أطياف
عبور جنسي

كريستين يورجينسن: أول ترانس تُجري عملية عبور جنسي ناجحة في التاريخ

تُعد كريستين يورجينسن (Christine Jorgensen) أول شخص ترانس يحظى باعتراف واسع بعد خضوعها لأول جراحة عبور جنسي ناجحة في العالم.

مما جعل من كريستين يورجينسن شخصية محورية في التاريخ الأمريكي والعالمي ومصدرًا لفهم مجتمعي أوسع للهوية الجندرية والأفراد الترانس.

في أوائل خمسينيات القرن الماضي، تصدّرت كريستين العناوين كأول شخصية أمريكية معروفة تخضع لعملية عبور جنسي، بجانب كونها أول شخصية معروفة وشهيرة تنجح عملية عبورها الجنسي.

عكس ما حدث للفنانة الدنماركية ليلي إلب والتي توفيت نتيجة مضاعفات العملية الجراحية نظرًا لعدم تقدم الطب حينها، وهو حدث غيّر إلى الأبد طريقة تناول الإعلام والمجتمع للهوية الجندرية والأشخاص الترانس في العالم وليس الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.

من برونكس إلى عبور تاريخي

وُلدت كريستين في 30 مايو 1926 في حي برونكس، نيويورك، في جسد رجل وكتب في وثائقها أن جنسها ذكر عند الولادة، لكنها شعرت منذ طفولتها بأنها فتاة.

كانت تنجذب إلى ألعاب البنات وملابسهن، وعانت من ارتباك داخلي عندما بدأت تشعر بانجذاب عاطفي تجاه الأولاد في سن المراهقة.

وصفت طفولتها بقولها إنها كانت “طفلًا شاحبًا، وانطوائيًا، وأشقر، يهرب من الشجار والألعاب الخشنة”.

بعد تخرجها من المدرسة الثانوية، خدمت كريستين في الجيش الأمريكي ككاتبة إدارية. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، التحقت بعدة مؤسسات تعليمية وعملت كمصورة.

كما بدأت بالاطلاع على الأبحاث الطبية التي تتناول الأشخاص الذين لا تتطابق هويتهم الجندرية مع الجنس الذي وُلدوا به أو ما عُرف قديمًا باسم “اضطراب الهوية الجنسية” والمعروف الآن باسم “الانزعاج الجندري”.

في عام 1950، سافرت إلى الدنمارك لتبدأ رحلتها مع العبور الجنسي عبر العلاج الهرموني وسلسلة من الجراحات التي استمرت قرابة عامين بموافقة خاصة من وزارة العدل الدنماركية، وتحت إشراف الطبيب كريستيان هامبورجر، الذي سمت نفسها “كريستين” تيمنًا به.

في رسالة بعثت بها لعائلتها بعد إحدى العمليات، كتبت:

“لقد غادرت أمريكا شخصًا تعيسًا وخائفًا… أما الآن فأنا شخص مختلف تمامًا ومليء بالحياة”.

بهذه الخطوة، أصبحت أول شخصية ترانس معروفة في العالم تخضع لجراحة عبور جنسي كاملة وناجحة بعد ليلي إلب وعمليتها غير الناجحة.

وبعد إجراء جراحتها، صرّحت في 1958 قائلةً:

“كل إنسان يجمع بين الجنسين بدرجات متفاوتة. أنا أميل لأن أكون امرأة أكثر من كوني رجلًا… وبالطبع لا يمكنني الإنجاب، لكن هذا لا يعني أنني لا أستطيع ممارسة العلاقة الجنسية بشكل طبيعي – أنا الآن في وضع مشابه تمامًا لوضع امرأة خضعت لاستئصال الرحم”.

الشهرة المفاجئة: من خصوصية إلى عناوين الصحف

لم تكن كريستين تنوي أن تكون شخصية عامة. لكنها فوجئت في 1 ديسمبر 1952 عندما نشرت صحيفة نيويورك ديلي نيوز عنوانًا مثيرًا مع صور “قبل وبعد”: “الجندي السابق يصبح جميلة شقراء: شاب من برونكس يصبح امرأة سعيدة بعد العلاج و6 عمليات جراحية.”

عودة كريستين يورجنسن إلى الولايات المتحدة في عام 1953 بعد خضوعها لجراحة عبور جندري في الدنمارك، وتُظهر الصورة لحظة وصولها إلى مطار إيدلويلد في نيويورك (المعروف حالياً بمطار كينيدي الدولي).

أثارت التغطية الصحفية ضجة هائلة جعلت من كريستين رمزًا إعلاميًا عالميًا. وعندما عادت إلى نيويورك في 1953، استقبلها مئات الصحفيين في المطار، وسط حشود تطلبت تدخل الشرطة. في أول تصريح علني لها، شكرت الصحفيين على الترحيب، لكنها قالت: “كان الأمر أكثر من اللازم.”

بين التحدي والتمكين

رغم النظرات المشككة والأسئلة الجارحة التي واجهتها من الصحافة والجميع، اختارت كريستين أن تستخدم شهرتها كمنصة للدفاع عن حقوق الترانس. أكدت مرارًا أنه لا أحد مضطر لأن يكون 100٪ ذكرًا أو أنثى، وأن التنوع الجندري جزء طبيعي من الإنسانية.

قدّمت نفسها كنموذج للعبور الجنسي الناجح، ليس فقط جسديًا، بل نفسيًا. فقد عبرت من شخصية خجولة ومنعزلة، إلى امرأة واثقة في نفسها، وقوية، وسعيدة بكونها تعيش حقيقتها.

فن، ودفاع، وتحدي القانون

استخدمت كريستين شهرتها في بناء مهنة فنية كمقدمة عروض ليلية، حيث كانت ترتدي زي “المرأة المعجزة” وتغني أغنية “أنا أستمتع بكوني فتاة.” بعدما تصدرت أخبارها الصفحات الأولى، وظهرت في العروض التلفزيونية، وأطلقت مسيرة فنية كمغنية ومؤدية مسرحية.

أنا فتاة، وبالنسبة لي هذا أمرٌ رائع
أفخر بأن ملامحي منحنية
وأنني أمشي بخفة ونعومة أنثوية
بخطى تتمايل وتلتف بخفة

من كلمات أغنية أنا أستمتع بكوني فتاة

كانت أول امرأة ترانس تؤدي في مطعم Delmonico الشهير في نيويورك. وقد تعرض مالك المطعم حينها لهجوم إعلامي، لكنه دعم كريستين وظل يرحب بها طوال مسيرتها.

جالت كريستين الجامعات وقدّمت العديد من المقابلات، متحدية الصور النمطية ومروّجة لفهم أوسع لقضايا الترانس.

لكن العقبات القانونية كانت حاضرة. ففي 1959، رفضت بلدية نيويورك منحها رخصة زواج بسبب ذكر الجنس “ذكر” في شهادة ميلادها. وبما أن زواج المثليين لم يكن قانونيًا حينها، لم يُسمح لها ولشريكها بالزواج.

كريستين تكتب تاريخها وتاريخ العبور الجنسي

في 1967، نشرت كريستين سيرتها الذاتية التي كشفت عن صراعاتها الداخلية ورغبتها في العبور الجنسي من أجل الحرية الشخصية بعنوان Christine Jorgensen: A Personal Autobiography، وبيعت من سيرتها الذاتية قرابة 450,000 نسخة.

كتبت:  “الناس ركّزوا على التغيّر الخارجي، لكن التغيّر الحقيقي كان داخليًا. من فتاة خائفة ومنعزلة، أصبحت امرأة تعرف من هي ومن تكون.”

دعت في كتابها إلى قبول أوسع للأشخاص الترانس وكل من لا يندرج ضمن توقعات المجتمع التقليدية حول الجنس والجندر. 

كتبت أيضًا:  “الحل لا يكمن في الحبوب المنومة أو الانتحار الذي يبدو كحادث، أو في أحكام السجن. بل في الحياة… وفي الحرية لعيشها.”

كريستين جورجنسن: من العبور الفردي إلى الحركة الجماعية

تعتبر جورجنسن رائدة في تشكيل الخطاب العام حول الهويات الجندرية في خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت المفاهيم المتعلقة بالعبور الجندري شبه معدومة في الخطاب الطبي والإعلامي.

وكما قالت لاحقًا: “أنا ترانس، لأن الجندر يعبّر عن هويتك كإنسان، وليس فقط عن جنسك البيولوجي”.

ورغم تعرضها لحملات تشكيك وتنميط، حافظت على حضورها الإعلامي وسعت لتقديم روايتها الذاتية بعيدًا عن التأطير الطبي أو التسلطي.

شاركت في عروض وفعاليات فنية، منها المسرحية Oh Dad, Poor Dad…، وأدّت أغانٍ أبرزها I Enjoy Being a Girl، التي أصبحت شعارًا لها.

نهاية الرحلة… وبداية إرث

في أواخر الثمانينيات، شُخصت كريستين بسرطان المثانة والرئة. قبل وفاتها، قالت في مقابلة أخيرة:
“العبور الجنسي لا يكون لأسباب جنسية فقط… بل لأنك تعرف وتعيش حقيقتك ومن أنت.”

توفيت كريستين يورجينسن في 3 مايو 1989 عن عمر 62 عامًا بعد صراع مع السرطان في كاليفورنيا، تاركة وراءها إرثًا من الشجاعة، والانفتاح، والدفاع عن هوية الإنسان مهما كانت.

كانت كريستين قد مهّدت الطريق أمام مئات آلاف الأشخاص الترانس حول العالم. تم تكريمها لاحقًا في “جدار الشرف الوطني لمجتمع الميم” في نيويورك، وضمن Legacy Walk في شيكاغو، وRainbow Honor Walk في سان فرانسيسكو.

وقد لخصت مساهمتها بنفسها في حوار صحفي أخير قائلة:
“قد لا أكون من بدأ الثورة الجنسية، لكنها كانت ستمضي قدمًا سواء بي أو بدوني. ربما لم نبدأها، لكننا بالتأكيد منحناها دفعة قوية”.

إرث لا يُنسى

تبقى قصة كريستين لحظة مفصلية في التاريخ– ليس لأنها أول من أجرى عملية عبور جنسي ناجحة، بل لأنها أول من فعل ذلك أمام أنظار العالم. قصتها أرست الأساس لحوارات استمرت عقودًا حول الجندر، والحرية، والكرامة الإنسانية.

كانت كريستين يورجينسن امرأة ترانس في وقت لم يكن فيه وجود الترانس مقبولًا، أو ظاهرًا، أو مفهومًا، وقبل أن تتطور اللغة والمفاهيم كما هي اليوم، لكنها اختارت أن تظهر، وأن تتكلم، وأن تعيش كما هي. وبذلك، غيّرت كريستين يورجينسن التاريخ.

اقرأ أيضًا: ليلي إلب: 9 عقود على رحيل أول ترانس في التاريخ

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.