الإجابة المختصرة على سؤال “هل المثلية مرض؟” المتكرر هي، لا، المثلية ليست مرض ولا يوجد علاج لها ومحاولة علاجها تضر الأشخاص ولن تفيدهم بأي شيء.
تجمع الأبحاث العلمية والعملية على أن الانجذابات والمشاعر والسلوكيات المثلية تُعدّ ضمن التنوعات الطبيعية والإيجابية في التوجه الجنسي البشري والكائنات الحية.
كما توجد مجموعة كبيرة من الأدلة العلمية التي تؤكد على أن الميول الجنسية المثلية ومزدوجة الميل الجنسي (بايسكشوال) تتوافق تمامًا مع الصحة النفسية العادية والقدرة على العيش بشكل طبيعي وعادي والتكيف مع المجتمع والأداء العام العادي.
نظرة تاريخية
عندما بدأ الطب النفسي كعلم وطب في القرن الـ 19 وقبل أن يتطور ويصل إلى شكله الحالي في يومنا هذا. أُدرجت كل التوجهات الجنسية عدا المغايرة الجنسية وهي الانجذاب الجنسي للجنس الآخر (رجل وامرأة) على قوائم الأمراض والاضطرابات النفسية بما فيهم المثلية الجنسية داخل كل المؤسسات العلمية والنفسية كـ إجراء عام ليس إلا وإنطلاقًا من إن هذه الآراء هي المسيطرة في المجتمع وليس لأنها أمراض واضطرابات فعلاً.
وفي منتصف القرن العشرين، وبعد مرور سنوات والتمادي في تطبيق العلاجات والتجارب المختلفة بهدف تغيير الميول الجنسية المثلية عند الأفراد وخاصة الرجال والتي أثبتت فشلها ووصل الأمر لعملية فصل فص دماغي وهي شبه قتل للأفراد على العشرات، بدأ العلماء والأطباء والمنظمات والمؤسسات النفسية والعلمية تدرس وتراجع إذا كانت المثلية مرض فعلاً أم لا وبعضهم كان يدرس كيفية “علاج” المثلية.
بدأ العلماء والأطباء يختلفون حول التوجه المسلم به لعقود بأن المثلية مرض، وتشكل تيارين بعد البحث والدراسة، تيار لا زال يرى أن المثلية مرض، وتيار جديد توصل لأن المثلية ليست مرضًا ولا يمكن علاجها وأنها ميول طبيعية.
بدأ التيار الطبي الجديد الظهور بتبنى بعض الأطباء النفسيين الأوائل، مثل العالم النمساوي سيغموند فرويد والعالم الإنجليزي هافلوك إليس والذين عملا بين 1856 وحتى 1939، مواقف جديدة تجاه المثلية الجنسية. قال فرويد وإيليس أن من عملهم فهم يجيدون أن المثلية الجنسية ليست “طبيعية”، ولكن لا توجد طريقة علاج وأنها حقيقة “لا مفر منها” عند البعض.
وفي الأربعينيات والخمسينيات، عمل عالم البيولوجي الأمريكي ألفريد كينزي على دراسة الجنسانية أو الميول الجنسية عند البشر بشكل واسع. حيث أسس علم الجنس (sexology) بعد تجارب عديدة على مئات الأفراد ونشرها في كتابيه المشهورين “السلوك الجنسي لدى الذكر” (1948) و”السلوك الجنسي لدى الأنثى” (1953)، والمعروفين أيضًا باسم تقارير كينزي، كما أسس سلم كينزي الخاص بتنوع الميول الجنسية عند البشر.
ساهمت أبحاث ودراسات كينزي وفريقه الموسعة طوال سنوات وغير المسبوقة في تغيير المعرفة حول المثلية الجنسية وازدواج الميول الجنسية (بايسكشوال) عند البشر، كونه عالم بيولوجي وعالم حيوان وعالم حشرات. فقد لمس كينزي من خلال عمله التنوع في الميول والسلوكيات الجنسية عند كافة الكائنات الحية وآخرها البشر.
وبعدما أدرجت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين (APA) وهي أكبر جمعية نفسية طبية في العالم وتأسست عام 1844، المثلية الجنسية في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) في نسخته الأولى والذي يعتمد عليه الأطباء النفسيين حول العالم في علاج الأمراض النفسية كونه المرجع الأول لها، عام 1952 على أنها “اضطراب في الشخصية السيكوباتية”، إلا أن هذا التصنيف خضع للتدقيق في أبحاث لاحقة.
فشلت الأبحاث والدراسات اللاحقة بشكل متكرر في تقديم أي أساس تجريبي أو علمي يدعم أن المثلية الجنسية “مرض”، مما يؤكد أنها توجه جنسي طبيعي وعادي، وأنها جزء من التنوع البشري، مثل التنوع عند الحيوانات المثليين أو الذين يمارسون العلاقات الجنسية المثلية، وبالتالي المثلية جزء من التنوع عند الكائنات الحية المختلفة.
ونتيجة فشل إثبات أن المثلية مرض، حذفت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين المثلية الجنسية من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) في نسخته الثانية عام 1973.
وبعد أن أدرجت منظمة الصحة العالمية (WHO) المثلية الجنسية في التصنيف الدولي للأمراض (ICD) بنسخته التاسعة في عام 1977، تراجعت عن قرارها وحذفت المثلية الجنسية من التصنيف الدولي للأمراض (ICD) بنسخته العاشرة والذي أقرته الجمعية العالمية للصحة في اجتماعها رقم 43 في 17 مايو 1990.
ما سبب المثلية الجنسية؟
لا يوجد حتى الآن إجماع بين العلماء حول الأسباب الدقيقة للميول الجنسية للفرد سواء كان مغاير (رجل وامرأة)، أو مثلي (رجل ورجل)، أو مثلية (امرأة وامرأة)، أو مزدوج الميول الجنسية (رجل أو امرأة).
رغم أن العديد من الأبحاث قد بحثت في التأثيرات الجينية، والهرمونية، والتنموية، والاجتماعية، والثقافية المحتملة على الميول الجنسية، إلا أنها لم تُظهر أي نتائج تسمح للعلماء بمعرفة العوامل التي تحدد الميول الجنسية للفرد.
بالتالي، لا يوجد سبب محدد للميول الجنسية للفرد عامة، كما لا يوجد إثبات على أن التربية والجينات والهرمونات والثقافة المحيطة تؤثر على الميول الجنسية للفرد.
والخلاصة أنه لا يوجد سبب في كون الشخص مثلي، كما أن التربية لا علاقة لها بكون الشخص مثلي أم لا.
ما هي الميول الجنسية؟
تشير الميول الجنسية إلى نمط ثابت من الانجذابات العاطفية والرومانسية والجنسية تجاه الرجال أو النساء أو الاثنين أو عدم الانجذاب الجنسي أو العاطفي للآخرين مثل اللاجنسية واللاعاطفية. كما تشير الميول الجنسية إلى شعور الشخص بهويته بناءً على تلك الانجذابات، والسلوكيات المرتبطة بها، والانتماء إلى مجتمع يشكله الأفراد الآخرين الذين يتشاركون تلك الانجذابات.
عادةً ما تناقش الميول الجنسية ضمن ثلاث فئات الأكثر شيوعًا:
مغاير الجنس: الانجذاب العاطفي أو الرومانسي أو الجنسي تجاه أفراد من الجنس الآخر
مثلي/مثلية: الانجذاب العاطفي أو الرومانسي أو الجنسي تجاه أفراد من نفس جنسه
مزدوج/مزدوجات الميل الجنسي: الانجذاب العاطفي أو الرومانسي أو الجنسي تجاه كل من الرجال والنساء
تتواجد هذه المجموعة من الميول الجنسية بأشكال ومسميات مختلفة حسب الثقافة العامة حول العالم. كما تستخدم الشعوب مسميات مختلفة في وصف أصحاب الميول الجنسية السابقة مثل (مثلي، جاي Gay، ليز، لزبيان، Lesbian، مثلية، باي، بايسكشوال، مزدوج الميول الجنسية، ينفع للاتنين، وهكذا).
تختلف الميول الجنسية عن غيرها من مكونات الجنس والجندر، بما في ذلك الجنس البيولوجي (الخصائص التشريحية والفسيولوجية والجينية المرتبطة بكون الشخص ذكرًا أو أنثى أو انترسكس)، والهوية الجنسية (الشعور النفسي بكون الشخص رجلاً أو امرأة أو عدم الشعور بالانتماء إلى الاثنين)،* والدور الاجتماعي للجندر (المعايير الثقافية التي تُحدد السلوك الأنثوي والرجولي مثل التصرفات والمظهر).
هل المثلية مرض نفسي يمكن علاجه؟
لا، الميول المثلية والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي (بايسكشوال) ليست مرض أو مرضى يمكن علاجهم.
لم تجد الأبحاث أي علاقة جوهرية بين أي من هذه الميول الجنسية والاضطرابات النفسية. كما أن كل من السلوك المغاير والمثلي جوانب طبيعية للجنس البشري. وقد وُثِّق كلاهما في العديد من الثقافات والعصور التاريخية المختلفة من أول التاريخ.
وعلى الرغم من استمرار المعلومات الخاطئة التي تُصوِّر المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي (بايسكشوال) على أنهم مرضى ومضطربين إلا أن الأبحاث والتجارب العلمية أثبتت أن الميول المثلية والمزدوجة تُمثل أشكالًا طبيعية من الحياة البشرية والتجارب الإنسانية.
كما إن العلاقات بين المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي هي أشكال طبيعية من الترابط الإنساني.
وأدرك عدد كبير من المنظمات والمؤسسات الطبية والنفسية والعلمية حول العالم وخاصة الكبرى منذ زمن طويل أن تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي يعتبر خطأ كبير جدًا.
وقالت تلك المنظمات والمؤسسات العلمية الكبرى أن محاولة تغيير الميول الجنسية المثلية مضرة وتؤثر على الصحة النفسية والجسدية للمثليين ومزدوجي الميل الجنسي وأن من يدعي أنه يمكن علاج المثلية فهو كاذب ويروح لعلوم كاذبة.
ما طبيعة العلاقات العاطفية أو الارتباط بين المثليين؟
تشير الأبحاث في بعض الدول إلى أن العديد من المثليات والمثليين إما مرتبطين وفي علاقات ملتزمة أو يرغبون في الارتباط وتكوين علاقات ملتزمة.
على سبيل المثال، تشير بيانات الاستطلاعات إلى أن ما بين 40% و60% من الرجال المثليين، وما بين 45% و80% من المثليات مرتبطون حاليًا، حسبما نقلت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين.
لا تزال الصور النمطية عن المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي موجودة، على الرغم من أن الدراسات أثبتت أنها غير صحيحة. ومن أبرز تلك الصور النمطية الخاطئة:
- علاقات المثليين مضطربة وغير سعيدة
وجدت الدراسات أن الأزواج من نفس الجنس (المثليين) والأزواج من جنسين مختلفين (المغايرين) متساوون في مقاييس الرضا والالتزام بالعلاقة. وأنه لا يوجد فرق بين علاقات المثليين وعلاقات المغايرين.
- علاقات المثليين ومزدوجي الميل الجنسي غير مستقرة
على الرغم من العداء المجتمعي تجاه العلاقات المثلية، تُظهر الأبحاث أن العديد من المثليات والمثليين يقيمون علاقات تدوم أوقاتًا طويلة، ولكنها لا تأخذ نفس المساحة من الظهور مثل العلاقات المغايرة. كما تشير بيانات المسح إلى أن ما بين 18% و28% من الأزواج المثليين وما بين 8% و21% من الأزواج المثليات عاشوا معًا لمدة 10 سنوات أو أكثر.
- أهداف وقيم الأزواج المثليين تختلف عن أهداف وقيم الأزواج المغايرين
وجدت الأبحاث أن العوامل التي تؤثر على رضا العلاقة والالتزام والاستقرار متشابهة بشكل ملحوظ لكل من الأزواج من نفس الجنس (المثليين) الذين يعيشون معًا والأزواج من جنسين مختلفين (المغايرين).
ومن المنطقي والمهم أيضًا الإشارة إلى أن استقرار الأزواج من نفس الجنس (المثليين) قد يزيد إذا تمتع الشركاء من الأزواج من نفس الجنس بنفس مستويات الدعم والتقدير لعلاقاتهم مثل الأزواج من جنسين مختلفين (أي الحقوق والمسؤوليات القانونية والمجتمعية المرتبطة بالزواج).
تتوفر أبحاث أقل بكثير حول تجارب العلاقات للأشخاص مزدوجي الميول الجنسية (بايسكشوال). إذا كان هؤلاء الأفراد في علاقة من نفس الجنس، فمن المرجح أن يواجهوا نفس العداء والتمييز الذي يواجهه الأزواج المثليين والمثليات.
أما إذا كانوا في علاقة من جنسين مختلفين، فقد تكون تجاربهم مماثلة تمامًا لتجارب الأشخاص المغايرين ما لم يختاروا الكشف عن ميولهم الجنسية المزدوجة. في هذه الحالة، من المرجح أن يواجهوا بعضًا من نفس العداء والتمييز الذي يواجهه الأفراد المثليون والمثليات.