكن فئة المراهقين  أو الأطفال من الجمهور المستهدف من الأعمال الفنية والأدبية حتى وقت قريب. وليس لسبب مرتبط بمؤامرة عالمية وإنما ببساطة لأنه هدف لم يتناسب مع السوق. السوق الذي مثله على الأغلب رجال مغايرين جنسياً ناضجين ومهووسين بشكل مطلق بالمثليات وحيواتهن الجنسية. أو المثليين من كبار السن. اقتصرت الأعمال التي مثلت المراهقين لكونها موجهة في الأساس لأهاليهم فاكتفت بمناقشة صراع الإعلان عن الميول والتوافق مع الأهل ولم تمثل مراهقين أو أطفالاً يعيشون بالفعل في توافق مع ميولهم سواء كان من المجتمع أو من قبل أنفسهم. 

الآن ومع تقبل لافت بدأ العديد من الأشخاص يعلنون عن هوياتهم في مرحلة عمرية مبكرة ويشاركون قصصهم وتجاربهم العاطفية على الإنترنت سواء على تيك توك أو يوتيوب. تزايد تقبل الأهالي والمجتمع. بالإضافة لكون نسبة لا بأس بها من الأطفال غير المرغوبين من والديهم المغايرين جنسياً تم تبنيها من قبل عائلات مثلية.  مما استدعى ظهور فئة تمثلهم وتمكنهم من رؤية التشابه بينهم وبين شخصياتهم المحببة لقلبهم. في النهاية الأمر “عرض وطلب” لا أكثر.

على العكس من تصور  غالبية جمهور ديزني فإن محاولتهم لتمثيل الأقليات الجنسية ليست وليدة اللحظة ولكنها كانت مسبقاً على استحياء، فاكتفت بالتلميح لميول أو  مشاعر إحدى شخصياتها الجانبية لشخصية اخرى من نفس الجنس دون ذكر كلمة مثلي صراحة أو عرض قبلة بين شخصين من الجنس نفسه على الجمهور وذلك لتجنب المنع في العديد من الدول التي مازالت تجرم المثلية بعقوبة قد تصل إلى الموت. .

 في عام 2014  بمسلسل Good Luck Charlieينتظر والدي البطل قدوم زميل ابنهما الأصغر للعب ليتضح عن قدومه مع والديه أن لديه والدتين. المشهد برمته لا يتجاوز دقيقتين لكنه سبب دجلاً واسعاً حينها. وفي عام 2017 تم منع عرض النسخة الحية من فيلم الجميلة والوحش في ماليزيا والكويت بل وفي ألاباما بسبب احتوائه على شخصية مثلية، وعلى الرغم من ذلك تم عرضه في سينمات مصر. 

 توجد بعض الأمثلة الأخرى لتلمحيات لشخصيات مثلية في  الأعمال الموجهة للأطفال ليس في منصة ديزني فقط بل أن بعض المنصات الموجهة للأطفال اتخذت النهج نفسه. على سبيل المثال كرتون نتورك ومثالها الأبرز في المسلسل الكرتوني وقت المغامرة. بدأ عرضه عام 2010 ومن ضمن شخصياته الأساسية شخصيتين من الجنس نفسه تم التلميح لوجود علاقة سابقة بينهما لكن لم يتم توضيح نوعية العلاقة. حتى عام 2018 في الحلقة الأخيرة من المسلسل الكرتوني حيث يحتوي على قبلة صريحة بين الشخصيتين تم حذفها بالطبع من النسخة العربية للحلقة لكن لم يتم منع عرض الحلقة في المطلق.

 فيما بعد تم تخصيص حلقة منفصلة ومطولة باسم وقت المغامرة: الأراضي البعيدة اوبسيدين عرضت لعلاقة الشخصيتين بشكل صريح، شاهدت الحلقة مترجمة على إحدى المواقع المقرصنة لكن لم أستطع الوصول لنسخة مدبلجة. وقت المغامرة كان من أحب البرامج الكرتونية لقلبي في نشأتي لذا كان من اللطيف أن اعرف كراشدة أن الشخصيات التي أحببت في طفولتي كانت أيضاً تشبهني.  

المؤسف بشأن تمثيل الأقليات الجنسية في أعمال الأطفال انه كما سبق وأن ذكرت يتم على “استحياء”. فمن الصعب مثلاً أن تكون شخصية محورية مثلية وأن تعلن عن ميولها صراحة وأن يكون لها شريك من الجنس نفسه .في الأعمال المخصصة للمراهقين في المقابل فالأمور اتخذت منحى ثورياً بعض الشيء، وفُتح النقاش على مصراعيه دون أن يضطر لسلوك منحى جنسي فج بشكل يناسب طبيعة المرحلة. مؤخرا شاهدت بعض الأعمال التي يمكن أن تساعد الناشئة من المراهقين على دخول هذا الحوار عن الهوية بشكل آمن إلى حد ما. والتي أحب ان أرشحها للمشاهدة. لا أكف عن تخيلي لو رأيتها مبكراً، قبل أربعة عشر عاماً على الأقل وقبل أن يتم زجي في قالب جنسي منذ سن مبكر للغاية رافقني بسببه شعور دائم بالخزي والاشمئزاز.

1- Do Revenge

2- Crush

3- The Half of It

4- Heartbreak High

5- Never Have I Ever

6- Single All The Way

من الأعمال التي أحب إضافتها هو مسلسل Modern Family، المسلسل في الأساس ليس موجهاً للمراهقين ولكن استطاع ان يحافظ على كونه قابل للمشاهدة العائلية. على الرغم من بدء عرضه عام 2009 إلا أنني لم أعرف عنه إلا مؤخراً نظرا لعدم عرضه على التلفاز العربي على الإطلاق لأسباب واضحة. 

بوليوود أيضا نجحت في تقديم أعمال سينمائية عن الأقليات الجنسية تتناسب مع المشاهدة العائلية. بل أنها تفوقت على السينما الأمريكية. ففي حين تذمر مؤلف ومنتج فيلم Bros من أن فيلمه لم يجتذب جمهورا من المغايرين جنسيا نجحت السينما الهندية في اجتذاب هذه الفئة. بالطبع السينما الكويرية ليست مطالبة بالأساس بمداعبة كبرياء المغايرين إلا أنك لو أردت صناعة سينما كويرية لهذا الغرض و لاكتساح البوكس الاوفيس بالأساس فعليك أن تكون حذرا وواعيا للفجوة الثقافية بين مجتمع المثليين ومجتمع المغايرين الذي يميل للإنغلاق على مواضيع مثل الجنس الجماعي وتعدد العلاقات ورفض الأسرة بشكلها التقليدي. ويعتبرها تابوهات. بل أن الحرية الجنسية بحد ذاتها ليست موضوعا يرتاح الكل لخوضه حتى اللحظة في المجتمع الأمريكي. من الأفلام البوليودية التي لا أمانع مشاهدتها مع عائلتي وأعرف أنهم سيستمتعون بها هي:

1- Badhaai Do

2- Shubh Mangal Zyada Saavdhan

3- Ek Ladki Ko Dekha Toh Aisa Laga

في عامي الخامس والعشرين مازلت في محاولة مستمرة للتواصل مع المراهقة بداخلي، التعافي من خطابات الكراهية، التمثيل السيء وعدم تصالحي مع هويتي. حتى الآن حين أشاهد فيديوهات قصيرة من الممكن أن تساعد آخرين في اكتشاف هوياتهم والتصالح معها أقوم بترجمتها وإعادة نشرها على اليوتيوب. كما أن ترشيح أعمال فنية تمثل مجتمع الميم هو الشيء الأحب لقلبي. قد يبدو الأمر منفصلاً عن واقع مؤسف لمجتمع الميم في الشرق الأوسط ولكنه في النهاية محاولة لإيجاد الأمل. 

كتابة: كاميليا يسري

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.