في مجتمع لا يزال يحاصر الأقليات الجنسية بالوصم والتهميش، خرج المحامي المصري عمرو محمد عن صمته، ليس فقط ليدافع عن موكليه من مجتمع الميم (LGBTQ+)، بل ليواجه بمفرده موجة عارمة من الكراهية والتنمر والتهديد، كل ذلك فقط لأنه أدى واجبه المهني والإنساني في القضية التي عرفت باسم معتقلي الرينبو.
شهادته تمثل صوتًا نادرًا في ساحة تغيب فيها الأصوات الداعمة للحقوق الفردية وحرية الهوية، حسبما نقل الموقع الإخباري المصري المنصة.
البداية: قضية علم الرينبو وموجة الاعتقالات
بدأت القصة في سبتمبر 2017، عندما تم رفع علم قوس قزح خلال حفل فرقة “مشروع ليلى” بالقاهرة.
الحدث، الذي لم يستغرق ثوانٍ، تبعته حملة إعلامية وأمنية موسعة استهدفت أفرادًا من مجتمع الميم، وعلى رأسهم سارة حجازي وأحمد علاء، حيث تم اعتقالهم وتوجيه تهم تتعلق بـ”التحريض على الفسق”.
التحق عمرو محمد بهيئة الدفاع القانونية عن المتهمين، ليجد نفسه في قلب عاصفة لا تتعلق بالقانون وحده، بل بالمجتمع وتقاليده ونظرته لحقوق الإنسان، خاصة وأن هذه القضايا تمثل تحديًا مباشرًا للمنظومة المحافظة التي تحكم الخطاب الاجتماعي والقانوني.
العنف الاجتماعي والمهني ضد المحامي
يصف عمرو تجربته بأنها كانت “مغامرة مهنية غير مأمونة”. فور ظهوره في التحقيقات كممثل قانوني عن سارة وأحمد، بدأ الهجوم:
- تهديدات صريحة بالقتل من زملاء محامين.
- طرده من نقابة المحامين في إحدى المحاكم.
- تعليقات مهينة على وسائل التواصل الاجتماعي.
- وصم أخلاقي واجتماعي شديد، وصل إلى حد خسارة أكثر من 90% من معارفه وأصدقائه.
وما يزيد من خطورة هذه الممارسات، أن التهديدات لم تكن مجرد كلمات عابرة بل تضمنت عبارات مباشرة مثل: “عليا الطلاق بالثلاثة إنت لو كنت من المنطقة عندي لكنت ضربتك بالنار”، وهو ما وثقه عمرو في شهادته حول حادثة جرت أمام زملاء له خلال حفل زفاف.
حتى في الأماكن العامة مثل المواصلات أو المقاهي، تعرض عمرو للسخرية والاعتداء اللفظي، وتم اتهامه بأنه مثلي لمجرد دفاعه عن المثليين، وهو ما يعكس حجم الجهل والتعصب المتفشي في المجتمع المصري، الذي غالبًا ما يربط بين الموقف الحقوقي والانتماء الشخصي.
بين الحقوق القانونية والانهيار النفسي
بحسب شهادته، تحوّلت حياة عمرو إلى عزلة شديدة وانهار نفسيًا، وأصيب بما يشبه الاكتئاب والانفجار العاطفي، إذ لم يجد أي دعم من زملائه أو أصدقائه سوى شخص واحد فقط، في وقت كانت فيه الأوضاع النفسية تتفاقم.
“لم أعد أحتمل الأذى النفسي… شعرت أنني مضطر للمغادرة بعد أن بلغ التنمر حد الإهانة اللفظية داخل النقابة.”
المثير للدهشة أن بعض الأشخاص الذين لم يهاجموه صراحةً، اكتفوا بالصمت أو الانسحاب من حياته بهدوء، ما زاد من شعوره بالخذلان والوحدة، وهو نمط مألوف لدى المدافعين عن قضايا حساسة في بيئات عدائية.
المجتمع والقانون: من المتهم الحقيقي؟
يشير عمرو إلى مفارقة قانونية خطيرة: “المثلية ليست جريمة في القانون المصري، ولكن الواقع يقول شيئًا آخر تمامًا”.
فالسلطات تستخدم قوانين مثل الفجور والتحريض على الفسق لمحاكمة المثليين، في تجاهل تام لحقوق الإنسان.
وتؤكد منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية أن مصر تُمارس انتهاكًا منهجيًا ضد الأفراد بناءً على ميولهم الجنسية وهويتهم الجندرية، وسط صمت مؤسساتي وإعلامي محلي.
وتشير تقارير إلى أن أكثر من 70 شخصًا على الأقل تم توقيفهم عقب رفع العلم في الحفل المذكور.
لماذا استمر عمرو؟
رغم كل ما واجهه، يصر عمرو محمد على موقفه:
“لم أندم لحظة عن دوري في قضية علم الرينبو، وسأظل مدافعًا عن جميع حقوق الإنسان، ومنها حقوق المثليين. لن أتراجع خطوة للوراء.”
ويضيف أن الدفاع عن الحق لا يجب أن يكون مشروطًا بقبول المجتمع، بل بوجود مبدأ قانوني وإنساني يدعمه، حتى وإن تطلّب الأمر مواجهة موجات من التنمر والتشهير.
شهادة شجاعة في وجه القمع
قصة عمرو محمد ليست فقط عن محامٍ واجه الكراهية، بل عن مجتمع يرفض الاعتراف بالآخر، ودولة تتعامل مع حقوق الإنسان بازدواجية.
شهادته بمثابة وثيقة حية توثق لحظة من أقسى لحظات القمع الاجتماعي ضد المدافعين عن الحقوق القانونية وحقوق الإنسان، وتُذكرنا بأهمية وجود أصوات مستقلة تجرؤ على كسر حاجز الصمت.