في انتصار كبير لحقوق الإنسان والحريات الفردية، قضت المحكمة العليا في بوتسوانا بإلغاء القانون الذي يجرّم العلاقات الجنسية المثلية، منهيةً بذلك أحد آخر آثار الحقبة الاستعمارية في البلاد. القرار التاريخي، الذي صدر في 11 يونيو 2019، يُعد علامة فارقة في مسار حقوق مجتمع الميم في القارة الإفريقية.
المحكمة العليا تنتصر للحرية الفردية
أعلنت المحكمة العليا في العاصمة غابورون، أن القانون الذي يُجرم “السلوك الجنسي بين الأشخاص من نفس الجنس” يعد غير دستوري، وينتهك الحق في الكرامة والحرية والمساواة. وجاء القرار بعد دعوى رفعها ناشط مجهول الهوية، تحدّى فيها المواد 164 و165 من القانون الجنائي، التي تنص على عقوبات تصل إلى 7 سنوات سجنًا بحق من يُدان “بممارسات جنسية ضد نظام الطبيعة”.
قال رئيس المحكمة القاضي مايكل ليبرات في منطوق الحكم:
“الخصوصية، والكرامة، والحرية، والمساواة – هي القيم التي تقوم عليها دساتير الدول الديمقراطية. لا يجب أن تُجرَّم العلاقة بين شخصين بالغين بالتراضي، لمجرد أنها لا تُرضي الأغلبية.”
بوتسوانا: نموذج تقدمي في محيط صعب
قرار المحكمة حظي بترحيب واسع من قبل منظمات حقوق الإنسان العالمية، التي أشادت بـ شجاعة القضاء البوتسواني واستقلاليته، في وقت تواجه فيه العديد من دول القارة قوانين قمعية ضد الأقليات الجنسية.
في القارة الإفريقية، تجرّم أكثر من 30 دولة العلاقات المثلية، بعضها يعاقب عليها بالسجن مدى الحياة أو حتى الإعدام، كما هو الحال في نيجيريا، وأوغندا، والصومال، وموريتانيا.
لكن بوتسوانا، البلد الديمقراطي الهادئ ذو التاريخ المستقر، أثبتت مجددًا أنها تسير على نهج التقدم والمساواة. وقد سبق أن أصدرت المحكمة العليا في 2017 حكمًا تاريخيًا يعترف قانونيًا بجنس أحد العابرين جندريًا، ما كان تمهيدًا لهذه الخطوة الجريئة.
ردود الفعل الدولية والمحلية
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن القرار “يبعث برسالة أمل إلى ملايين الأشخاص الذين يعيشون في خوف من الاضطهاد بسبب ميولهم الجنسية”. كما وصفته الأمم المتحدة بأنه “نقطة تحول إيجابية في النضال من أجل حقوق مجتمع الميم في إفريقيا”.
من جانبها، عبّرت منظمة LEGABIBO، وهي أول جمعية لحقوق المثليين في بوتسوانا، عن سعادتها بالقرار، مؤكدة أنه “يمثل اعترافًا رسميًا بإنسانيتنا”.
تأثير القرار على مستقبل الحقوق في إفريقيا
يُمثل هذا الحكم سابقة قانونية ودستورية يُحتذى بها في باقي الدول الإفريقية، حيث لا يزال التقدم بطيئًا في مجال حقوق الإنسان للأقليات الجنسية والجندرية. وفي ظل الهيمنة السياسية والدينية على الخطاب العام، تُعتبر قرارات كهذه رسائل قوية بأن العدل والقانون يمكن أن يسبق الإجماع المجتمعي.
كما من المتوقع أن يُشجع هذا الانتصار المنظمات الحقوقية داخل القارة وخارجها على زيادة الضغط لإلغاء القوانين القمعية، والمطالبة بمزيد من الإصلاحات التشريعية والقضائية.
خطوة في الاتجاه الصحيح
إلغاء تجريم المثلية الجنسية في بوتسوانا ليس مجرد حكم قضائي؛ بل هو اعتراف رسمي بأن الكرامة الإنسانية لا يمكن أن تُنتقص بسبب الميول الجنسية أو الهوية الجندرية. وفي وقت تتصاعد فيه النزعات الرجعية في بعض الدول، يبقى هذا الانتصار درسًا في الشجاعة المدنية والانتصار للقانون والعدالة.