حيوانات مثلية

هل هناك حيوانات مثلية؟

في كثير من الخطابات المعادية للمثلية في العالم العربي، يُروّج لفكرة أن المثلية “لا تحدث في الطبيعة”، وأن “حتى الحيوانات لا تفعل ذلك”. ولكن، عندما تُعرض أدلة علمية أو صور لحيوانات تمارس سلوكًا مثليًا — سواء عبر دراسات موثّقة أو مقاطع فيديو من مزارع ومربين للحيوانات — سرعان ما يتغيّر الخطاب من: “هذا ضد الطبيعة” إلى “هل تُقارن الإنسان العاقل بالحيوان؟”.

هذا التناقض يكشف أن القضية لا تتعلق بالعلم أو الطبيعة، بل بعدم قبول التنوع الجنسي نفسه، حتى لو كان مثبتًا في مئات الأنواع حيوانات مثلية.

السلوك المثلي في مملكة الحيوان: نظرة علمية

السلوك الجنسي بين أفراد من نفس الجنس ليس نادرًا، بل تم توثيقه في أكثر من 1500 نوع حيواني، منها أكثر من 450 نوعًا تمت دراسته بشكل منهجي، بحسب الباحث الكندي بروس باجيمايل (Bruce Bagemihl) في كتابه المرجعي “التنوّع البيولوجي: المثلية الجنسية والتنوع الطبيعي في الحيوانات” (1999). يشمل هذا السلوك: التزاوج، المغازلة، العلاقات العاطفية، والاهتمام بالأبناء بين شركاء من نفس الجنس.

تشمل الأنواع التي لوحظ فيها هذا السلوك:

  • البطاريق: تشتهر حالات الأزواج المثلية، مثل “روي” و”سيلو” في حديقة حيوان سنترال بارك بنيويورك، اللذين تبنيا بيضة وفقست فرخًا دون تدخل أنثى.
  • الدلافين: تمارس الذكور علاقات مثلية متكررة، تشمل المداعبة، والتحفيز الجنسي، وتبادل الأدوار، كجزء من بناء الروابط الاجتماعية.
  • البونوبو: نوع من القردة المعروفة بسلوكها الجنسي المتنوع، حيث تُمارس علاقات مثلية بين الإناث والذكور لأغراض اجتماعية وحلّ النزاعات.
  • الأسود: لوحظت علاقات مثلية طويلة الأمد بين الذكور، تشمل التزاوج والتدليك والتلاصق الجسدي.
  • الزرافات: أظهرت دراسة أن ما يصل إلى 94% من حالات التزاوج التي لوحظت في الطبيعة كانت بين ذكور.
  • البجع (Swans): تم توثيق أزواج مثلية من البجع تبني أعشاشًا وتشارك في رعاية الصغار.
  • قرود المكاك الياباني: وثّق الباحث بول فاسي (Paul Vasey) سلوكًا مثليًا شائعًا بين الإناث، يتكرر موسميًا ويُظهر أنماطًا من التودد والمتعة الجنسية.
  • الكباش: دراسة روسيلي وزملائه (Roselli et al., 2004) أظهرت اختلافات في بنية الدماغ بين الكباش المثلية وغير المثلية، مما يشير إلى أصل بيولوجي.
  • الكلاب والقطط والحيوانات المنزلية: يلاحظ مربّو الحيوانات سلوكًا مثليًا متكررًا، مما يدفع بعضهم إلى البحث عن طرق “لعلاجها”.

ماذا تقول الدراسات العلمية عن الحيوانات مثلية؟

  • بروس باجميل Bruce Bagemihl عام (1999): وثّق في كتابه “التنوع البيولوجي والسلوك المثلي في الحيوانات” السلوك المثلي في أكثر من 450 نوعًا، وبيّن أنه لا توجد فروق تشريحية أو هرمونية بين الحيوانات المثليّة والمغايرة.
  • Roselli et al. (2004): وجدت أن 8% من الكباش الذكور تفضّل شركاء من نفس الجنس، وأن هذا السلوك مرتبط باختلافات في الدماغ، خاصة في المنطقة المعروفة باسم SDN.
  • جوان روفغاردن Joan Roughgarden عام (2004): في كتابها “قوس قزح التطوري”، انتقدت نظرية الانتقاء الجنسي التقليدية، وقدّمت أمثلة على السلوك المثلي في الطيور والزواحف والثدييات.
  • ناثان بيلي ومارلين زوك Nathan Bailey & Marlene Zuk عام (2009): نشرا دراسة في Trends in Ecology & Evolution حول السلوك المثلي في الحيوانات وأسبابه البيولوجية والتطورية، وخلصا إلى أن هذه السلوكيات تخدم أغراضًا اجتماعية وتساهم في استقرار الجماعات من حيث تقوية العلاقات الاجتماعية وتخفيف التوتر.
  • بول فاسي Paul Vasey عام (2002): وثّق سلوك التزاوج بين إناث قرود المكاك اليابانية في دراسة نُشرت في مجلة Archives of Sexual Behavior، وأظهر أن هذه السلوكيات تحدث بشكل طبيعي وتُستخدم لتقوية العلاقات الاجتماعية وأداء وظائف جنسية حقيقية.
  • فينسنت سافولاينن وآخرون Vincent Savolainen et al: درسوا السلوك التناسلي في نوع من السحالي يعرف بـ whiptail lizards (وهي أنواع كلها إناث)، ووثقوا ممارسات تُشبه الجماع بين الإناث تُعرف بالـ pseudocopulation، تساعد على تنشيط الإباضة.
  • ر. داغ R. Dagg عام (1984): وثّق في أبحاثه معدلات مرتفعة من التزاوج بين الذكور في الزرافات، تصل إلى 94% من حالات التزاوج المسجلة.
  • فرانك بيتش Frank Beach أعوام (1940s–1970s): من أوائل العلماء الذين درسوا السلوك الجنسي في الحيوانات، وشمل عمله توثيقًا دقيقًا للسلوك المثلي والجنسي غير التناسلي.
  • جورج موري ليفيك George Murray Levick عام (1915): وثّق سلوكيات مثلية بين بطاريق Adélie خلال رحلته إلى القطب الجنوبي، لكن مذكراته حُجبت لعقود بسبب اعتبارها “غير لائقة”.
  • كينزي Kinsey Reports أعوام (1948، 1953): رغم تركيزه على البشر، أثّر عمل كينزي في إدراك العلماء للتنوع الجنسي والسلوكي، وساعد في تطوير المقارنات بين السلوك البشري والحيواني.
  • غوميز وزملاؤه Gómez et al عام (2023): في دراسة نُشرت في Nature، حللوا تطور السلوك المثلي لدى الثدييات باستخدام تحليل تطوري فيلوجيني. وجدوا أن هذا السلوك ليس عشوائيًا، بل يظهر بشكل متكرر في بعض الفروع خاصة الرئيسيات، وقد يلعب دورًا تطوريًا في تعزيز العلاقات الاجتماعية وتقليل النزاعات داخل الجماعة.

التاريخ القديم والتحديات البحثية

لقد نوقش السلوك المثلي في الحيوانات منذ العصور الكلاسيكية القديمة. ويُعتقد أن أقدم إشارة مكتوبة عن السلوك المثلي لدى الحيوانات تعود إلى أكثر من 2300 عام، عندما وصف الفيلسوف أرسطو (384–322 قبل الميلاد) عملية التزاوج بين الحمام والحجل والسمّان من نفس الجنس، كما ورد في ترجماته الحديثة (Aristotle, transl. Peck, 1970, Vol. 2: 233؛ Pliny, transl. Rackham, 1947, Vol. 3: 399؛ انظر أيضًا Aelian, transl. Wilson, 1997: 37)، وقد نُشرت هذه المواد في مجلة Zoological Journal of the Linnean Society الصادرة عن Oxford Academic في عددها الصادر في مايو 2022، المجلد 195، العدد 1، الصفحات 1–32.

أما في القرن الرابع الميلادي، فقد أشار الكاتب المصري هورابولو (Horapollo) في كتابه الهيروغليفي المعروف باسم Hieroglyphics of Horapollo إلى ظاهرة “الخنوثة” في الضباع، والمثلية في طيور الحجل، مما يعكس إدراكًا مبكرًا لهذا السلوك في الطبيعة.

وفي العصر الحديث، كتب عالم الحيوان الألماني فرديناند كارش-هاك (Ferdinand Karsch-Haack) أول مراجعة علمية موثّقة عن السلوك المثلي في الحيوانات عام 1900، بعنوان: Päderastie und Tribadie bei den Tieren auf Grund Literatur، ونُشرت في المجلة العلمية Jahrbuch für sexuelle Zwischenstufen، المجلد 2.
ومع ذلك، فإن دراسة هذا الموضوع كانت محدودة تاريخيًا بسبب المواقف الاجتماعية المحافظة، وخوف الباحثين من السخرية أو فقدان الدعم الأكاديمي.

كما أن بعض الدراسات القديمة أُجريت في ظروف مخبرية غير طبيعية، مثل تدمير أجزاء من الدماغ أو تعريض الحيوانات لهرمونات اصطناعية، ما يجعل نتائجها غير قابلة للتطبيق الكامل على السلوك الطبيعي.

حين تتغيّر الحجة: من “ضد الطبيعة” إلى “أنت لست حيوانًا”

حين يُواجه الخطاب المعادي للمثلية بأدلة من الطبيعة، يتبدّل المنطق. يقول البعض: “حتى الحيوانات لا تفعل ذلك”، وحين يُثبت العكس، يردون: “لكن الإنسان له عقل”. هذه الانتقائية في المنطق تُظهر أن الرفض لا يستند إلى الطبيعة أو العلم، بل إلى أفكار مسبقة.

العلم لا يستخدم سلوك الحيوان لتبرير سلوك الإنسان، بل لتفنيد فكرة أن المثلية “شذوذ” أو “استثناء”، لأنها موجودة بوضوح في أنظمة بيئية متنوعة. الهدف ليس تقليد الحيوانات، بل فهم أن المثلية ليست “اختراعًا بشريًا”، بل نمط طبيعي في كثير من الكائنات.

الحيوانات الأليفة والمزارعون: من يطلب “علاج” المثلية لحيواناته؟

في كثير من المنشورات والتعليقات، يعبر مربو كلاب أو قطط أو حتى ماشية عن “قلق” من ممارسة حيواناتهم سلوكًا مثليًا. البعض يطلب “طريقة لمنع ذلك”، وكأنها مشكلة. هذه الأمثلة اليومية تُظهر أن السلوك المثلي ليس نادرًا حتى في الحيوانات المدجّنة، وهو غير ناتج عن “الإنترنت” أو “المؤثرين”، كما يروّج بعض الخطاب الشعبوي.

هل وجود السلوك المثلي في الطبيعة يبرره أخلاقيًا؟

الجواب ليس في “تبرير” أي شيء، بل في تصحيح المفاهيم الخاطئة. الطبيعة لا تحكم بالأخلاق، لكنها تظهر لنا التنوّع. المثلية ليست ضد الطبيعة، بل من ضمنها. ومن يريد النقاش الأخلاقي، عليه أولًا أن يعترف بالحقائق البيولوجية قبل القفز إلى الأحكام.

خلاصة: المثلية ليست اختراعًا بشريًا… إنها جزء من الطبيعة

من الطيور إلى الثدييات، من الحيوانات البرية إلى الأليفة، السلوك المثلي موثّق ومعروف في العالم العلمي. إنه ليس “انحرافًا”، ولا “تجربة”، ولا “عدوى”. بل هو أحد أشكال التفاعل الجنسي والاجتماعي التي تطورت في الطبيعة لأسباب بيولوجية وتطورية. رفض هذه الحقيقة لا يجعلها تختفي، بل يجعلنا نرفض رؤية التنوع الحقيقي الذي تُظهره الحياة على هذا الكوكب.