تصاعدت مخاوف المدافعين عن حقوق اللاجئين من مجتمعات الميم في الولايات المتحدة والعالم بسبب تصريحات ووعود ترمب وقرارات الأيام الأولى والتي وعد فيها بتصعيب إجراءات الهجرة ودخول الولايات المتحدة وخفض معدلاتها بشكل كبير. بجانب مواقف إدارة ترمب المحافظة من حقوق من مجتمعات الميم. وأوقف ترمب بمجرد تنصيبه البرامج الحكومية للاجئين وفرض قيود بـ”تدقيقات صارمة” لمن يقدمون طلبات لجوء. وكان اللاجئين يخضعون بالفعل لإجراءات فحص وتدقيق بالغة الصعوبة عند دخول الولايات المتحدة كما يخضع من يقدمون طلبات لجوء جنسي لصعوبات اثبات الهوية الجنسية، لكن ترمب قد زاد من الأمر صعوبة أكثر وأكثر سواء للجوء بشكل عام أو لجوء أفراد مجتمعات الميم بشكل خاص.
رغم أن القانون الأمريكي للهجرة يعتبر أن أي شخص جزء من مجموعة مجتمعية مضطهدة في بلده الأم يعتبر مؤهلاً للجوء. ومنذ عام 1994، حيث صدر أول حكم يمنح اللجوء الجنسي في الولايات المتحدة الأمريكية، أي لما يقارب 30 عامًا، قضت هيئة استئناف الهجرة الأمريكية بأن أفراد مجتمعات الميم من دول معينة مؤهلين لطلبات اللجوء.
وتشير التقارير الإعلامية والحقوقية إلى ازدياد طلبات اللجوء الجنسي منذ 1994 بشكل تدريجي ولكن ببطء، دون وجود إحصائيات محددة، حيث لا تصدر الحكومة أرقام محددة تخص اللاجئين وأسباب اللجوء.
بينما يقدر تقرير صادر عن معهد ويليامز للأبحاث في مارس 2021 بجامعة كاليفورنيا بـ لوس أنجلوس أنه في الفترة من 2012 إلى 2017، تقدم 11400 شخص من مجتمعات الميم بطلبات لجوء في الولايات المتحدة، وأن 3899 من هؤلاء الأشخاص الذين تقدموا بلجوء جنسي أي بنسبة 34% بينما فضل الباقين اختيار أسباب أخرى للجوء بدلاً من الاضطهاد على أساس هويتهمن الجنسية. ومن المرجح أن النسبة الأكبر من مجتمعات الميم التي تفضل أسباب أخرى للجوء غير اللجوء على أساس الهوية الجنسية بسبب صعوبة إثبات كون الأفراد من مجتمعات الميم، مما يجعلهمن أكثر عرضة لرفض طلب لجوئهمن، بجانب مواجهة الكراهية والعنف على أساس الهوية الجنسية في مراكز احتجاز اللاجئين، أو غيرها.
يسيطر القلق على التقارير التي ترصد تعامل المؤسسات الحكومية الأمريكية مع اللاجئين والمهاجرين من مجتمعات الميم
كان تقرير حديث صدر في يونيو 2024 عن منظمة “المركز القومي للعدالة للمهاجرين” غير الربحية ومقرها الولايات المتحدة، أن أفراد مجتمعات الميم والمتعايشين مع فيروس نقص المناعة في مراكز المهاجرين بالولايات المتحدة يتعرضون لمعدلات عالية من الاعتداءات الجنسية والتحرش والانتهاكات العنيفة. استند التقرير إلى مقابلات مع عشرات الأشخاص الذين احتجزتهم وكالة الهجرة الفيدرالية، ووجد أن جميعهم تقريبًا تعرضوا لأنواع متعددة من العنف بناءً على توجههم الجنسي وهويتهم الجندرية أو لكونهمن متعايشين مع فيروس نقص المناعة (HIV).
وقابلت ثلاث منظمات لحقوق المهاجرين وهما؛ الهجرة العادلة، والمركز القومي للعدالة للمهاجرين، وحقوق الإنسان أولاً، 41 شخصًا كانوا في مراكز الاحتجاز بين 2009 و2023، منهم 17 متعايشًا مع فيروس نقص المناعة. وجدت الدراسة أن 40% من هؤلاء تعرضوا للاعتداء الجنسي أو الجسدي، فيما أبلغ اثنان آخران عن مشاهدة اعتداءات على محتجزين آخرين.
في بعض الحالات، قوبلت تقارير الاعتداءات بالتجاهل من المسؤولين. على سبيل المثال، تعرضت امرأة ترانس في منشأة احتجاز في فلوريدا للعنف والتحرش بشكل متكرر من زميلها في الزنزانة، لكن طلباتها لنقلها قوبلت بالتجاهل، وحاول زميلها لاحقًا اغتصابها.
ذكر 85% من المحتجزين أنهم تعرضوا لإساءات لفظية وغير لفظية، بما فيها تعليقات كراهية من الموظفين. كما وُضع نحو نصف المشاركين في الحبس الانفرادي كإجراء أمني، وأفصح المسؤولين عن معلوماتهم السرية دون موافقتهم. وأشار حوالي ثلثي المشاركين إلى تلقيهم رعاية طبية سيئة أو عدم تلقيهم للرعاية عند طلبها.
أوصى التقرير بإعطاء الأولوية لطالبي اللجوء من مجتمعات الميم والمتعايشين مع فيروس نقص المناعة للحصول على الإفراج المشروط بدلاً من الاحتجاز أثناء النظر في قضاياهم. وفقًا لتحليل بيانات فيدرالية أجراه مركز التقدم الأمريكي (CAP) في 2018، كان الأشخاص من مجتمعات الميم في مراكز احتجاز المهاجرين أكثر عرضة بـ97 مرة للتعرض للاعتداء الجنسي مقارنة بغيرهم.
يملك المهاجرين من مجتمعات الميم والمتعايشين مع فيروس نقص المناعة بعض من أقوى المطالبات باللجوء، حيث يمكنهم تقديم أدلة على أنهم يواجهون الاضطهاد في بلدانهم الأصلية. مما يمكن الحكومة الأمريكية من إطلاق سراحهم ليمروا بعملية اللجوء. لكن بدلاً من ذلك، يوضع العديد من المهاجرين من مجتمعات الميم والمتعايشين مع فيروس نقص المناعة في بيئات يكون فيها خطر التحرش أو العنف مرتفعًا، والطريقة الوحيدة لحمايتهم هي وضعهم في الحبس الانفرادي المطول، مما يزيد من عزلتهم ويؤثر على صحتهمن النفسية بشكل سلبي.
استكمال ما بدأ في فترة حكم ترمب الأولى
تتجه توقعات النشطاء والمنظمات الحقوقية والكويرية إلى باب اللجوء أمام مجتمعات الميم إلى الولايات المتحدة الأمريكية قد يضيق وربما يقارب على الاغلاق. حيث أن إدارة ترمب في فترة حكمه الأولى، سمحت بالتمييز ضد أفراد مجتمعات الميم على أساس الهوية في التعليم والرعاية الصحية والعمل والسكن ومراكز إيواء من لا مأوى لهمن وخاصة الترانس، حيث يبيت ترمب وإدارته العداء ضد الأفراد الترانس بشكل خاص. كما عملت الإدارة على بناء سور بين الولايات المتحدة والمكسيك لمنع المهاجرين واللاجئين عبر الحدود -لم يكتمل بعد-، ومنعت المسلمين من دخول البلاد، وأقرت أمرًا لتفكيك الشمل العائلي للمهاجرين واللاجئين، والذي على إثره، أبعدت الحكومة الأمريكية آلاف المهاجرين واللاجئين عن عائلاتهمن بما فيهمن مراهقين.
في أول أيام فترته الثانية مع بداية، أصدر ترمب بمجرد تنصيبه رئيسًا قرارًا تنفيذيًا يحدد جنس الأفراد إما ذكرًا وإما إناثًا، وهو ما قد يلغي الاعتراف باللاجئين والمهاجرين الترانس ويصعب أو يمنع منحهمن اللجوء على أساس هويتهمن الجنسية. وفي اليوم نفسه، أصدر قرارًا بإبقاء المهاجرين واللاجئين عبر الحدود المكسيكية، داخل المكسيك ومنعهمن من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، وإن يُنظر في طلبات لجوئهمن أو هجرتهمن وهم خارج البلاد. ويسري القرار عن الأفراد الأكثر عرضة للخطر في المكسيك بسبب هويتهمن الجنسية أو لكونهمن متعايشين مع فيروس نقص المناعة (HIV).
وفي حملته الانتخابية وقبل فوزه بالانتخابات للمرة الثانية، وفي حديثه عن انتشار المخدرات والجرائم والاغتصاب، ألقى ترمب باللوم على المهاجرين، كما اتهم الرئيس عن الحزب المنافس، بايدن، بسماح إدارته لنحو 20 مليون مهاجر غير قانوني بدخول البلاد، وهو ما تنفيه الأبحاث والتقارير. ووعد ترمب بشن أكبر حملة حكومية لترحيل المهاجرين غير النظاميين وعمل مراكز إيواء جبرية للمهاجرين واللاجئين، وربما تقنين ترحيل اللاجئين والمهاجرين النظاميين، وتقليل منح اللجوء، وتصنيف المهاجرين عبر الحدود المكسيكية كـ غير مؤهلين للجوء.
وبدأ تنفيذ ترحيل المهاجرين غير النظاميين بالفعل بترحيل مئات الأشخاص إلى دولتي كولومبيا وجواتيمالا بأمريكا اللاتينية خلال الأسابيع الماضية على أكثر من رحلة جوية عسكرية ومدنية. إلى جانب وعود ترمب وقراره بوقف منح المواطنة للمولودين في الولايات المتحدة، وتفكيك شمل العائلات التي تضم غير أمريكيين، والهجوم على مجتمعات المهاجرين واللاجئين.
يتفق عدد من النشطاء والمنظمات الحقوقية والكويرية أن التوجهات السياسية والسياسات الحكومية والقرارات التي تستهدف أفراد مجتمعات الميم والمهاجرين واللاجئين صعدت بشكل مؤثر مع تولي ترمب الحكم في 2016 وتعاود التأثير مع بداية 2025 ووجود حلفاء أقوياء مثل إيلون ماسك الذي يتبنى آراء سياسية يمينية متطرفة وتعادي أفراد وحقوق مجتمعات الميم والترانس على وجه الخصوص، ومعه آخرون أغنياء ومؤثرين. كما يتفقوا على أن هذه السياسات مؤكد أنها ستضيق على المهاجرين واللاجئين من أفراد مجتمعات الميم للولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل حتى وإن لم تكن ملامح التأثير أو التضييق واضحة بعد، إلا أن آراء ترمب وإدارته واضحة كما الشمس، ولكن يعول الكثيرون على تراجع ترمب وإدارته عن تطبيق أو تنفيذ كل ما وعد به، ولكن لا يمكن التوقع بتصرفات الرجل المندفع وإدارته الذين لا يعرفون السياسة، ويعتمدون على التحركات والحشد الشعبوي بشكل كبير وأساسي.
التراجع ليس في الولايات المتحدة وحدها، خرجت تقارير مقلقة من دول غربية بعضها كانت ترحب بالمهاجرين واللاجئين وأخرهم كندا
لا تنفصل الأحداث والآراء كثيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الهجرة واللجوء عن دول غربية أخرى مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأخرهم هولندا وكندا.
منذ موجات الهجرة واللجوء التي بلغت ذروتها في 2015 بعد نشوب نزاعات وحروب في دول مختلفة ونزوح الملايين. تصاعدت خطابات وتوجهات سياسية استقطابية مناهضة ورافضة للهجرة واللجوء وتبنتها أحزاب يمينية ويمينية متطرفة وعملت على تشكيل حركات سياسية مناهضة للهجرة واللجوء وبدورها ساعدت تلك الأحزاب على تكوين قاعدة جماهيرية مستغلةً أزمات حيوية مثل صعوبة إيجاد السكان وارتفاع التضخم والأسعار حتى وصلت ذروتها في 2024. ودفعت تلك الحركات السياسية الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى السلطة في بلدان عدة مثل بريطانيا وهولندا أو تجعلهم مقاربين على مشارف الحكم في ألمانيا وفرنسا وربما نراهم يحكمون مع الانتخابات القادمة.
وكانت المفاجأة في كندا، والبعيدة عن الخطابات السياسية الاستقطابية الرافضة للهجرة واللجوء، وكونها واحدة من أكثر دول العالم ترحيبًا بالمهاجرين واللاجئين، ولكن استطلاعات الآراء تشير إلى أن غالبية السكان يرفضون الهجرة في استطلاع نشره معهد إنفايرونيكس بنسبة 58% عام 2024 مقارنة بنسبة رفض 27% عام 2022. أي أن النسبة ازدادت عن الضعف خلال عامين فقط وذلك بسبب أزمة عدم إتاحة السكن وارتفاع الأسعار الناتجة عن التضخم.
أعتقد أن السنوات القليلة القادمة ستعكس السهولة النسبية التي عاشتها موجات الهجرة واللجوء منذ 2010 إلى الدول الغربية، وأن النهج غير المرحب بالمهاجرين واللاجئين الذي تتبعه المجر وبولندا والنمسا، ربما يسود كافة الدول الغربية في أوروبا وأمريكا الشمالية بشكل أولي، وربما تلحقه أستراليا ونيوزيلندا التي لا زالتا يحظيان بترحيب جزئي أو ربما أفضل من الدول التي كانت مركز اهتمام موجات الهجرة واللجوء السابقة. كما قد تكون بعض الدول ذات الغالبية غير البيضاء من الدول الآسيوية واللاتينية بديلاً لأفراد مجتمعات الميم الذين يتعرضون إلى القمع على أساس هويتهمن الجنسية.
كتابة:
حورس أوزيريس