مع الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التونسية، أطلقت منظمة العفو الدولية نداءً مباشرًا إلى أعضاء مجلس نواب الشعب الجديد، تطالبهم فيه بجعل حقوق الإنسان أولوية قصوى خلال المرحلة المقبلة، لا سيما إلغاء تجريم المثلية الجنسية، وتعزيز الحريات العامة، ومساءلة مرتكبي الانتهاكات السابقة.
أجندة حقوقية عاجلة للبرلمان التونسي
في رسالة مفتوحة وجهتها المنظمة إلى النواب الجدد، طرحت العفو الدولية خطة عمل من 10 نقاط، تشمل أبرز القضايا الحقوقية التي ما تزال عالقة في تونس بعد تسع سنوات من الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالنظام السابق.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة:
“للمشرّعين الجدد دور حاسم في إنهاء التأخير في إصلاحات حقوق الإنسان المتوقفة، وإدخال التغييرات اللازمة لحماية الانتقال السياسي وضمان توفير أقصى درجات الحماية للحقوق المنصوص عليها في الدستور.”
من أبرز مطالب العفو الدولية:
- إلغاء تجريم المثلية الجنسية المنصوص عليه في الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية، والذي يُستخدم لملاحقة الأفراد بناءً على ميولهم الجنسية ويخضعهم لفحوصات شرجية قسرية.
- انتخاب الأعضاء المتبقين في المحكمة الدستورية، باعتبارها هيئة ضرورية لحماية الحقوق الدستورية.
- إلغاء الأحكام التي تجرم حرية التعبير، والتي كثيرًا ما استُخدمت لقمع الصحفيين والمدونين والنشطاء.
- تعزيز حرية تكوين الجمعيات وضمان حماية منظمات المجتمع المدني.
- تنفيذ توصيات هيئة الحقيقة والكرامة، لضمان العدالة الانتقالية وعدم الإفلات من العقاب.
- ضمان المساواة بين الجنسين وتعزيز حقوق المرأة.
- إلغاء عقوبة الإعدام كخطوة نحو حماية الحق في الحياة.
- عدم استخدام حالات الطوارئ كذريعة لانتهاك الحقوق.
- إرساء هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة.
تونس بين التقدم والتحديات
رغم أن تونس شهدت بعض المكاسب الحقوقية خلال السنوات الماضية، أبرزها قانون مكافحة العنف ضد المرأة عام 2017، إلا أن العديد من المطالب الحقوقية لا تزال تنتظر التفعيل. وقد رصدت العفو الدولية بطءًا في مواءمة التشريعات التونسية مع الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، إضافة إلى تراجع في دور البرلمان الرقابي خلال الدورة السابقة.
دعوة إلى نموذج إقليمي
أعادت مرايف التأكيد على أهمية اللحظة السياسية الراهنة، قائلة:
“من خلال إعطاء الأولوية لهذه القضايا العشر خلال الأشهر الستة القادمة، يمكن أن يُنظر إلى تونس كنموذج ملهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجال احترام حقوق الإنسان.”
وتابعت:
“بعد تسع سنوات من الثورة، يستحق التونسيون بلدًا يكرّس الحقوق ويحميها، لا أن يكرر أخطاء الماضي من قمع وتعذيب وانتهاكات جسيمة.”
المثلية الجنسية تحت المجهر
يُعد إلغاء تجريم المثلية أحد أبرز المطالب التي تواجه رفضًا اجتماعيًا وسياسيًا واسعًا في تونس، رغم توصيات العديد من المنظمات الدولية، وعلى رأسها اللجنة الأممية لحقوق الإنسان. كما يواجه مجتمع الميم-عين في تونس تحديات متواصلة تتمثل في المضايقات الأمنية، الخطاب العدائي في وسائل الإعلام، وغياب حماية قانونية صريحة.
نحو برلمان يعكس روح الثورة
مع دخول مرحلة سياسية جديدة، تجد تونس نفسها أمام اختبار حقيقي: هل يمكن للمؤسسة التشريعية أن تجسّد طموحات الشعب في الكرامة والحرية والعدالة؟
إن الاستجابة لأجندة العفو الدولية قد تمثل نقطة تحوّل في تاريخ التشريع التونسي، وتفتح الباب أمام دولة قانون تحترم التنوع وتحتضن كافة مواطنيها دون تمييز.