أطياف
زواج اللافندر

امرأة مثلية تتزوج رجلاً مثلياً… ما هو زواج اللافندر؟

بات مصطلح “زواج اللافندر” (Lavender Marriage) يتردد بكثرة في أوساط مجتمع الميم الناطق بالعربية، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الحياة اليومية. ويبدو أن هذا المصطلح الذي يعود تاريخه إلى أوائل القرن العشرين، وجد لنفسه حياةً جديدة مؤخراً بين الشباب الكوير في منطقتنا، خصوصاً في ظل تصاعد الضغوط الاجتماعية والدينية على الأفراد الكوير، وتراجع فرص العيش علناً في بعض الدول.

لكن ما هو زواج اللافندر تحديداً؟ وكيف يختلف عن المفهوم القديم الذي يعرفه البعض بـ”الزواج الصوري” أو “الزواج الصوري” (Cover Marriage)؟ وهل هو بديل آمن، أم قيد جديد يُفرض على الأفراد باسم “الواقعية”؟

ما هو زواج اللافندر؟

زواج اللافندر هو زواج بين رجل وامرأة، يكون فيه واحد أو كلا الطرفين من مجتمع الميم، ويتم بدافع اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي، وليس بدافع الحب أو الرغبة الجنسية.

أي أن الهدف من الزواج هو التمويه أو التستر على التوجه الجنسي لأحد الطرفين أو كليهما، في مجتمع أو عائلة لا تتقبل الميول الجنسية أو الهويات الجندرية غير المعيارية وغير النمطية.

ظهر هذا المصطلح لأول مرة في أوائل القرن العشرين، واستخدم أساساً لوصف زيجات نجوم هوليوود الذين اضطروا لإخفاء ميولهم الجنسية المثلية والكويرية كي يحافظوا على صورتهم العامة ومسيرتهم المهنية، في زمن كانت عقود النجومية تتضمن بنوداً تمنع “السلوك غير الأخلاقي”، وغالباً ما كانت المثلية الجنسية تُدرج ضمن هذا التصنيف.

زواج اللافندر مقابل الزواج الصوري: ما الفرق؟

في الدول الناطقة بالعربية، لطالما استخدم مصطلح “الزواج الصوري” للإشارة إلى زيجات مشابهة بين المثليين ومجتمع الميم، حيث يتزوج رجل مثلي أو امرأة مثلية من شخص مغاير (وغالباً غير مدرك لحقيقة ميول الطرف الآخر)، بغرض إخفاء الحقيقة عن المجتمع أو العائلة. هذه الزيجات كانت ولا تزال شائعة، خصوصاً بين من يعيشون في بيئات محافظة.

الفرق الأساسي بين زواج اللافندر والزواج الصوري يكمن في الوعي المتبادل والاتفاق. ففي زواج اللافندر، يعرف الطرفان طبيعة بعضهما الجنسية، ويتفقان مسبقاً على تفاصيل العلاقة، ما يجعلها نوعاً من التعايش أو الشراكة الاستراتيجية، بينما في الزواج الصوري التقليدي، غالباً ما يُخدع أحد الطرفين، ويُستخدم كـ”غطاء” دون علمه، ما قد يسبب أذى نفسياً وعاطفياً عميقاً.

وفي بعض الأحيان، كان ولا زال يستخدم مصطلح الزواج الصوري (Cover Marriage) كنفس دلالة مصطلح زواج اللافندر (Lavender Marriage) وسط مجتمع الميم في الدول الناطقة بالعربية.

وفي سياق المنطقة، بدأ مصطلح زواج اللافندر يستخدم ويُتداول مؤخرًا للإشارة إلى الزواج بين مثلي ومثلية أو أي فردين كويريين على علم بميولهما، ويعيشان في إطار زواج شكلي لتخفيف الضغوط الاجتماعية، مع أو دون نية لإنجاب أطفال أو بناء حياة مشتركة طويلة.

كما في السنوات الأخيرة، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام عشرات القصص والفيديوهات التي تسلط الضوء على نساء اكتشفن بعد سنوات من الزواج أن أزواجهن مثليون أو مزدوجو الميول الجنسية.

هذه الاكتشافات كانت صادمة ومدمّرة للعديد من هؤلاء النساء، خاصة حين تعرّضن للخيانة الزوجية من قبل أزواجهن الذين أقاموا علاقات سرية مع رجال آخرين.

بعض هذه الحالات لم تبقَ في نطاق الأسرة، بل تحوّلت إلى قضايا رأي عام بعدما وصلت إلى محاكم الأسرة والعائلة، ما أثار نقاشاً مجتمعياً حاداً حول الصدق في العلاقات الزوجية، والحق في معرفة الحقيقة من البداية.

هذه القصص تُظهر جانباً آخر من المآسي التي تسببها الضغوط الاجتماعية على الأفراد الكوير، حين يُجبرون على الدخول في علاقات مغايرة قسرية، ما يوقع أذى نفسي وعاطفي على الطرفين معاً.

لماذا يختار البعض هذا النوع من الزواج؟

هناك عدة دوافع وراء انتشار زواج اللافندر بين الشباب الكوير العرب:

  • الهروب من ضغوط الزواج الإجباري: في كثير من الحالات، يواجه الأفراد الكوير تهديداً حقيقياً من العائلة أو المجتمع بالزواج القسري. وزواج اللافندر قد يكون مخرجاً آمناً لتجنب هذا المصير.
  • إرضاء العائلة والمجتمع: يتيح هذا النوع من الزواج للأفراد الحفاظ على علاقاتهم الأسرية، دون الكشف عن ميولهم أو التعرض للنبذ.
  • الحصول على امتيازات قانونية أو اجتماعية: في بعض الدول، الزواج يفتح أبواباً للحصول على الإقامة، الجنسية، أو حتى الدعم المالي والسكني، أو إرضاء وتعزيز مكان مجتمعية معينة.
  • دعم متبادل وتفاهم عاطفي: بعض الأزواج في زيجات اللافندر يطورون صداقات عميقة، ويجدون في بعضهم شريكاً داعماً ومتفهماً خاصة مع صعوبة تكوين علاقات عاطفية للمثليين بسبب الظروف المجتمعية، مما يعتبر حل فعال للبعض للتعامل مع الوحدة.
  • الرغبة في إنجاب الأطفال: يلجأ البعض لزواج اللافندر كوسيلة لإنجاب الأطفال، لعدم وجود طرق قانونية ميسرة للمثليين والمثليات لتكوين أسرة في معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

هل زواج اللافندر بديل آمن أم قيد جديد؟

رغم أن زواج اللافندر يبدو حلاً عملياً في ظل السياقات القمعية، إلا أنه لا يأتي بلا ثمن.

قد يؤدي هذا النوع من الزواج إلى:

  • كبت الهوية الجنسية والعاطفية: حتى لو كان الطرف الآخر متفهماً، فإن إخفاء الذات الحقيقية يترك أثراً عميقاً سلبياً على النفس.
  • علاقات معقدة ومتشابكة: دخول أطراف ثالثة (عشاق سريين مثلاً)، أو تغير المشاعر بمرور الوقت، قد يعقد العلاقة.
  • أثر على الأطفال: في حال وجود أطفال، قد تنشأ أسئلة صعبة تتعلق بالهوية والصدق.
  • خطر فقدان الدعم في حال انكشاف الحقيقة: خاصةً في البيئات التي لا ترحم، قد يؤدي انكشاف زواج اللافندر إلى انهيار اجتماعي أو مهني.
  • عدم الإلتزام بالاتفاقات وضعف المساواة الجندرية القانونية: كون زواج اللافندر يتم على أساس إتفاق شفهي دون وجود حماية قانونية أو مجتمعية قد يتسبب في مشاكل عديدة في حال تغير الاتفاقات المسبقة للزواج بين الطرفين أو صعوبة بناء إتفاقات جديدة والتعامل معها مما يتماشى مع تغيرات الحياة، خاصةً لو قانون البلد يٌعطي امتيازات أكثر للزوج عن الزوجة، وهي حالة شائعة في دول المنطقة بسبب ضعف المساواة الجندرية أمام القانون.

دراسة حديثة تكشف جذور العنف في الزيجات القسرية على المثليين والكويريين

في عالم لا تزال فيه الزيجات القسرية تُفرض على الأفراد من مجتمع الميم بسبب ضغوط المجتمع و”شرف العائلة”، يظهر زواج اللافندر ليس كخيار حر، بل كآلية للبقاء.

ونظرًا لغياب المعلومات والدراسات عن الزواج القسري للمثليين والمثليات ومزدوجي الميول الجنسية والكويريين، نستشهد بدراسة أٌجريت في المملكة المتحدة.

حيث كشفت دراسة أُجريت في إنجلترا وويلز عام 2023 عن ارتفاع خطر تعرض الأشخاص الكوير، وخاصة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و21 عامًا، للزواج القسري.

وتُظهر القصة المروعة لإحدى الشابات الكويريات من أصول سعودية كيف تم استدراجها إلى منزل أهلها، وتعرضها للضرب والخنق ومحاولات “استخراج الجن منها” فقط لأنها كانت تعيش مع شريكة من نفس الجنس.

في كثير من هذه الحالات، تلعب العائلة دور “السلطة القمعية”، مستخدمة العنف الجسدي والضغط النفسي لإجبار أبنائها على علاقات غير مرغوب بها.

رغم وجود قوانين في بريطانيا مثل “الحماية من الزواج القسري” (FMPO)، إلا أن الدراسة حذّرت من أن غياب التنسيق بين الجهات المعنية يمكن أن يجعل هذه الأوامر سيفاً ذا حدين، يزيد من خطر العنف القائم على الشرف، والاعتداء، وحتى الاغتصاب.

يمكننا تخيل الواقع في الدول التي لا توفر حماية من الزواج القسري، بل على العكس، تلعب الجهات الحكومية دوراً محورياً في حماية سيطرة العائلة على الأبناء والبنات وخاصة البنات.

في ظل هذا الواقع، يلجأ بعض الأفراد الكوير إلى “زواج اللافندر”، وهو زواج بين رجل وامرأة من مجتمع الميم، كحل استراتيجي لتفادي الزواج القسري أو الاضطهاد العائلي.

يمنح هذا النوع من الزواج مظهرًا “اجتماعياً مقبولاً” يسمح بالحفاظ على العلاقات العائلية والنجاة من أشكال القمع المباشر، لكنه لا يخلو من التحديات.

فبين طمس الهوية، وصعوبة التعبير العاطفي، والتمثيل والإدعاء اليومي، وعيش حرمان عاطفي وجنسي وحميمي، وانعدام الحماية القانونية، يبقى زواج اللافندر حلاً مؤلماً، وإن كان أقل خطورة من البدائل المفروضة.

تشير هذه الظواهر إلى فشل مجتمعي عميق في تقبل الأفراد الكوير كأشخاص متساوين في الإنسانية والحقوق وحتى تقبل اختيارات الناس بعدم الزواج، حيث أن التركيبة المعقدة والعميقة للمجتمع تدفع وترغم جميع الأفراد على الزواج.

فطالما بقيت الهويات المثلية ومزدوجة الميول الجنسية والترانس والكوير غير معترف بها قانونياً واجتماعياً، ستظل مثل هذه “الزواجات” قائمة، ليس بدافع الحب، بل كوسيلة للنجاة من العنف المجتمعي.

نحو فهم أعمق: هل هناك بدائل؟

بينما يرى البعض أن زواج اللافندر خيار واقعي في غياب الحريات، يؤكد آخرون على أهمية التفكير خارج هذا الإطار، والبحث عن بدائل أكثر تحرراً وإنصافاً، مثل:

  • العلاقات الكويرية غير التقليدية (شراكات بدون زواج قانوني)
  • الهجرة إلى أماكن أكثر أماناً
  • بناء مجتمعات دعم كويرية محلية

بين الخوف والبقاء

زواج اللافندر ليس حلاً سحرياً، بل خيار مليء بالتعقيد والمفارقة. هو مرآة تعكس حجم القمع الذي لا يزال يعيشه الأفراد الكوير في الدول الناطقة بالعربية، لكنه أيضاً شهادة على قدرتهم على المقاومة والابتكار.

أن نكتب ونناقش هذه المواضيع بصراحة، هو خطوة أولى نحو عالم لا يُجبر فيه أحد على الاختيار بين هويته وحياته.

مصطلحات بديلة لزواج اللافندر والزواج الصوري

يُستخدم مصطلح “زواج اللافندر” للإشارة إلى زواج بين رجل وامرأة، غالباً ما يتم بغرض إخفاء الميول المثلية لأحد الطرفين أو كليهما. يُعرف هذا النوع من الزواج أيضاً بمصطلحات أخرى مثل “زواج المصلحة” أو “الزواج الصوري”، وقد يُطلق عليه كذلك “الزواج مختلط التوجه الجنسي” عندما يكون لكل من الطرفين ميول جنسية مختلفة.

فيما يلي توضيح لأهم المصطلحات المرتبطة بهذه الأنواع من العلاقات:

1. زواج المصلحة (Marriage of Convenience)

مصطلح عام يُستخدم لوصف الزواج الذي يتم لأسباب عملية، مثل الحصول على حقوق قانونية، أو إقامة، أو جنسية، أو مكانة اجتماعية، أو للتغطية على الميول الجنسية المثلية والهوية الكويرية، دون وجود حب أو انجذاب عاطفي بين الطرفين.

2. “بيردينغ” (Bearding)

مصطلح عامي يُشير إلى الشخص الذي “يتظاهر” بأنه في علاقة عاطفية أو زوجية مع شخص مثلي الجنس، بهدف مساعدته على إخفاء ميوله عن المجتمع.

3. “شينغ هون” (Xinghun)

مصطلح صيني يُستخدم لوصف زواج صوري بين رجل وامرأة يهدف إلى إخفاء الميول المثلية، خاصة في الدول التي لا تعترف بزواج المثليين.

4. “تونغتشي/تونغفو” (Tongqi/Tongfu)

مصطلحان يُستخدمان في الصين للإشارة إلى الشريك غير المثلي في زواج اللافندر، سواء كانت الزوجة (تونغتشي) أو الزوج (تونغفو).

5. الزواج مختلط التوجه الجنسي (Mixed-Orientation Marriage)

وصف يُطلق على الزيجات التي يكون فيها الطرفان ذوي ميول جنسية مختلفة، مثل زواج شخص مغاير مع شخص مثلي، أو ثنائي الميول، أو لاجنسي، أو لا رومانسي.

6. العلاقة مختلطة التوجه الجنسي (MOR/MORE)

مصطلح أوسع يُشير إلى العلاقات غير الزوجية أيضاً، بين أشخاص لديهم ميول جنسية مختلفة.

7. الزواج الوهمي أو الزائف (Sham Marriage)

زواج يتم عن قصد دون نية بناء علاقة زوجية حقيقية، وغالباً ما يهدف إلى إخفاء حقيقة معينة، مثل الجنسية أو الميول الجنسية، وقد يُستخدم أيضاً لأغراض قانونية مثل الهجرة.

8. الزوجان اللافندر (Lavender Couple)

مصطلح يُشير إلى رجل وامرأة يعيشان معاً كزوجين، دون وجود علاقة جنسية بينهما، سواء كان ذلك بسبب الميول الجنسية، أو اتفاق مشترك على نوع العلاقة.

لماذا هذه المصطلحات مهمة؟

مع تزايد النقاش حول قضايا الهوية الجنسية والتوجهات غير النمطية في العالم العربي، من المهم فهم المصطلحات التي تُستخدم لوصف أشكال مختلفة من العلاقات، خاصة تلك التي تنشأ كرد فعل على الضغوط الاجتماعية أو القانونية.

فالكثير من الأشخاص من مجتمع الميم يجدون أنفسهم مجبرين على الدخول في زيجات لا تعكس حقيقتهم، فقط من أجل النجاة أو القبول المجتمعي.

هذه المصطلحات لا تُعبّر فقط عن واقع الأفراد الكوير في مناطق مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل تفتح الباب أيضاً للنقاش حول حرية الاختيار، والعدالة الاجتماعية، والحق في العيش بهوية صادقة دون خوف أو تمويه.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.