في واقعة أثارت الكثير من الجدل على المستويين المحلي والدولي، أصدرت محكمة الخروب في مدينة قسنطينة الجزائرية بتاريخ 6 سبتمبر 2020، حكمًا بالسجن لمدة ثلاث سنوات بحق شابين، وسنة واحدة بحق 42 شخصًا آخرين من بينهم تسع فتيات، على خلفية الاشتباه في ميولهم الجنسية المثلية، بحسب ما تداولته وسائل إعلام محلية.
تفاصيل الواقعة: مداهمة واعتقالات جماعية
بدأت الحادثة في 24 يوليو 2020 عندما داهمت الشرطة الجزائرية منزلًا في حي سكني بمدينة قسنطينة، بعد بلاغات من الجيران تفيد بوجود “تجمّع مريب”. أسفرت المداهمة عن اعتقال 44 شخصًا كانوا داخل المنزل، حيث تم وضع شابين في الحبس المؤقت، بينما خضع البقية للرقابة القضائية حتى موعد المحاكمة.
رغم أن بعض التقارير الإعلامية صوّرت الحدث على أنه “حفل زفاف للمثليين”، فإن مصادر أخرى نفت هذا الادعاء، مشيرة إلى أن المناسبة كانت مجرد احتفال بانتقال أحد الأصدقاء إلى منزله الجديد.
تهم مبنية على ميول جنسية مفترضة
أثارت المحاكمة مخاوف واسعة بين منظمات حقوق الإنسان التي رأت أن القضية مثال صارخ على القمع القانوني للأفراد بناءً على ميولهم الجنسية المفترضة، لا على أفعال مجرَّمة فعليًا. ورغم عدم وجود ما يُعرف رسميًا بجريمة “المثلية الجنسية” في القانون الجزائري، فإن المادة 338 من قانون العقوبات تُستخدم غالبًا لمحاكمة العلاقات الجنسية المثلية بين البالغين، حيث تنص على عقوبات تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات.
ردود أفعال محلية ودولية
نددت العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بهذه الأحكام، معتبرةً إياها خرقًا لحقوق الإنسان الأساسية، وخصوصية الأفراد، وحرية التجمع. وطالبت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية السلطات الجزائرية بإلغاء الأحكام والإفراج الفوري عن المعتقلين.
من جانبها، لم تُصدر السلطات الجزائرية تعليقًا رسميًا حول دوافع الاعتقال أو التهم بالتفصيل، ما فتح الباب أمام تأويلات واسعة حول طبيعة الإجراءات القانونية ومدى عدالة المحاكمة.
تشويه إعلامي يعزز الكراهية
لعبت بعض وسائل الإعلام المحلية دورًا كبيرًا في تأجيج الكراهية ضد المعتقلين، من خلال تغطيات وصفتهم بأنهم “شاذون” و”منحرفون”، وهو ما يتنافى مع المعايير المهنية الإعلامية. هذا التناول الإعلامي أسهم في تأليب الرأي العام بدلًا من فتح نقاش مجتمعي حول الحريات الفردية وحقوق الأقليات.
دعوات لإصلاح تشريعي عاجل
تسلط هذه الواقعة الضوء على الحاجة المُلحّة لإصلاح القوانين التي تُستخدم لمعاقبة الأفراد على أساس ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما تؤكد أهمية كبح جماح التمييز الممنهج في الإعلام والقضاء، والعمل على بناء بيئة أكثر شمولية وعدالة.
تبقى حادثة قسنطينة شاهدًا جديدًا على هشاشة الحريات الفردية في المنطقة، وعلى التحديات الكبرى التي يواجهها أفراد مجتمع الميم/عين في الجزائر. وبينما تزداد الأصوات المطالبة بالإصلاح، تبقى العدالة الحقيقية مرهونة بإرادة سياسية ترفض التمييز وتنتصر للحق في الكرامة والعيش الآمن.