نشر الموقع الإخباري المصري «القاهرة 24» أمس تقرير مشين حول جريمة الاغتصاب التي وقعت في فندق «فيرمونت» بالقاهرة عام 2014، والتي تتولى الجهات الرسمية التحقيق فيها الآن، والذي كان قد بدأ بعد تداول معلومات حولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ شهر يوليو الماضي.
وضمن موجة اجتماعية نسوية تشهدها مصر في الكشف والإفصاح عن مرتكبي جرائم العنف الجنسي، وبعد توجيه المجلس القومي للمرأة برسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى ضحية الجريمة بالتقدم إلى الجهات الرسمية لفتح بلاغ رسمي، مع تقديم الدعم القانوني من المجلس، وحماية بياناتها، حسب قانون كان قد أقره مجلس الوزراء المصري في شهر يونيو، بحماية سرية معلومات ضحايا العنف الجنسي المتقدمات ببلاغات رسمية.
التشويه الإعلامي للمثليين والمتعايشين نمط معتاد والمحاسبة غائبة
وجاء في التقرير المشين الذي نشره موقع «القاهرة 24»، حيث كتب بلغة وخطاب مهين للمثليين والمتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسب، ويرسخ إلى الوصم الاجتماعي بحقهم، أن الموقع حصل على معلومات من التحريات الأمنية، أن جريمة الاغتصاب المبلغ عنها، ليست كذلك، بل أن الواقعة في الأساس كانت عبارة عن حفل جماعي لممارسة الجنس، وأن الحفل احتوى على رجال مثليين ونساء مثليات، حيث وصف الموقع الواقعة بـ”أكبر شبكة شذوذ”، وأنها تعمل على نشر الممارسات الجنسية المثلية بين الفتيات، وأن منظم الحفل رجل مثلي الجنس متعايش مع فيروس نقص المناعة المكتسب، وأن الحفل احتوى على مجموعة تعمل على نشر فيروس نقص المناعة المكتسب في مصر، كما اتهموا ضحية جريمة الاغتصاب بأنها كانت مشاركة في الحفل بإرادتها.
ونشر موقع «المنصة» الإخباري تقريرًا يفيد حسبما نقل عن محامي إحدى شهود القضية، واللائي تعرضن للحبس وهن 3 فتيات، كما وجهت إليهن مجموعة من الاتهامات، منها “التحريض على الفسق والفجور، والتحريض على ممارسة اللواط والسحاقية”، كما قامت النيابة بالاستماع إلى شهاداتهن حول جريمة الاغتصاب، كما أضاف المحامي “أنه تم الضغط عليهن وعوملن بقسوة”، حسبما أفاد تقرير موقع «المنصة».
إن ما بدأت ملامحه تظهر من خلال التقرير المشين الذي نشره موقع «القاهرة 24» أمس، والذي اعتاد بث ونشر خطابات الكراهية والشحن العنيفة ضد المثليين، من توجه للمؤسسات الرسمية الأمنية المصرية ومن ورائها المؤسسات الإعلامية ناقلة ومهولة وباعثة للنيران في كل هشيم، ليس بالجديد، بل يعيد إلى الأذهان القضايا الجماعية التي لفقت إلى أفراد، لإثارة الجدل أو تحقيق رصيد أخلاقي سهل للنظام الحاكم أو التغطية على فشله الاقتصادي، وكان قد برع في تلك الأشكال من القضايا الملفقة والمُعدة في مطبخ النظام، نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، مثل قضية «كوين بوت» التي سجن وُحكم فيها مجموعة أشخاص للاشتباه في كونهم مثليين، وقضية «عبدة الشيطان» التي سجن وحُكم فيها مستمعي موسيقى الميتال، وقضايا «ازدراء الأديان» التي سجن وحُكم فيها معتنقي الديانة البهائية.
الاحتفاء للاغتصاب والمغتصبين والتشويه للأقليات والمصابين
إن التعامل السليم مع قضايا العنف الجنسي يكون بالوقوف على ملابسات القضايا والفصل فيها، ومحاولات الأخذ في الاعتبار ما تعانيه النساء من عنف منظومي ممنهج من قبل الدولة والمجتمع، وإن أولى خطوات التحرك تجاه وقف ومعالجة آثار عجلة العنف المنظومي التي تقهر وتضطهد النساء، يكون من خلال إحقاق ضحايا العنف ومعاقبة مرتكبي تلك الجرائم والمحرضين عليها، بدلاً من الاحتفاء بهم كما حدث مع لاعب كرة القدم الشهير عمرو وردة، وبدلاً من فتح الوسائل الإعلامية للعشرات منهم، لمخاطبة الجمهور والتحريض ضد النساء، وإنكار حقوق بديهية لهن مثل الحق في العمل، أو الحق في إبداء الرفض و/أو الموافقة.
هناك العديد والعديد من الخطوات من الممكن تحقيقها، لإيقاف منظومة العنف المؤسساتي والمجتمعي التي تقهر النساء، إعادة تدوير عجلة القهر لتطال فئات أخرى من المجتمع، تحت طائلة عجلة القهر بالفعل، أو معاملة طبيعتهم على أنها جريمة، وتوجيه التهم إليهم استنادًا لقوانين مطاطة وغير دستورية، ليس الحل، لم ولن يكون، بل سوف يتسبب في خلق مزيد من المعاناة إلى أفراد من المجتمع المصري، فقط لأنهم ولدوا بطبيعة مختلفة، كما أن نقل المعاناة أيضًا إلى عشرات الآلاف من المصريين المتعايشين مع فيروس نقص المناعة والمصابين بمرض الإيدز، من خلال ترسيخ الوصم المجتمعي ضدهم، وشيطنتهم، ونشر المعلومات المغلوطة حولهم، سوف يصعب من حياتهم ويزيد من معاناتهم، وسوف يمثل عائقًا أمام جهود «البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز» التابع لوزارة الصحة المصرية، كما سوف يمثل عائقًا أمام أهداف التنمية المستدامة التي أطلقتها الأمم المتحدة والمخطط تنفيذها بحلول عام2030، والتي من ضمن أهدافها إيصال مستوى الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة ومستوى الوفيات من مضاعفات مرض الإيدز إلى صفر، والتي تسير على نهجها مصر ضمن استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030.