في السنوات الأخيرة، تكشف التقارير الحقوقية عن واقع مقلق يعيشه أفراد مجتمعات الميم في المغرب (المثليات، المثليين، مزدوجي/ات الميل الجنسي، العابرين/ات جندريًا والترانس، وغيرهم).
ورغم بعض التطورات الخطابية في النقاشات المجتمعية، لا يزال العنف والوصم والتمييز المنهجي يطبع حياة أفراد مجتمعات الميم بشكل يومي، ويُجبرهم على العيش في الظل محرومين من حقوقهم الأساسية.
في هذا السياق، أصدرت منظمة نسويات المغربية في 13 يونيو الماضي تقريرًا ميدانيًا يعدّ من الأبرز في رصد العنف القائم على الهوية الجندرية والميول الجنسية لعام 2024.
استند التقرير إلى مقابلات مع 50 شخصًا من مجتمعات الميم في ثلاث مدن رئيسية: الدار البيضاء، أكادير، وتطوان، مقدّمًا صورة واضحة عن الواقع اليومي من الإقصاء والتمييز، وعارضًا توصيات مهمة لمعالجة هذا الوضع الإنساني والحقوقي.
التعليم: المدارس لا تعلّم… بل تهمّش
أحد أبرز أشكال التمييز التي يعاني منها أفراد مجتمعات الميم في المغرب يبدأ من سن مبكر داخل المؤسسات التعليمية. إذ أظهر التقرير أن:
- العديد من المشاركين تعرضوا للتنمر والطرد المعنوي من المدارس.
- إدارات المدارس والمعلمون لم يتدخلوا لحماية الطلاب المختلفين، بل ساهم بعضهم في التمييز والإقصاء.
- في مدينة تطوان، لم يتمكن سوى 20% فقط من المشاركين من إكمال تعليمهم العالي حتى درجة الماجستير أو الدكتوراه.
هذا التهميش التعليمي ينعكس لاحقًا على فرص العمل والوضع الاقتصادي، مما يخلق دائرة تهميش مغلقة يصعب كسرها.
سوق العمل: تمييز صامت وفقير اقتصاديًا
يرافق أفراد مجتمعات الميم خوف دائم من الرفض في بيئة العمل بسبب مظهرهم أو هويتهم. ويُظهر التقرير أن التمييز في العمل لا يكون دائمًا مباشرًا، بل يظهر من خلال:
- تجاهل السير الذاتية.
- إطلاق تعليقات مهينة أو استبعادية أثناء المقابلات.
- الفصل التعسفي دون مبرر واضح.
النتيجة هي حرمان أفراد أفراد مجتمعات الميم من الاستقلال المالي والكرامة الاقتصادية، مما يجعلهم عرضة للفقر والابتزاز.
العنف الجسدي والنفسي: واقع يومي مخيف
التقرير يسلّط الضوء على نسب مرتفعة من التعرض للعنف، تتنوع بين الجسدي والجنسي والنفسي، وجاءت على الشكل التالي:
- في أكادير: 80% من المشاركين تعرضوا لعنف جسدي أو جنسي.
- في تطوان: 60%.
- في الدار البيضاء: 55%.
اللافت أن العنف لا يقتصر على الأماكن العامة، بل يتسلل إلى المنازل. العنف الأسري يتحول إلى عقاب باسم “الشرف” أو “الإصلاح”، ويتضمن طردًا من المنزل، ضربًا، أو إخضاعًا لجلسات علاج تحويلي قسرية تهدف إلى “تصحيح” الهوية أو الميول الجنسية.
الصحة النفسية: اكتئاب مستمر وخوف دائم
ذكر التقرير أن 80% من المشاركين في الدار البيضاء يعانون من القلق والاكتئاب المستمر. هذه الحالة النفسية لا تنبع من اضطراب داخلي، بل من:
- الخوف من الاعتقال أو التشهير.
- العزلة القسرية بسبب النظرة المجتمعية السلبية.
- انعدام الدعم الأسري والمجتمعي.
قانون العقوبات: شرعنة القمع للترانس والمثليين في المغرب
لا يمكن فهم العنف ضد مجتمعات الميم في المغرب دون التطرق إلى الإطار القانوني القامع، والذي يشكل مظلة للتمييز الممنهج. وأبرز أدوات هذا القمع هو:
- المادة 489: تجرّم العلاقات الجنسية الرضائية بين شخصين من نفس الجنس، بعقوبات تصل إلى 3 سنوات سجنًا.
- المادتان 483 و484: تُستخدمان لتجريم “الإخلال بالآداب العامة” بطريقة مبهمة، تتيح ملاحقة الأفراد بسبب مظهرهم أو سلوكهم.
- لا تعترف القوانين بالهويات الجندرية غير النمطية، ولا تتيح للعابرين/ات تعديل وثائقهم الرسمية.
توصيات منظمة نسويات: نحو تغيير جذري
اختتمت المنظمة تقريرها بعدد من التوصيات العاجلة، أبرزها:
- توفير دعم نفسي وقانوني مباشر لأفراد مجتمع الميم.
- محاربة الصورة النمطية في الإعلام المغربي.
- إطلاق حملات توعوية مجتمعية حول الهويات الجندرية وحقوق الإنسان.
- المطالبة بـ إصلاح شامل للقوانين المجحفة بما يتماشى مع المعايير الدولية.
خلفية تاريخية: تصاعد العنف منذ 2020
يشير تقرير آخر صدر عام 2020 عن منظمة نسويات إلى تصاعد ملحوظ في الاعتداءات ضد المثليين والمثليات والعابرين/ات جنسيًا منذ بداية جائحة كورونا، خاصة بعد حملة تشهير واسعة أطلقتها إحدى المؤثرات عبر منصات التواصل الاجتماعي، طالبت فيها بالكشف عن هويات المثليين في المغرب من خلال تطبيقات المواعدة.
أدى هذا إلى:
- طرد العشرات من أعمالهم ومنازلهم.
- حالات ابتزاز نفسي ومادي.
- انتحار شاب يبلغ من العمر 22 عامًا بسبب الحملة.
كما تعرض شاب مغربي للتمييز داخل مركز الشرطة بعد تقديمه شكوى، حيث تم رفض تسجيلها واحتجازه بدلًا من ذلك.
المجتمع المدني في مواجهة القمع
رغم كل التحديات، أطلقت منظمات المجتمع المدني في المغرب مبادرات مهمة لمواجهة هذه الانتهاكات، منها:
- إغلاق حساب المؤثرة التي أطلقت حملة التشهير بالتنسيق مع انستجرام.
- وقف بعض تطبيقات المواعدة مؤقتًا في المغرب لحماية المستخدمين.
- إطلاق حملات توعوية رقمية لمواجهة خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة القبول.
الاعتقالات والتصريحات الرسمية وتبرير للملاحقات الأمنية
في السنوات الأخيرة، لم تقتصر انتهاكات حقوق مجتمع الميم في المغرب على العنف المجتمعي فقط، بل امتدت إلى حملات أمنية ممنهجة واعتقالات تعسفية، غالبًا ما تتم تحت مبررات “الأخلاق العامة”. في مايو 2025، شنت السلطات الأمنية بمدينة مراكش حملات ضد شقق سكنية ومراكز تدليك، وأوقفت خلالها 15 شخصًا على الأقل للاشتباه في ميولهم الجنسية. وادّعت الشرطة أن تلك الأماكن كانت مخصصة لـ”سهرات المثليين”، وقامت بتفريغ هواتفهم للبحث عن أشخاص آخرين.
وفي حالات أخرى، كحادثة مدينة الدريوش في يناير 2023، تم اعتقال شابين بعد بلاغ من “مواطنين متربصين”، حيث أُودعا السجن بتهمة “الشذوذ الجنسي” استنادًا إلى المادة 489. أما في نوفمبر 2022، فقد وثّق مقطع فيديو تعرض امرأة ترانس لاعتداء جماعي في شوارع طنجة على يد قاصرين، وسط تراخٍ أمني في الاستجابة السريعة.
على المستوى السياسي، تساهم خطابات الكراهية الصادرة عن مسؤولين حكوميين في تأجيج العنف المجتمعي ضد مجتمعات الميم. ففي يوليو 2024، صرّح راشيد الطالبي العلمي، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، برفض حزبه لأي اعتراف بـ”زواج المثليين”، معتبرًا أن هذا النوع من المطالب يؤدي إلى “الفتنة” و”تفكيك الأسرة المغربية التقليدية”. هذه التصريحات، التي تم بثها خلال ملتقى سياسي رسمي، تُشرعن ثقافة الكراهية وتوفّر غطاءً أخلاقيًا للممارسات القمعية ضد مجتمع الميم.
لا عدالة دون اعتراف
تُظهر التقارير المتكررة أن العنف ضد أفراد مجتمعات الميم في المغرب ليس استثناءً، بل جزء من نمط ممنهج من الإقصاء المجتمعي والتجريم القانوني. لا يمكن تحقيق العدالة والمساواة دون:
- إلغاء المواد القانونية المجرّمة للحريات الفردية.
- ضمان الحماية القانونية والصحية والنفسية لأفراد مجتمعات الميم.
- فتح نقاش وطني صريح حول حقوق الإنسان والكرامة للجميع دون استثناء.