أطياف

ماهي اللاجنسية Asexuality؟

ما هي اللاجنسية؟

اللاجنسية (Asexuality) هي توجه جنسي يُعبّر عن غياب الانجذاب الجنسي تجاه الآخرين. الأشخاص اللاجنسيين قد لا يشعرون برغبة جنسية تجاه أي شخص، بغض النظر عن الجندر أو الهوية. لكن هذا لا يعني أنهم لا يشعرون بالحب أو لا يُكوِّنون علاقات عاطفية أو رومانسية.

اللاجنسية لا تعني العزلة أو رفض العلاقات، بل هي ببساطة اختلاف في الطريقة التي يشعر بها الشخص بالانجذاب أو لا يشعر به مثلما يشعر آخرون بالجنسية ويختبرون الانجذاب الجنسي في حياتهم.

تنوع الهويات داخل الطيف اللاجنسي

اللاجنسية ليست هوية موحّدة أو تجربة واحدة تنطبق على كل من يُعرّفون أنفسهم كلاجنسـيّين (Asexuals). بل هي طيف (spectrum) واسع يضم العديد من الهويات الفرعية، التي تختلف في تجارب الأفراد للجاذبية الجنسية، أو الرغبة في العلاقات، أو الممارسات الجسدية.

هذا التنوع يعكس الفكرة الأساسية أن اللاجنسية لا تعني بالضرورة غياب كل المشاعر أو العلاقات، وإنما تعني أن التجربة الجنسية عند هؤلاء الأفراد تختلف عن السائد.

فيما يلي نظرة على أبرز الهويات داخل طيف اللاجنسية:

1. اللاجنسـية (Asexuality)

هي الهوية المركزية في طيف اللاجنسية وتعني عدم الشعور بأي انجذاب جنسي تجاه الآخرين، بغض النظر عن الجندر أو النوع.

  • بعض اللاجنسيين لا يشعرون بأي رغبة جنسية أو لا يمارسون الجنس إطلاقًا.
  • قد ينخرط آخرون من اللاجنسيين في علاقات جنسية لعدة أسباب (عاطفية، وشريكية، وفضولية، وغيرها) لكن دون وجود رغبة داخلية لديهم.

2. الديميسكشوال (Demisexual)

الديميسكشوال هم أشخاص لا يشعرن بالانجذاب الجنسي إلا بعد تكوين ارتباط عاطفي قوي مع شخص ما.

  • لا يتعلق الأمر بالتدين أو الثقافة، بل هو جزء من بنيتهم النفسية والعاطفية.
  • تقع الديميسكشوالية على حدود الطيف بين اللاجنسية والجنسانية (الانجذاب الجنسي المعتاد).

3. الرمادية الجنسية (Gray-Asexual/Graysexual)

تشير إلى الأشخاص الذين نادرًا ما يشعرون بانجذاب جنسي، أو يشعرون به في ظروف محددة جدًا.

  • مثال: شخص قد يشعر بانجذاب جنسي مرة أو مرتين في حياته، أو في حالات معينة فقط.
  • تُعرف هذه الهوية أحيانًا بـ”الرماديين” (gray-ace)، وهي تسمح بمساحة مرنة بين اللاجنسية والجنسانية.

4. اللاجنسية الحسية (Sensual Asexuality)

بعض اللاجنسيين يفضلون الحميمية الجسدية غير الجنسية مثل العناق، والتقبيل، والتلامس، أو مشاركة السرير دون ممارسة جنسية.

  • يُطلق عليهم أحيانًا Sensual Asexuals بمعنى أنهم لاجنسيين يركزون على الإحساس أو Non-sexual Touch Oriented بمعنى أنهم لاجنسيين يركزون على تجنب التلامس الجنسي.
  • تتيح هذه الهوية تمييز الرغبة في القرب الجسدي عن الرغبة الجنسية.

5. اللاجنسية الرومانسية (Asexual Romanticism)

لا تعني اللاجنسية غياب الحب والعلاقات العاطفية. لذلك، يُميز كثير من اللاجنسيين بين الانجذاب الجنسي (sexual attraction) والانجذاب الرومانسي/العاطفي (romantic attraction) ويفصلون بينهما.

6. اللاجنسيين المتعددون (Aceflux/Acespec)

يختبر هؤلاء الأفراد تغيرًا في درجة انجذابهم الجنسي بمرور الوقت.

  • قد يشعر الشخص بالانتماء للاجنسية لفترة، ثم يتغير شعوره لاحقًا (أو العكس).
  • تُعد من الهويات المرنة داخل الطيف.

الفرق بين اللاجنسية والامتناع عن الجنس أو البرود الجنسي

من أكثر المفاهيم المغلوطة شيوعًا أن اللاجنسية مرتبطة بالامتناع (العزوف) عن الجنس أو البرود الجنسي. لكن:

  • الامتناع هو قرار شخصي بعدم ممارسة الجنس، غالبًا لأسباب دينية أو أخلاقية أو شخصية.
  • البرود الجنسي قد يكون حالة طبية أو نفسية تؤثر على الرغبة الجنسية ويمكن علاجها.

بينما اللاجنسية هي هوية، أي أنها جزء من الشخص، وليست قرارًا مؤقتًا أو مشكلة يمكن علاجها.

تجارب اللاجنسيين داخل المجتمع

العديد من الأشخاص اللاجنسيين يواجهون:

  • ضغوط مجتمعية للاشتراك في علاقات جنسية باعتبارها معيارًا للنجاح أو الحب أو للاعتقاد أنها جزء أساسي من الحياة.
  • التهميش داخل مجتمعات الميم نتيجة ضعف التمثيل والاعتراف.
  • الوصم الطبي والنفسي، حيث يتم أحيانًا تشخيصهم خطأً باضطرابات أو حالات صحية غير موجودة.

الدراسات والأبحاث حول اللاجنسية

رغم أن التوجه الجنسي اللاجنسي ظل لفترة طويلة غير مرئي في الخطابات الأكاديمية والاجتماعية، فقد بدأ يتصدر اهتمام الباحثين في مجالات علم النفس، والأنثروبولوجيا، والدراسات الجندرية، وعلم الاجتماع منذ أوائل الألفية، مدفوعًا بنشاط المجتمعات اللاجنسية وتعبيرهمن عن أنفسهمن وظهور شبكات دعم مثل AVEN (شبكة التوعية باللاجنسية).

هذه الدراسات لا تقتصر على محاولة تعريف اللاجنسية فحسب، بل تغوص في تجارب الأفراد اللاجنسيين، وعلاقاتهم، وصحتهم النفسية، وتمثيلهم الإعلامي، وموقعهم داخل مجتمعات الميم.

دراسة أنطوني بوجارت (Anthony Bogaert – 2004)

واحدة من أولى الدراسات واسعة النطاق عن اللاجنسية، نُشرت في مجلة Journal of Sex Research. استخدم بوجارت بيانات من استبيان وطني بريطاني، ووجد أن حوالي 1% من المشاركين لم يختبروا أي انجذاب جنسي طيلة حياتهم.

اعتُبرت هذه الدراسة تأسيسية لأنها قدّمت اللاجنسية كتوجه جنسي مستقل، وأثارت الجدل حول إمكانية إدراجها رسميًا في الطيف الجنسي.

دراسة Understanding Asexuality – 2012

وهو كتاب أكاديمي شامل ألفه أنطوني بوجارت، تناول فيه اللاجنسية من منظور نفسي واجتماعي وتاريخي.

أهم ما خلص إليه:

اللاجنسية ليست ناتجة عن صدمات أو مشكلات نفسية.

معظم اللاجنسيين يتمتعون بحياة نفسية واجتماعية صحية.

اللاجنسية يمكن أن تكون بيولوجية أو هرمونية لدى بعض الأفراد، لكن هذا ليس شرطًا عامًّا.

دراسات حول العلاقات العاطفية والحميمية

دراسة نشرت عام 2014 في Archives of Sexual Behavior ركزت على العلاقات العاطفية لدى اللاجنسيين، ووجدت أن العديد منهم يدخلون في علاقات رومانسية أو شراكات غير جنسية (مثل العلاقات الأفلاطونية الحميمة Queer Platonic relationships).

بيّنت الدراسة أن اللاجنسيين يطوّرون أشكالًا بديلة للحميمية تتجاوز الفعل الجنسي التقليدي، وتشمل الرعاية، والتواصل العاطفي، والاحتضان.

دراسات حول الصحة النفسية والتمييز

دراسة من جامعة ييل Yale عام 2018 أوضحت أن اللاجنسيين قد يتعرضون لتمييز مضاعف، سواء من المجتمع العام أو داخل مجتمعات الميم، بسبب مفاهيم خاطئة مثل “اللاجنسية ليست حقيقية” أو أنها “نقص”.

إلا أن ذات الدراسة أظهرت أن الانتماء لمجتمع داعم، والاعتراف الذاتي بالهوية اللاجنسية، يُحسّن الصحة النفسية بشكل كبير.

دراسات حول التمثيل الإعلامي

في 2020، نُشرت دراسة في Sexualities Journal عن صورة اللاجنسيين في الدراما التلفزيونية، وخلصت إلى أن:

نادرًا ما تُذكر اللاجنسية صراحة على الشاشة.

غالبًا ما يُستخدم اللاجنسيين كشخصيات “باردة” أو “غريبة”.

لكن بعض المسلسلات بدأت تمثّلهم بطرق أكثر إنصافًا، مثل شخصية تود تشافيز Todd Chavez في مسلسل BoJack Horseman، والتي قوبلت بترحيب واسع من اللاجنسيين حول العالم.

دراسات حول التقاطعات (Intersections)

بعض الأبحاث ركزت على تقاطعات اللاجنسية مع الهوية الجندرية، وبيّنت أن عددًا كبيرًا من الأشخاص اللاجنسيين يعرفون أنفسهم أيضًا كهويات غير ثنائية (non-binary)، مما يُشير إلى أن اللاجنسية أحيانًا ما تكون جزءًا من تجربة أوسع لإعادة التفكير في مفاهيم الجندر، والحب، والعلاقات.

اللاجنسية ليست نقصًا، بل هي أحد أوجه التنوع البشري في التجربة الجنسية والعاطفية. وهي تُظهر لنا أن الانجذاب الجنسي ليس تجربة عالمية أو مشتركة بين جميع البشر، بل قد يختلف من شخص لآخر. فهم هذا الطيف واحترامه لا يُفيد فقط من يعرّفون أنفسهم كلاجنسيين، بل يعمّق إدراكنا للجندر، والرغبة، والعلاقات الإنسانية بشكل أوسع.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.