في تقرير صادر عن مكتب رئيس النيابة العامة في المغرب، تم الكشف عن محاكمة 170 شخصًا بسبب ميولهم الجنسية المثلية خلال عام 2018، وذلك بموجب المادة 489 من القانون الجنائي المغربي، التي تُجرّم العلاقات الجنسية بين أفراد من نفس الجنس. ويأتي هذا الرقم ليعكس الواقع القاسي الذي يعيشه أفراد مجتمع الميم/عين+ في المغرب، حيث يواجهون التمييز والعقاب المجتمعي والمؤسسي على حد سواء.
المادة 489 من القانون الجنائي المغربي: إرث استعماري مستمر
تنص المادة 489 من القانون الجنائي على أن:
“يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية كل من ارتكب فعلًا جنسيًا مع شخص من نفس جنسه”.
هذه المادة، التي تعود أصولها إلى القوانين التي فُرضت إبان الحقبة الاستعمارية الفرنسية، لا تزال سارية المفعول، رغم المطالبات الواسعة من منظمات حقوق الإنسان بإلغائها، ومواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تكفل الحق في الخصوصية والحرية الجندرية.
الانعكاسات الاجتماعية والقانونية لتجريم المثليين في المغرب
لا تقتصر آثار هذه القوانين على العقوبات القضائية فحسب، بل تمتد إلى تشهير إعلامي، وتهديدات أسرية، ونبذ مجتمعي، وحتى العنف الجسدي. وتفيد تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمات محلية مثل “مجموعة أقليات”، أن كثيرًا من الأشخاص الذين يُشتبه بمثليتهم يتعرضون لـ:
- الإيقاع والاعتقال عبر تطبيقات المواعدة أو حسابات مزيفة.
- انتهاك الخصوصية بنشر صورهم أو أسمائهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
- الفحوصات الطبية القسرية في بعض الحالات، في انتهاك صارخ للكرامة الإنسانية.
وفي حين تحرص الدولة المغربية على تقديم صورة متقدمة في مجال حقوق الإنسان دوليًا، إلا أن ممارساتها في هذا الشأن تضعها موضع انتقاد واسع من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية.
ردود فعل المجتمع المدني وحقوقيين
تواصل منظمات حقوقية محلية ودولية، من بينها “هيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان”، المطالبة بـ:
- إلغاء المادة 489 وكل التشريعات التي تجرّم الهويات والميول الجنسية.
- حماية أفراد مجتمع الميم من العنف والتمييز على أساس الهوية أو التوجه الجنسي.
- توفير الدعم النفسي والقانوني للضحايا الذين يواجهون محاكمات أو انتهاكات.
وقد صرّحت الناشطة المغربية في حقوق الإنسان، نادية أولاد، في لقاء صحفي عام 2019 قائلة:
“لا يمكن أن نبني مغربًا جديدًا دون الاعتراف بكامل حقوق الإنسان، ومن ضمنها حرية الجسد والهوية. إن استمرار المادة 489 هو انتهاك لكل المبادئ التي التزمنا بها في المواثيق الدولية.“
مقارنة إقليمية: المغرب في مواجهة التحول العالمي
بينما تتجه دول عديدة نحو إلغاء القوانين التي تجرم المثلية الجنسية، بما فيها دول أفريقية مثل أنغولا وموزمبيق، لا تزال دول شمال أفريقيا متأخرة في هذا المجال. فإلى جانب المغرب، تُجرّم المثلية أيضًا في الجزائر وتونس ومصر، وتُطبّق قوانين تعود في أغلبها إلى الاستعمار الفرنسي أو البريطاني.
الحاجة لإصلاح قانوني وإنساني عاجل
في ظل المعطيات الحالية، ومع تسجيل 170 محاكمة في عام واحد فقط، تبدو الحاجة ملحّة لمراجعة المنظومة القانونية المغربية التي تجرّم حرية الهوية والتعبير الجنسي. إلغاء المادة 489 يجب أن يكون أولوية في سبيل تعزيز العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لجميع المواطنين، دون تمييز.