أطياف

الخدمات موقوفة؛ الحركة للوراء والهشاشة الكويرية تتفاقم

كأفراد وضعها التهميش وعدم استيعاب الجيوجرافيا التي يعشيون فيها لاحتياجاتهم التي تمثل ضرورة حرجة للاستمرار في الحياة وممارستها دون معوقات -أو على الأقل المرتبطة بالهوية-. يضعنا هذا التهميش وتبعاته في حالة من الهشاشة المروعة. وكرد فعل عليها ورغبة منا في المقاومة، نطور أدواتنا التي تكون بدورها هشة لكنها فعالة في صد ما يمكن صده من المعوقات أو احتواء تبعاتها.

تكمن هشاشة تلك الأدوات أو الخدمات أو الأنشطة أو أي يكن مسماها في التحديات التي يفرضها خارجنا حتى من قبل وجودها. لكن مع التجربة، تتشكل تحديات أخرى لم ننتبه لها، حتى وإن كان العقل لم يستبعد فكرة تشكلها، التحديات داخلنا وبيننا.

تزيد التحديات الداخلية والبينية من حالة الهشاشة التي تهدد تلك الأدوات أو الخدمات… إلخ. بل وتزيد من هشاشتنا نحن. ربما أكثر من ذي قبل. ربما لأن المشاعر التي تحاوط تلاشي الأدوات أو الخدمات تكون حسرة على ما خسرناه بعد جهود ومحاولات ساهمت في خلقه في جيوجرافيا شديدة البؤس وليست المشاعر السابقة التي تتراوح بين الإحباط والبؤس فحسب بسبب غياب أي فرصة.

لا يعني ذلك أيضًا أنه لا بؤس يخيم علينا جراء الأفراد والجهود التي لعبت دورًا في تفتيت الأدوات والخدمات وغيرهما. بل يكون البؤس أشد وطأة، لأن هؤلاء يشاركوننا التجربة والمصير. ويزداد البؤس والإحباط على أكثر الحالمين الآملين المتفائلين فينا.

تضعنا مشاعر البؤس والإحباط والحسرة في حالة من الاغتراب الشديد مع الجيوجرافيا التي أصبحنا منها وساهمنا فيها خاريج الجيوجرافيا الأم، والأشخاص والمجهودات التي جمعتنا بهم التجربة والمصير المشترك أو المتشابه.

وكنتيجة لكل ما حدث، تدفعني ذاكرتي إلى استرجاع الماضي، ومراجعته وتفكيكه. الصراعات جزء من التجربة، هذه حقيقة بالنسبة لي، لكنها لا يمكن أن تكون كل التجربة. كما أن الصراعات لا تشق طريقًا بين جبل من حجر ولا تدفع حلمًا لأن يكون واقعًا. بل تكون حجر عثرة يتحطم عليه روح الشباب الذي يريد الحياة والأمن والحرية. بالإضافة إلى أنها تُنفر وتفرق وتقطع أوصال الفرص.

تتغذى تلك الصراعات علينا، أحلامنا، روحنا، وحماسنا الشاب. تُعيد توظيفه لخدمتها، وخدمة الرغبات الشخصية، المتحيزة، المبنية على «أنا ومن بعدي الطوفان». وبدلًا من أن نعي ذلك، ونأخذ خطوة للوراء، نراجع ونفكك، كي نخلق طرقًا ووسائل بديلة، نستكمل بها جهودنا ونطور بها أدواتنا ونبني حركتنا، لنستوعبنا بكل تنوعاتنا ونتغلب على هشاشتنا، يتوه بعضنا في خيوط الصراع المتشابكة، ربما رغبة في المغامرة والدراما، وربما تصديقًا، وربما إحباطًا، وربما غير ذلك.

وسط كل ذلك، ربما يكون لدينا فرصة ما لتوظيف الصدع الذي يهدد كل الأدوات والخدمات ويعيدنا إلى سنين مضت، حيث لا أداة أو خدمة واحدة ولا جيوجرافيا. وتنبع تلك الفرصة من حقيقة وجودنا والروابط التي لا زالت تجمعنا حتى الآن بشكل ما أو بآخر، قبل أن تتفتت هي الأخرى. ويكون المبدأ الجامع الذي تتحول الفرصة على أرضه إلى عملية ينتج عنها رؤية تشاركية هو توظيف الصدع والمشاكل بالتوقف على كل ما حدث في الماضي، لتأسيس عقد جيوجرافي جديد وشاب، لا يُبنى على رغبات أفراد محدودين بالتصارع وخوض حروب تكسير عظام. بل يتسع لكل من يحلم ويريد تحويل حلمه إلى واقع يساهم في التغيير وبناء الجيوجرافيا التي تستطيع التغلب على الهشاشة خطوة بخطوة. يتسم باللا مركزية والاستيعاب والحوار، ويرسم طرقًا متنوعة لاحتواء أية خلافات قد يحملها المستقبل في مهدها.

قد توجد تلك الفرصة لتحقيق كل ذلك الآن، لكن وجودها لن يكون طويلًا، فإما أن نستغلها وإما أن نشاهدها تتلاشى ونشاهدنا نتلاشى معها.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.