منذ عام 2015 وحتى 2025، شهدت مجتمعات اللياقة البدنية في الدول الناطقة بالعربية نموًا هائلًا في المجتمعات الرقمية المرتبطة بالرياضة وصالات الجيم.
ومع هذا النمو، بدأ خطاب رفض وكراهية للمثليين ينتشر بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليشكّل ما يُشبه “ترند ساخر” متكرر يغذي الذكورية السامة ويُقصي الرجال المثليين، خصوصًا غير النمطيين، من هذه المساحات.
كراهية تحت غطاء السخرية
ميمز وصور وتعليقات مثل “العضلات ما جابتش ست، جابتلي شاذ” أصبحت شائعة. ولا يقتصر الأمر على منشورات فردية، بل يشمل فيديوهات لمدربين ومؤثرين لديهم مئات الآلاف من المتابعين يكررون الخطاب نفسه أو يعيدون مشاركته، سواء بشكل صريح أو مموه على أنه نكتة.
ورغم أن البعض يبرر هذا الخطاب بوجود حالات فردية من تحرش رجال مثليين برجال آخرين، إلا أن الرد على هذه الحالات لا يجب أن يكون عبر تعميم الكراهية على مجتمع بأكمله.
كما هو الحال عندما يتحرش رجل بامرأة، يتم إدانة المتحرش نفسه وليس جميع الرجال، فإن الدفاع عن النفس لا يبرر خطابًا عامًا يحرض ضد المثليين ويُهدد سلامتهم النفسية والجسدية في مجتمعات يواجه المثليين فيها كل أشكال العنف يوميًا.
المعايير المزدوجة: التحرش بين الرجال VS التحرش ضد النساء
من اللافت أن العديد من المدربين والمؤثرين الذين يهاجمون المثليين بحجة التحرش لا يتحدثون بنفس الحدة أو الحماسة عن حالات التحرش التي يرتكبها مدربون أو رجال آخرون ضد النساء في صالات الجيم.
يُلاحظ أن ثقافة التحرش الجنسي ضد النساء في هذه المساحات تُقابل غالبًا بالصمت أو التبرير، بل تُستعمل أحيانًا في نكاتٍ مسيئة تقلّل من شأن النساء وتشيّئ أجسادهن.
أما عندما يكون التحرش موجهًا من رجل إلى رجل، يتحوّل النقاش من كونه عن السلوك المؤذي إلى نقاش عن “الهوية الجنسية”، وتُستدعى خطابات دينية واجتماعية تجرّم المثليين وتحرض ضدهم بل وأحيانًا تتجاهل التحرش وتركز على المثلية الجنسية ويكأن التحرش شيء عادي ومعتاد.
هذه المعايير المزدوجة لا تُسهم في معالجة التحرش، بل تكرّس ثقافة كراهية تجاه فئات بأكملها وتُخفي المشكلة الحقيقية.
كما أنها تعكس ثقافات مجتمعية راسخة في بعض المساحات وهي أن التحرش مقبول وطبيعي طالما أنه موجه من رجل إلى امرأة، أما غير ذلك، وخاصةً لو من رجل إلى رجل، فلابد من الانتفاضة والنفير المجتمعي حتى لا تُهدد الرجولة أو تفقد قٌدسيتها.
بدلاً من التركيز وتسليط الضوء على التحرش الجنسي كثقافة مجتمعية مضرة للجميع لن ينجو منها أحد، حتى من يتخيلون أن رجولتهم التقليدية وهرمون التستوسترون المفرط قد يحميهم منها.
فالرجال المثليين ومزدوجي الميل الجنسي جزء من المجتمع وتربوا ويعيشون بينه وتشبعوا من ثقافته التي تطبع مع التحرش والعنف الجنسي، المجتمع الذي لا زال يستوعب معاني الرضائية الجنسية والموافقة المستنيرة والحق الفردي في الجسد.
المدربون المثليون وكراهية المثلية الداخلية
المثير للقلق أن بعض المدربين أو المؤثرين الذين يشاركون في هذا الخطاب هم مثليون أنفسهم، يستخدمون رهاب المثلية وكراهية المثليين كآلية دفاع أو للاندماج في بيئة رجولية تقليدية مبنية على نمط أحادي يقصي كل الرجال الذين لا يشبهون نمطها أو يرفضونه.
بدلاً من إدانة المتحرشين بشكل مباشر، يلجؤون إلى تعميم الإهانة واستخدام الشتائم الجنسية بحق المثليين، مما يرسّخ الوصمة تجاه مجتمع المثليين بأكمله، ويعيق جهود ومحاولات الحد من الرفض والتنمر والكراهية والعنف ضد المثليين.
أثر هذا الخطاب على المراهقين والمجتمع
بحسب جمعية القلب الأمريكية، فإن 29٪ فقط من طلاب المدارس الثانوية في الولايات المتحدة يلتزمون بالنشاط البدني اليومي الموصى به. إلا أن هذه النسبة تنخفض إلى النصف لدى الطلاب المثليين ومزدوجي الميل الجنسي، ويزداد الفارق كثيرًا بين الذكور مقارنة بالإناث.
يقول الدكتور إيثان ميريش، أستاذ مساعد في الجامعة الأمريكية في واشنطن، إن رهاب المثلية في المدارس يبعد الطلاب المثليين عن النشاط الرياضي، حيث يتعرضون للرفض والتحرش والمضايقات والعنف.
مما يجعل من المساحات المخصصة للنشاط البدني في المدارس والأندية وغيرها فضاءً غير آمن وغير مرحّب بالمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ولا نمطيي التعبير الجندري.
شهادات من الواقع: بين الخوف والصدمة
كشفت شهادات تناقلتها وسائل إعلامية عالمية كيف أن صالات الجيم قد تتحول إلى مصدر دائم للقلق أو حتى للصدمة النفسية للمثليين وخاصةً أصحاب التعبير الجندري الأنثوي وغير النمطي.
بعضهم تعرّض للسخرية من طريقة الجري أو استخدام الأوزان، فيما اختار البعض الآخر مغادرة الجيم نهائيًا بعد تعرضه لنظرات وتلميحات أو تعليقات مؤذية.
في حالات أخرى، سمع بعض المثليين ومزدوجي الميل الجنسي ولا نمطيي التعبير الجندري عبارات ساخرة تنتقص منهم وتحقر من شأنهم. أو يسخر الناس في الجيم من مظهرهم “الضعيف” مقارنةً بمقاييس الرجولة التقليدية والقديمة. هذا كله يعزز من الإحساس بعدم الانتماء ويمنع الكثيرين من المثليين من ممارسة الرياضة بحرية وأمان.
مسؤولية جماعية في خلق بيئة شاملة
لا يمكن وضع عبء المواجهة على عاتق الأفراد وحدهم. من الضروري أن تتحمل الجهات التعليمية والرياضية مسؤوليتها في خلق بيئة شاملة، كما حدث في دول عديدة حول العالم من أجل توفير وصول آمن لممارسة الرياضة مما ينعكس بشكل إيجابي على الصحة الجسدية والنفسية والعامة للسكان، لجميع السكان.
كما يتوجب على ملاك صالات الجيم والمدربين تبني ثقافات ترحب بالجميع وترفض الكراهية والعنف ضد أي فرد مهما كان. نبذ ورفض التحرش لا يعني نبذ وكراهية فئات مجتمعية كاملة.
ونظرًا لغياب الدراسات الاجتماعية والنفسية حول الكراهية والعنف ضد المثليين في الجيم والمساحات المخصصة للرياضة الجسدية في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، اعتمدنا على الدراسات والمقالات المتاحة من دول مختلفة حول العالم، وانتقينا المعلومات التي قد تتشابه مع سياقاتنا المحلية والإقليمية.
الجيم ليس فقط للياقة الجسدية… بل للياقة النفسية أيضًا
إن بناء العضلات لا يجب أن يكون على حساب تفكيك إنسانية الآخرين. صالة الجيم يجب أن تكون مساحة للجميع، بغض النظر عن الميول الجنسية أو الهوية الجندرية.
فالصحة البدنية تبدأ من الصحة النفسية، ولا يمكن للتمييز والإقصاء إلا أن يُدمّرا الاثنين معًا.
وقبل مشاركة أي ميم ساخر أو تكرار جملة مثل “العضلات جابتلي شاذ”، فلنتساءل: هل نحارب التحرش… أم نُرسّخ الكراهية؟