أطياف
سوزي اللبنانية

سوزي: أيقونة الترانس في لبنان ترحل عن 66 عامًا بعد حياة مليئة بالنضال والمعاناة

رحلت الراقصة والناشطة الترانس سوزي، إحدى أبرز الشخصيات الترانس في لبنان، عن عمر ناهز 66 عامًا، بعد مسيرة استثنائية كانت فيها رمزًا للمقاومة في وجه التهميش والنبذ الاجتماعي.

خبر وفاتها، الذي أُعلن في 27 يناير، أثار موجة واسعة من التعاطف والحزن، وأعاد إلى الواجهة واقع مجتمع الميم، وتحديدًا الترانس، في لبنان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

سوزي ورحلة الهوية المحفوفة بالألم

وُلدت سوزي داخل جسد رجل في السنغال لأب لبناني وأم يونانية، وعاشت طفولتها في ظروف أسرية صعبة بعد انفصال والديها. انتقلت لاحقًا إلى اليونان لتعيش مع والدتها، حيث وصفت تلك الفترة بأنها “أفضل سنوات حياتها”.

في عمر 15 سنة، أكد لها طبيب أنها امرأة كما تشعر وتعيش وليست رجلاً، إلا أن والدها رفض تقبّل هذا الواقع، وكان رده أن طردها من البيت وقطعت الأسرة علاقتها بها.

معاناة مزدوجة: الفقر والرفض

طُردت سوزي من بيت والدها وأُجبرت على التشرد، ما دفعها إلى امتهان العمل بالجنس التجاري في سن مبكرة. وصرّحت في مقابلات عديدة بأنها لم تجد أي دعم من محيطها، لا على مستوى العائلة ولا المجتمع.

رغم محاولاتها المستمرة للعيش بكرامة، تعرضت للعنف الجسدي والنفسي والجنسي، وحتى للاعتقال المتكرر بسبب هويتها الجندرية وكونها امرأة ترانس ومهنتها التي يجرمها القانون.

من العمل بالجنس التجاري إلى الشهرة الرقمية

في لحظة مفصلية من حياتها، شجّعها شبّان سعوديون على التخلي عن العمل بالجنس التجاري وبدء مسيرة جديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حسبما تنقل المواقع الإخبارية.

أنشأت سوزي صفحة على “فيسبوك” وبدأت بنشر فيديوهات حظيت بانتشار واسع، أصبحت مصدر دخلها الوحيد. ورغم الانتقادات والسخرية والتنمر والترانسفوبيا، استطاعت أن تحوّل هذه المنصات إلى مساحة للتعبير والعيش الكريم.

حياة لم ينصفها أحد

رغم شهرتها المتزايدة، بقيت سوزي في الظل. كما تعرضت للاستغلال الإعلامي أكثر من مرة، واستُضيفت في البرامج التلفزيونية بحثاً عن “المشاهدات”، لا التضامن الحقيقي.

عاشت سوزي فترة طويلة بلا مأوى، إلى أن وفّرت لها إحدى الجمعيات الحقوقية مسكنًا آمنًا في سنواتها الأخيرة.

في رثائها، عبّرت لجنة الترانس في جمعية “حلم” عن أسفها الشديد لفشل المجتمع المدني في تأمين حياة كريمة لسوزي. 

وقالت في بيان: “لم يكن موتها طبيعيًا، بل اغتيالاً جماعيًا على يد أسرتها والمجتمع والدولة التي تخلّت عنها. سنستمر في نضالنا حتى ينال الترانس حقهم في الحياة والكرامة”.

ضحية مجتمع لا يتقبل الاختلاف

الناشطة نايا رجب من لجنة الترانس في “حلم” قالت في تصريح إلى رصيف 22 وهو موقع لبناني، إن سوزي كانت “كولاجًا من القوة والنضال والحب والسلام”، وإن موتها يجب أن يُعدّ جرس إنذار يدعو إلى مراجعة طريقة تعامل الدولة والمجتمع مع الترانس.

وأعرب كثير من اللبنانيين عن ندمهم لاستهزائهم بها وتنمرهم وكراهيتهم لها في حياتها، وشاركوا في نعيها بكلمات مؤثرة، مطالبين بتغيير جذري في النظرة المجتمعية لمجتمع الترانس.

هل يكون رحيل سوزي بداية تغيير حقيقي؟

سوزي لم تكن فقط ضحية للرفض والتمييز والكراهية والعنف، بل كانت صوتًا شجاعًا عبر عن آلاف الترانس الذين يعيشون المعاناة نفسها بصمت، كما كانت مثالاً على العيش بحرية وحب النفس وتقبلها رغم كل الآلام والعنف والتنكيل والاضطهاد.

بوفاتها، تركت سؤالاً مفتوحًا: هل ننتظر رحيل كل من يصرخ بألمه كي نستيقظ؟ أم نحول هذا الحزن إلى دافع لتأمين العدالة والكرامة لكل أفراد مجتمع الميم في لبنان؟

سوزي رحلت، لكن قصتها لن تُنسى. هي رمز للنضال من أجل الهوية والكرامة، ولعلها تكون آخر من يدفع الثمن وحده.

حتى بعد الموت… التمييز مستمر

لكن معاناة سوزي لم تنتهِ بوفاتها، بل امتدت حتى لحظة دفنها، لتعيد التذكير بواقع التمييز المركّب الذي يعيشه مجتمع الترانس في لبنان.

فقد تأخر دفن سوزي لعدة أيام بعد وفاتها، بسبب رفض مقابر في بيروت استقبال جثمانها، نتيجة إشكاليات مرتبطة بهويتها الجندرية وطائفتها. في تصريح لنايا رجب، منسقة لجنة الترانس في جمعية “حلم” في حوار مع رصيف 22، قالت:

“ما كان ينبغي أن يحدث هذا التأجيل. كل هذا الانتظار سببه واضح: ما في مقبرة كانت بترضى تستقبلها لأنها ترانس”. 

وأضافت: “لكل عائلة مقبرتها، لكن الأشخاص المرفوضين من عائلاتهم والمجتمع والدولة، مثلنا، لا يجدون مكاناً حتى بعد الموت”.

رغم أنه كان من المقرر دفنها في مقبرة شاتيلا، إلا أن القائمين عليها رفضوا استقبالها في اللحظة الأخيرة. وأوضحت نايا رجب أن الرفض لم يكن فقط بسبب هويتها الجندرية، بل أيضًا بسبب طائفتها، لأن “المقابر في لبنان تخضع للتقسيم الطائفي، وكل طائفة تدير مقابرها بشكل مستقل”. وانتهى الأمر بدفنها في مقبرة بئر حسن، بعد ساعتين من المشاورات والرفض.

تابوت وردي وجنازة خجولة

دُفنت سوزي في تابوت وردي اللون، نزولاً عند رغبتها، بحضور أقل من عشرين شخصًا فقط. هذا التشييع الباهت، رغم الحب والدعم الذي كانت تحظى به عبر وسائل التواصل الاجتماعي أثار أسئلة مؤلمة حول غياب التضامن الفعلي مع الترانس في لحظاتهم الحرجة.

الصحافية رانيا حمزة علّقت على ما حدث بالقول: “لي عم يصير مع سوزي مش مقبول وما لازم ينسكت عنو… كيف ع آخر دقيقة بيتغير محل دفن ميت؟ ولو انتو بتخافوا الله؟”.

وبعد الدفن، جرى تقبّل التعازي بها في كنيسة مار يوسف، وعُقدت أمسية تأبينية في المركز الاجتماعي لـ”حلم” مساء اليوم نفسه.

تمييز، استغلال، وغياب العدالة

بحسب الناشطة نايا رجب، فإن استغلال اسم سوزي لم يتوقف حتى بعد موتها، إذ أشار كثيرون إلى تعاطفهم معها عبر وسائل التواصل، لكن لم يحضر معظمهم جنازتها. وتقول: “كانت تتمنى جنازة كبيرة، مليئة بالمحبين. لا أعرف أين ذهب هؤلاء المتعاطفون. لم أرَ منهم أحداً سوى صديقتها جويل”.

وأضافت: “كل ما تعرضت له سوزي ليس حالة فردية، بل هو انعكاس لمعاناة مجتمع بأكمله لا يزال يقاتل من أجل الاعتراف والكرامة والحق في الحياة… وحتى في الموت”.

صوت لم ينكسر… ورمز لن يُنسى

سوزي كانت، وستبقى، أيقونة للترانس والعابرين جندريًا في وجه العنف المجتمعي. رحلت، لكن حكايتها فضحت التمييز البنيوي والمضاعف ضد مجتمع الترانس، وفتحت نقاشًا ضروريًا حول الحق في الحياة والموت بكرامة.

وربما حان الوقت لتحويل الأسى على رحيلها إلى فعل سياسي واجتماعي يضمن ألا تُدفن أصوات أخرى في الصمت، كما دُفنت سوزي، وحيدة… في تابوت وردي.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.