تلعب الصحافة ووسائل الإعلام العربية دورًا محوريًا في تشكيل الخطاب العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
بينما ساهمت وسائل الإعلام في تعزيز الهوية الوطنية، والتعبئة السياسية، والحفاظ على الثقافة، ودفع المعرفة، إلا أنها كانت أيضًا أداةً فعّالة في نشر سردياتٍ مؤذية وعنيفة، خاصةً فيما يتعلق بمجتمع المثليين وأفراد مجتمعات الميم.
فمن خلال مزيج من التضليل الإعلامي، والهلع الأخلاقي، والتأطير الديني، والتصوير اللاإنساني، روجت ودفعت العديد من وسائل الإعلام والصحافة العربية العداء تجاه مجتمع المثليين وأفراد مجتمعات الميم، مما عزز انتشار ثقافات الرفض والكراهية وممارسات العنف ضد المثليين ومجتمعات الميم.
التأطير الديني للمثليين وأفراد مجتمعات الميم واتهامهم بـ “الانحراف الأخلاقي”
يرتكز جزء كبير من الخطاب المعادي للمثليين ومجتمعات الميم في وسائل الإعلام العربية على النزعة الدينية المحافظة.
وغالبًا ما لا تُصوَّر هويات المثليين والترانس مجتمعات الميم كـ اختلافات طبيعية وجزء من التوجهات الجنسية والهويات الجندرية الطبيعية والتنوع عند البشر والكائنات الحية بل تُصوَّر كـ”انحرافات” آثمة ومخالفة للأعراف الدينية.
كثيراً ما يلجأ مقدمو البرامج التلفزيونية والدعاة والمحللون إلى المصطلحات الإسلامية لوصف المثلية الجنسية بالحرام، مقارنين إياها بالانحلال الأخلاقي والفساد الغربي.
استضافت برامج حوارية شهيرة، كتلك التي تُبث على القنوات المصرية ، وقنوات MBC السعودية، وقنوات الجزيرة القطرية وغيرها من وسائل الإعلام البارزة في المنطقة، رجال دين ومعلقين يدّعون أن المثلية الجنسية “مرض”، أو “فكر” مستورد من الغرب، أو علامة من علامات “انهيار الحضارة” و”نهاية” العالم.
لا تفتقر هذه التصورات إلى أي أساس علمي فحسب، بل تُسهم أيضًا في خلق بيئة تُستخدم فيها التبريرات الدينية للاعتداء على المثليين وأفراد مجتمعات الميم وأذيتهم نفسيًا وجسديًا والتنكيل بهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية.
خلط هوية المثليين ومجتمعات الميم بالجريمة والخطر
كثيراً ما صوّر الإعلام العربي المثليين وأفراد مجتمعات الميم على أنهم تهديد للاستقرار الاجتماعي والأمن القومي.
وتزعم عناوين الأخبار المثيرة والجاذبة أن المثليين وأفراد مجتمعات الميم ينشرون الأمراض، وخاصة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (HIV)، أو يشكلون خطرًا على الأطفال -الخلط بين المثلية والبيدوفيليا- والقيم الأسرية التقليدية.
تتجاهل هذه الاتهامات، المتجذرة في ذعر أخلاقي قديم، الإجماع الطبي العالمي والعلوم الاجتماعية الشرعية.
على سبيل المثال، نشرت الصحف في مصر ولبنان أسماء وصور أشخاص متهمين بالسلوك المثلي، مما أدى إلى فضحهم علنًا واعتقالهم، بل وحتى عنف جماهيري.
وبدلًا من التصدي لهذه الانتهاكات، غالبًا ما تُضخّمها وسائل الإعلام، مُصوّرةً حملات القمع التي تشنها الشرطة على أنها انتصارات على الفساد الأخلاقي.
العلوم الزائفة والمعلومات المضللة عن المثليين ومجتمعات الميم
روّجت العديد من البرامج التلفزيونية والمواقع الإلكترونية الناطقة بالعربية لادعاءات علمية زائفة حول المثليين ومجتمعات الميم.
وتشمل هذه الادعاءات الاعتقاد الخاطئ بإمكانية “التعافي” أو “علاج” المثلية الجنسية من خلال العلاج الطبي أو الديني، على الرغم من إدانة هيئات الصحة العالمية – بما في ذلك منظمة الصحة العالمية – لما يُسمى “العلاج التحويلي” أو “علاج المثلية” لأن له أثار مؤذية مثل الاكتئاب الحاد والميول الانتحارية والانتحار الفعلي.
غالبًا ما تُمنح شخصيات إعلامية تفتقر إلى خلفية علمية أو معرفية منصات لمناقشة “أسباب” المثلية الجنسية، مستشهدةً بكل شيء بدءًا من صدمات الطفولة وصولًا إلى تأثير وسائل الإعلام الغربية.
تُقوّض هذه الروايات التجارب الحياتية للمثليين والترانس وأفراد مجتمعات الميم وتُشوّه الاختلافات الطبيعية في التوجه الجنسي والهوية الجندرية.
دور الدولة والرقابة في التضليل الإعلامي ضد المثليين
في العديد من الدول العربية، تُدار وسائل الإعلام إما حكوميًا أو تخضع لرقابة مشددة، مما يعني أن الخطاب العدائي ضد المثليين ومجتمعات الميم غالبًا ما يعكس سياسات ونظرة الحكومة.
كما يصاحب تجريم العلاقات المثلية حملات إعلامية تُصوّر المثليين ومجتمعات الميم كأعداء للدولة أو رموز للانحطاط الأخلاقي أو التقليد والتبعية للغرب.
في أوقات الاضطرابات السياسية والتدهور الاقتصادي وفي جودة المعيشة، استخدمت الحكومات كراهية المثليين والتحريض ضدهم والتنكيل بهم كأداة توحيد، مُحوّلةً بذلك الإحباط العام نحو الأقليات التي تُعتبر كبش فداء.
في مثل هذه الحالات، لا تعمل وسائل الإعلام العربية كجهة رقابة، بل كمُمكّن لحملات الكراهية والعنف والتنكيل والتعذيب والاغتيال النفسي والمجتمعي الذي ترعاه أو تقوده الجهات الأمنية والحكومية.
الإعلام الجديد والرقمي يُفقد إعلام الكراهية تأثيره ويفتح فرص أمام فهم دقيق للمثليين ومجتمعات الميم
على الرغم من هذه الاتجاهات المُقلقة، هناك علامات مُتزايدة على التغيير. بدأ الصحفيون المستقلون، ووسائل الإعلام الرقمية، ونشطاء مثليين ومن مجتمعات الميم في جميع أنحاء المنطقة بتحدي الروايات السائدة.
تُقدم منصات وحسابات شبابية ومؤثرة أصواتًا بديلة تُعزز الفهم والمعلومات الدقيقة وتواجه الكراهية والعنف وترسخ الاحترام والتعايش السلمي وصون والكرامة وحقوق الإنسان للمثليين ومجتمعات الميم وكافة أفراد المجتمع.
كما يقاوم بعض الجمهور الشاب – المُطلع على النقاشات العالمية حول الجندر والجنسانية – الصور النمطية القديمة والمتعصبة. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من كونها مصدر موجات متكررة من الكراهية والتحريض إلى مساحةً أساسيةً للروايات المضادة والتضامن والاحترام والتعايش السلمي.
لا يُمكن التقليل من دور الإعلام العربي في نشر المعلومات المضللة والكراهية ضد المثليين ومجتمعات الميم. فمن خلال التعصب الديني وإبراز تفسيرات دينية تشجع الكراهية بدلاً من التفسيرات الدينية التي تشجع على التسامح والتعايش السلمي واستخدم المثليين للإثارة من أجل المشاهدات وترسيخ المعلومات المضللة وغير الدقيقة، رسّخت هذه الوسائل صورًا نمطية خطيرة وبرّرت ثقافات الكراهية وممارسات العنف والتنكيل من كافة المؤسسات ضد المثليين ومجتمعات الميم.
ومع ذلك، في ظلّ مشهد إعلامي سريع التغير، ثمة أمل في أن تبدأ الأصوات والمنصات الجديدة في تغيير مسار الأمور نحو الحقيقة والكرامة والمساواة للجميع.