أطياف

نعم يا ونستون، الحب عمل سياسي!

في رواية جورج أورويل الأيقونية 1984 ناقش البطل «ونستون سميث» هذه الفكرة في ذهنه قائلاً: «ربما كان الحزب يوارى فسادًا مستشريًا تحت هذه القشرة، وما تعاليمه عن التقشف ونكران الذات والتبتل إلا ستار يخفي وراءه الوان العسف والجور»، وهي فكرة شديدة التعقيد على بساطتها. ستكون أبسط لو أزلت كلمة الحزب ووضعت كلمة تعبر عن أي سلطة تفرض شكل معين للحياة، قل المجتمع، النظام، أو حتى رجال الدين.

إن السلطات القمعية مهما اختلفت أشكالها ومسمياتها ترى في أبسط الأفعال وأشدها إنسانية وخصوصية خطرًا عليها، فالحب له شكل محدد ويجب التعبير عنه بطرق محددة في منظومة محددة، وأي حياد عن هذه المحددات هو تهديد يجب قمعه وتشويهه وشيطنته.

إن الأمر واضح ولا لبس فيه، نحن نتحكم في كل ركن من حياتك لنقضي على أي شيء قد يشعرك بالحرية فتفكر في الخروج عن الحدود التي رسمناها نحن لك. هذا يجعل من الحب عندما يكون مختلفًا عن القواعد الموضوعة مسبقًا أو خارج الإطار المحدد له (الزواج) عملاً سياسياً فردياً في حد ذاته، لأنه تمرد على أحد الحدود الموضوعة مسبقاً مما يعني أنه يمكنك خرق حدود أخرى. إن الأمر يتعدى كذلك كونه تمردًا على منظومة اجتماعية أو مجموعة من القيم والأعراف، بل يتجاوزهما ليصل إلى السلطة السياسية التي تحمي هذه القيم والمنظومة الاجتماعية، وفي المقابل تدعم المنظومة الاجتماعية شرعية وجودها وتحميها تلك القيم من الانتقاد. وتجنبًا للإسهاب في تلك النقطة هناك مثال يتلخص في جملة شهيرة، «اعتبره ابوك ياجدع!»، التي تحمي من هم في موضع سلطة سياسية من الانتقاد من خلال إضفاء نفس المكانة الاجتماعية للأب في الأسرة على رأس هذه السلطة؛ تلك المكانة التي تحمي الأب من الانتقاد.

كان هذا لتوصيف كيف تدعم المنظومة الاجتماعية وتحمي القيم السلطة السياسية، وبالتالي أي شكل من الحب والعلاقات العاطفية ضد تلك المنظومة، تعتبر مثل الدهون تتراكم في شريان رئيسي يغذي بقاء تلك السلطة، والتي وإن تراكمت وتوسعت ستشكل جلطة تقطع هذا الإمداد بالكامل، فالأمر ليس هين بالنسبة لمن هم في السلطة، هذا التمرد يجعل من قبلتك صفعة على وجه السلطة ويجعل من تعبيرك عن الحب تهديد لها وهز لصورتها وتقويض لسلطتها على حياتك وعملاً ثوريًا إن أقنعت غيرك بقبول هذا الشكل من الحب.

والحب ليس عملاً سياسيًا فقط في البقاع حيث السلطات المستبدة بل هو عملاً سياسيًا حتى في أكثر المجتمعات تقديسًا للفردية والحريات والقيم الديمقراطية. لأن القبلة في هذه المجتمعات ممارسة للحرية المقدسة، واجتماعكم دليل على أنه ما من سلطة تجروء على تفريقكم. إن فقدت الحرية في أن تحب فأنت لا تملك أي شكل آخر من الحريات، وإن فقد فرد واحد هذا الحق فالمجتمع ككل غير حر، بل ولا أبالغ أن أقول أن المجتمع ككل يمارس هذا القمع على هذا الفرد. وهذا الجانب السياسي من الحب هو ما يجعل من القضايا الكويريّة قضايا سياسية في المقام الأول. وحقوق المجتمعات الكويريّة هي الحد الأقصى بل وتجلي لسائر الحقوق المدنية. واستدل هنا على تزامن تحول «الإتحاد السوفيتي» في الحقبة الستالينية من نظام يحرر الشعوب إلى نظام يزيل طبقة كانت تستعبد طبقة أخرى ليستعبد الجميع، مع فقدان النساء والأفراد المثليين والمثليات مكتسباتهم من الثورة البلشفية، كذلك يفسر اتجاه ليبراليي العالم الحر إلى دعم قضايا المجتمعات الكويريّة، وتأكيدهم المستمر أنه لا حقوق مدنية كاملة بدون حقوق المجتمعات الكويريّة، فهنا نجد الشيوعي البريطاني «هاري وايت» يسأل الرفيق «ستالين»: «هل للمثلي أن يكون عضوًا في الحزب الشيوعي؟!» وكذلك نجد «هيلاري كلينتون» ومن خلفها سياسيي العالم الليبرالي يرددون «حقوق المثليين جزء من حقوق الإنسان.»، وكل هذا لأن الحب بالتأكيد عمل سياسي. 

كتابة: مراد العربي

عمل فني: منة الله