الجيش التركي

هل يُجند “الموجب” ويُعفى “السالب” من الجيش التركي؟

أثارت تغريدة انتشرت على نطاق واسع نُشرت في 17 يوليو 2025 على منصة X/Twitter جدلًا واسعًا حول سياسات الجيش التركي تجاه الرجال المثليين، تحديدًا زاعمة أن المثليين من يفضلون دور السالب يُمنعون من الخدمة بينما يُسمح للمثليين الذين يفضلون دور الموجب بالخدمة العسكرية.

التغريدة، التي حصدت أكثر من 7.5 مليون مشاهدة، دفعت العديد إلى التساؤل: هل هذا حقيقي؟

بحسب موقع PinkNews ومصادر متعددة، فإن هذا الادعاء غير صحيح. مصدر اللغط هو إدخال قديم في موقع Equaldex، الذي يعتمد على مساهمات المستخدمين لرصد أوضاع حقوق مجتمع الميم حول العالم. المعلومة المثيرة تعود لعام 2013، خلال مرحلة تجريبية مغلقة للموقع، واستندت إلى تقرير قديم من المفوضية الأوروبية حول أوضاع حقوق الإنسان في تركيا.

شهادة الإعفاء “الوردية”: وثيقة العار للمثليين

رغم أن الشائعة غير دقيقة، إلا أن الواقع أكثر قسوة مما ورد في التغريدة. الجيش التركي لا يسمح للمثليين بالخدمة العسكرية، معتبرًا المثلية الجنسية “اضطرابًا نفسي وجنسي” بموجب اللوائح الصحية العسكرية.

للحصول على الإعفاء، المعروف باسم “الشهادة الوردية” (Pembe Tezkere)، يُجبر الرجال المثليون على إثبات ميولهم الجنسية من خلال اختبارات مهينة، وصور فوتوغرافية، وحتى فحوصات طبية ونفسية.

حتى عام 2015، كان يتعين على الرجال المثليين الراغبين في الإعفاء تقديم صور تُظهرهم في ممارسات جنسية بدور السالب. تقرير لبي بي سي في 2012 نقل عن أحد الشبان أن الصور يجب أن تُظهر الوجه والأعضاء الجنسية، وقد تم فحص الصور من قبل لجنة عسكرية مكونة من 12 ضابطًا.

الفحص النفسي والاختبارات العائلية

حاليًا، يُطلب من المتقدمين للإعفاء الخضوع لاختبارات نفسية مطولة تشمل اختبارات شخصية ومقابلات مع الأهل. تُطرح أسئلة مثل: “هل يرتدي ألوانًا زاهية؟ هل يضع مساحيق تجميل؟ هل يتصرف بأنوثة؟”. وأحيانًا يتم سؤالهم عن ألعاب الطفولة أو تقديم صور وهم يرتدون ملابس نسائية.

كل هذه الإجراءات تهدف إلى إثبات أن المثلية ليست ادعاءً للهروب من الخدمة، بل جزء أصيل من الهوية. لكن هذه الاختبارات غير منهجية وتعتمد على المزاج الشخصي للأطباء العسكريين، ما يجعل القرارات تعسفية ومهينة.

ضغوط على الأطباء وتضارب في المعايير

رغم أن العديد من الأطباء العسكريين يدركون أن تشخيص التوجه الجنسي أمر “طبيًا مستحيل وغير أخلاقي”، إلا أن ضغوطًا شديدة تُمارس عليهم من قبل قادتهم لإصدار شهادات الإعفاء، كما نقلت BBC عن طبيب نفسي سابق.

لأن النظام لا يوفر أدوات تشخيصية حقيقية، يعتمد الأطباء على انطباعاتهم الشخصية، ما يؤدي إلى قرارات عشوائية. أحد الشبان أفاد أن اللجنة العسكرية رفضت إعفاءه لأنه لا يبدو “كمثلي طبيعي” بسبب مظهره الرجولي.

رهاب الأنوثة لا المثلية

تشير دراسة أكاديمية في SAGE Journals إلى أن المؤسسة العسكرية لا ترى أن الخطر هو المثلية الجنسية بحد ذاتها، بل الأنوثة الظاهرة والسلوك “غير الرجولي”. فالجيش يرى في ذلك تهديدًا للتماسك الذكوري، ويستخدم الرهاب من الأنوثة كأداة لإقصاء الكويريين.

الآثار الاجتماعية والتمييز المستمر

الحصول على الشهادة الوردية قد يعني الإعفاء من الخدمة، لكنه يترك أثرًا دائمًا. تُستخدم هذه الوثيقة ضد الأفراد في سوق العمل، حيث يطلب أرباب العمل إثبات إتمام الخدمة العسكرية، ويمكنهم معرفة سبب الإعفاء من خلال الشهادة نفسها، مما يفتح الباب للطرد والتنمر والكراهية والعنف.

التقارير الدولية، منها Human Rights Watch وBBC وEqualdex، وصفت الممارسات التركية بأنها “إهانة للكرامة الإنسانية” و”أزمة حقوق إنسان”. في عام 2009، أشار تقرير المفوضية الأوروبية إلى أن تركيا تُجبر المثليين على تقديم “أدلة فوتوغرافية”، وتُخضعهم لفحوصات مهينة.

الخلفية القانونية والتاريخية للمثلية في تركيا

لم تُجرِ الدولة العثمانية تجريمًا للمثلية، حيث ألغت القوانين المناهضة لها عام 1858 خلال إصلاحات التنظيمات.

لكن في عهد الجمهورية، وعلى الرغم من غياب قوانين تجرم المثلية، سادت الآراء الرافضة والكارهة للمثليين بين المجتمع التركي.

في التسعينات، تأسست أولى المنظمات الكويرية مثل Lambda Istanbul، لكن طريق التقدم كان بطيئًا ومليئًا بالعقبات. في 2010، أعلنت وزيرة الأسرة التركية حينها أن “المثلية اضطراب بيولوجي يحتاج للعلاج”، مما أثار موجة احتجاجات.

الخدمة الإلزامية والتجنيد

الخدمة العسكرية إلزامية في تركيا لكل الرجال من عمر 20 إلى 40 عامًا. يعاني الرافضون لها من وصمة اجتماعية وعقوبات قانونية، ما لم يثبتوا إعفاءهم بسبب المرض أو بسبب ميولهم الجنسية المثلية. في غياب بدائل مدنية، يواجه الرجال المثليون خيارين صعبين: إخفاء هويتهم أو الخضوع لإجراءات مهينة.

الانتقادات الدولية والمطالب بالتغيير

منظمة Lambda Istanbul والمحامون العاملون معها كشفوا في 2012 أن بعض الإجراءات مثل الفحوصات الشرجية تم إلغاؤها بسبب الضغط الإعلامي الدولي، لكنها استُبدلت باختبارات نفسية طويلة وغير موضوعية.

التقارير الحقوقية تشير إلى أن هذا النظام يعزز الصور النمطية الخاطئة ويربط المثلية بالأنوثة أو الانحراف. كما أن إشراك العائلة في التقييم يضع الأفراد في مواقف صعبة، ويفرض عليهم الإفصاح القسري عن هويتهم الجنسية.

المثلية لا تزال موضع شك في مؤسسة الدولة

رغم تزايد الوعي في المدن التركية الكبرى مثل إسطنبول، لا تزال السياسات العسكرية والمجتمعية تنظر إلى المثلية على أنها مرض. والشهادة الوردية، بدل أن تكون حماية، أصبحت وصمة تلاحق المثليين في كل مراحل حياتهم.

تستمر منظمات حقوق الإنسان في المطالبة بإصلاح نظام التجنيد وإلغاء التصنيفات المرضية المرتبطة بالمثلية.

في ظل صعود الخطاب المحافظ والقيم العائلية التقليدية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم العدالة والتنمية ومعه تحالف الأحزاب التي تتبنى نفس الأيديولوجية، يبدو التغيير بطيئًا، لكنه ضروري لضمان كرامة وسلامة المواطنين الكوير في تركيا.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.