أطياف
سالم عبد الجليل

سالم عبد الجليل يصف “النفسية” بالشيطان ويفتي بحرمة العبور الجنسي: خطاب ديني يعزز كراهية الترانس في مصر

أثارت تصريحات الداعية المصري سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف الأسبق وأستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والمجتمعية، بعد ظهوره في مقابلة تلفزيونية وصف خلالها “نفسية الإنسان” بـ”الشيطان”، معتبرًا أن الأشخاص الترانس يلجؤون إلى العبور الجندري نتيجة “الملل من أجسادهم”، وهو ما يُعد تبسيطًا مخلًا ومضللًا لواحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وإنسانية في مجال الصحة النفسية والجسدية.


العبور الجندري ليس “مزاجًا”: تبسيط خطير ومعادٍ

خلال اللقاء التلفزيوني، قال عبد الجليل:

“النفسية شيطان… حد ربنا خلقه ذكر، بنت ربنا خلقها أنثى، لا أصل أنا مش عاجبني أكون أنثى وعاوزة أبقى ذكر، مش بمزاجك، ولا الولد.”

هذا الطرح، الذي يرى في الهوية الجندرية قرارًا شخصيًا أو نزوة، يعكس فهمًا تقليديًا مفرغًا من أي خلفية علمية أو طبية، ويتجاهل عقودًا من البحث والدراسات حول الترانس والعبور الجندري، والتي تؤكد أن هذه المسائل ترتبط بتكوين الهوية النفسية والعصبية، ولا تُختزل أبدًا في الرغبات أو التسلية أو “الملل”.


آراء دينية متكررة ومقلقة: فتوى تشرعن العنف المجتمعي

عبد الجليل ليس أول من يفتي بحرمة العبور الجندري في السياق المصري والعربي، فقد صدرت فتاوى سابقة من مؤسسات وأفراد تدّعي المرجعية الدينية تؤكد على حرمة العبور الجندري، استنادًا إلى فهم حرفي للنصوص وتجاهل للواقع الطبي والنفسي.

هذه الفتاوى تُستخدم في كثير من الأحيان لتبرير العنف، الإقصاء، والملاحقات الأمنية بحق الأفراد الترانس، وتُشرعن لمجتمع يرى في الترانس تهديدًا للنظام الأخلاقي والاجتماعي.


الحقيقة العلمية: ماذا تقول المؤسسات الطبية؟

في المقابل، تؤكد منظمة الصحة العالمية وجمعية علم النفس الأمريكية أن الترانس والعبور الجندري لا يُعدان مرضًا أو انحرافًا، بل يعكسان هوية جندرية تختلف عن الجنس البيولوجي المُسجّل عند الولادة، وهي حالات تستدعي تفهمًا ودعمًا نفسيًا واجتماعيًا، وليس إدانات دينية أو تحقيرًا علنيًا في الإعلام.

وقد أقرت مؤسسات طبية عديدة حول العالم العلاج الهرموني والجراحي كجزء من الرعاية الصحية الضرورية للأشخاص الترانس، مؤكدة على حقهم في تقرير مصير أجسادهم.


خطاب سالم عبد الجليل يحرض على الكراهية: أين دور الإعلام والجامعات؟

من اللافت أن مثل هذه التصريحات تصدر عن أستاذ جامعي وقيادي ديني سابق، ما يعطيها وزنًا أكبر بين العامة، ويجعل منها أداة تحريضية ضد فئة مهمشة أصلًا في المجتمع. هذا يستدعي مراجعة صارمة لدور المؤسسات الأكاديمية والدينية في ضبط الخطاب العلني، خاصة عندما يتحول إلى أداة لتغذية الكراهية وتشويه فئات اجتماعية كاملة.


الترانس في مصر: تحديات قانونية واجتماعية

يواجه الأشخاص الترانس في مصر تمييزًا ممنهجًا على المستويين القانوني والمجتمعي:

  • لا توجد تشريعات تعترف بحقوقهم في تعديل أوراق الهوية بسهولة.
  • يتعرضون لمضايقات أمنية ورفض طبي وابتزاز اجتماعي.
  • يُحرَم كثيرون منهم من التعليم والعمل والرعاية الصحية اللائقة.
  • وتتعامل المؤسسات الإعلامية والدينية غالبًا معهم بمنطق الفضيحة أو الاستهزاء أو الإدانة.

دعوة لمساءلة الخطاب الديني الإعلامي

يُعيد ظهور تصريحات مثل التي أدلى بها سالم عبد الجليل إلى الواجهة ضرورة إعادة التفكير في الخطاب الديني المتداول في وسائل الإعلام، خاصةً عندما يتناول قضايا شديدة الحساسية كقضية العبور الجندري.

إن ربط الهوية الجندرية بالشيطان، أو وصفها بأنها نزوة شخصية، لا يخدم إلا استمرار مناخ الخوف والعنف والتمييز. والمطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى، هو صوت علمي وحقوقي مسؤول، يدافع عن إنسانية الأفراد بغض النظر عن جندرهم أو ميولهم، ويضمن لهم الحق في العيش بكرامة.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.