في خطوة مهمة لمجتمع الميم في آسيا، تستعد حكومة هونج كونج لعرض مشروع قانون جديد على الهيئة التشريعية للاعتراف بالشراكات المثلية المُسجلة خارج البلاد، مانحةً هذه العلاقات بعض الحقوق القانونية داخل المدينة، وذلك استجابةً لحكم تاريخي صدر عام 2023 عن محكمة الاستئناف النهائية.
خلفية: تقدم قانوني متدرج رغم القيود
في سبتمبر 2023، قضت أعلى محكمة في هونج كونج بأن الحكومة تنتهك ميثاق الحقوق في المدينة بعدم توفير أي شكل من أشكال الاعتراف القانوني بالعلاقات المثلية، لكنها في الوقت نفسه رفضت الاعتراف الكامل بزواج المثليين المحلي أو المُسجل في الخارج. منحت المحكمة مهلة للحكومة لمدة عامين لسنّ إطار قانوني بديل.
هذا القرار جاء بعد معركة قضائية قادها الناشط الديمقراطي جيمي شام، الذي أُفرج عنه مؤخرًا بعد قضائه عقوبة بالسجن ضمن أكبر قضية أمن قومي في المدينة.
ما هي الشراكات المثلية في القانون؟ وهل تُعد بديلًا عن الزواج؟
الشراكات المثلية، أو ما يُعرف قانونيًا بـ”الشراكات المدنية”، هي شكل من أشكال الاعتراف القانوني بعلاقة بين شخصين من نفس الجنس، دون أن تُسجَّل كزواج رسمي.
بدأت هذه الأنظمة بالظهور في دول أوروبا منذ التسعينيات، كحلٍّ وسط يُمنح من خلاله المثليين بعض الحقوق الأساسية مثل:
- الحق في زيارة الشريك في المستشفى.
- اتخاذ قرارات طبية نيابة عنه في حالات الطوارئ.
- الحصول على بعض الامتيازات الضريبية وتسهيل إجراءات الميراث.
- الحماية في حالات الانفصال أو الوفاة.
بالنسبة لمجتمعاتنا ذات الطابع الديني والتقليدي، يمكن اعتبار هذه الشراكات خيارًا أكثر قبولًا من زواج المثليين الكامل، لأنها تركز على الحقوق المدنية وليس على الرمزية الدينية والمجتمعية المرتبطة بمفهوم الزواج.
ورغم أن الشراكات لا تُحقق المساواة كاملة، فإنها تُقلل من هشاشة علاقات المثليين أمام القانون، وتُعد خطوة انتقالية مهمة نحو الاعتراف بالحقوق الإنسانية للأفراد الكوير في أنظمة لا تزال ترفض زواج المثليين أو تُجرّمه.
بنود المقترح الجديد
بحسب الورقة التي قُدمت للمجلس التشريعي في يوليو 2025، فإن المشروع سيسمح بتسجيل الشراكات المثلية إذا كانت مُعترف بها قانونيًا في الخارج وكان أحد الشريكين على الأقل مقيمًا في هونج كونج. بعد التسجيل، سيُمنح الأزواج حقوقًا تتعلق:
- بالقرارات الطبية وزيارات المستشفى
- بمعاملات ما بعد الوفاة، مثل تحديد هوية الجثة، والدفن أو التبرع بالأعضاء
ومع ذلك، شددت الحكومة في بيانها على أن هذا النظام البديل “لا يعادل الزواج”، ولن يُؤثر على نظام الزواج الأحادي بين الرجل والمرأة المعتمد في المدينة.
انتقادات من داخل مجتمع الميم
رغم أن المقترح يُعد خطوة أولى نحو الاعتراف، إلا أن منظمات مثل “هونج كونج للمساواة في الزواج” وصفته بأنه لا يرقى للمستوى المطلوب. وقال المؤسس المشارك للمجموعة، جيروم ياو، لصحيفة الغارديان إن المشروع “ينشئ نظامًا طبقيًا” لا يخدم إلا من يستطيع تحمل تكاليف الزواج في الخارج.
وأضاف: “أي حماية أفضل من لا شيء، لكن المقترح بصيغته الحالية لا يقدم اعترافًا كاملاً ومتساويًا لكل الأزواج والعائلات”.
الناشط جيمي شام، الذي بدأ القضية، وصف المشروع بأنه “أقل من الحد الأدنى” وقال لوكالة أسوشيتد برس إن الزواج بالخارج لا ينبغي أن يكون شرطًا للاعتراف بالشراكات.
رفض سياسي واسع
ما لا يقل عن 41 من أصل 89 نائبًا في المجلس التشريعي، معظمهم من أحزاب موالية لجكومة الصين مثل التحالف الديمقراطي للتقدم، أعلنوا معارضتهم للمقترح، مدعين أنه يهدد “القيم العائلية التقليدية”.
وقالت البرلمانية بريسسيلا ليونغ إن الاعتراف بالشراكات المدنية للأزواج المثليين سيفتح الباب لتعليم الأطفال أن هونج كونج “تسمح بزواج المثليين”، واصفةً اليوم الذي طُرح فيه القانون بأنه “يوم مظلم على القيم التقليدية”.
دعوات لحوار حقيقي
منظمات مجتمع الميم في هونج كونج، مثل “تحالف قوس قزح” و”كنيسة المجتمع المبارك”، عبّرت عن خيبة أملها من لهجة النقاش العام.
وقال القس تشينغ تسز-هونغ إن بعض أعضاء كنيسته شعروا بأنهم لا ينتمون إلى المدينة، بل غادر بعضهم بالفعل.
وأضاف أن الحوار العام لا يدور حول مشروع القانون والسياسات العامة وحدها، بل هو عن “من يُسمح له بالانتماء إلى هذه المدينة”، داعيًا إلى تشكيل هيئة استشارية مستقلة تضم ممثلين عن المجتمع المدني والناشطين القانونيين والأصوات الدينية الداعمة للمساواة وحقوق الإنسان.
التقدم النسبي في هونج كونج مقارنة بالمنطقة
أُزيل تجريم المثلية في هونج كونج عام 1991، لكن زواج المثليين لا يزال غير قانوني، ولا توجد حماية قانونية ضد التمييز أو خطاب الكراهية الذي يستهدف المثليين.
ورغم هذا، حقق النشطاء بعض المكاسب عبر المحاكم في مجالات مثل الضرائب، وتأشيرات الأزواج، والإسكان العام.
بحسب استطلاع عام 2023، فإن أكثر من 60% من سكان هونج كونج يؤيدون المساواة في الزواج، في مقابل جمود سياسي متزايد وتضييق على الحريات تقوده الأحزاب التي تدعم تبعية هونج كونج للصين.
مقارنة إقليمية: تايلاند وتايوان في الصدارة
تأتي هذه الخطوة في ظل زخم آسيوي محدود باتجاه الاعتراف بحقوق مجتمع الميم.
حيث شرّعت تايلاند زواج المثليين في يونيو 2025 لتصبح ثالث دولة في آسيا بعد تايوان ونيبال. بينما لا تزال بلدان مثل ماليزيا، وميانمار، وبنغلاديش تجرم العلاقات المثلية.
في المقابل، هونج كونج تسعى للحفاظ على صورتها كمدينة عالمية تجذب الاستثمارات والشركات متعددة الجنسيات، ما يجعل التقدم في ملف حقوق الإنسان وتعزيز الحريات الفردية ومساواة المواطنين أمام القانون جزءًا من استراتيجية اقتصادية وسياسية معقدة.
المشهد العالمي: 38 دولة تعترف بزواج المثليين الكامل
في السياق العالمي، لا تزال المساواة في الزواج تتوسع تدريجيًا. حتى عام 2025، اعترفت 38 دولة حول العالم بزواج المثليين الكامل، من بينها جنوب أفريقيا، والأرجنتين، وكندا، وألمانيا، وإسبانيا، والسويد، وتايوان.
وقد أُنجزت هذه الخطوات القانونية عبر قرارات قضائية أو تشريعات برلمانية، وعادةً ما ارتبطت بضغط المجتمع المدني وحركات حقوق الإنسان.
في أوروبا والأميركتين، تُعد المساواة في الزواج أمرًا شائعًا، بينما في آسيا وأفريقيا لا تزال معظم الدول تجرّم العلاقات المثلية أو لا تعترف بها قانونيًا، مما يجعل تجربة هونج كونج جزءًا من صراع عالمي أوسع من أجل الحريات الفردية وحقوق الإنسان الكاملة.
خطوة للأمام في طريق طويل
في الوقت الذي يُعتبر فيه مشروع الاعتراف بالشراكات المثلية في هونج كونج خطوة مبدئية نحو التغيير، يبقى الطريق طويلًا نحو مساواة حقيقية. في ظل غياب حماية قانونية داخلية، واعتماد المقترح على اعتراف بالزواج خارج البلاد، فإن معركة الحقوق للمثليين ومجتمع الميم في المدينة لم تنتهِ بعد.
مع اقتراب موعد قراءة المشروع في المجلس التشريعي يوم 16 يوليو 2025، تدعو منظمات المجتمع المدني إلى مشاورات حقيقية، ومشاركة فعالة من مجتمع الميم في صنع القرار، لضمان أن تكون القوانين انعكاسًا لواقع التنوع والعدالة الاجتماعية في هونج كونج.