خلال جائحة كورونا، عندما أغلقت الحدود وزادت العزلة المجتمعية حول العالم، تحوّلت إيمان لو كير، الناشطة المصرية الترانس والمقيمة في نيويورك، إلى طوق نجاة للكثير من الأشخاص الترانس المهددين بالموت في بلدانهم الأصلية.
بدأت رحلة إيمان في هذا الطريق مع ريتاج، وهي امرأة ترانس من اليمن، حُكم عليها بـ100 جلدة وسُجنت بتهمة المثلية الجنسية.
ووفقًا للقانون اليمني، كان من الممكن أن تُرجم حتى الموت لو كانت متزوجة وقت المحاكمة. وبعد هذه المحنة، أصبحت ريتاج منهارة نفسيًا وجسديًا، لكنها وجدت الأمل في إيمان، التي مرت بتجربة مشابهة حين اضطرت للهرب من مصر خوفًا على حياتها.
قالت إيمان: “كنت هناك، ومررت بنفس الألم. نحن من تُبصق علينا العائلات بالبصقة نفسها.”
وبمساعدة ناشطة أخرى ترانس تُدعى علياء، وبتمويل من حملة عبر موقع GoFundMe، وهو منصة عالمية لجمع التبرعات الاجتماعية، بدأت ترتيبات إنقاذ ريتاج.
اضطرت ريتاج لتقديم نفسها في هيئة رجولية حتى لا تُكتشف هويتها أثناء رحلة الهروب التي استغرقت 36 ساعة شاملة في السفر إلى القاهرة من اليمن.
ومن هناك، ساعدها محامٍ للهجرة في تقديم طلب إنساني للسفارة الفرنسية، ما مكنها من الحصول على تأشيرة إنسانية والوصول إلى فرنسا، حيث بدأت حياة جديدة.
تقول ريتاج: “الكثير من الأشخاص من مجتمعات الميم في البلدان العربية يقبعون الآن في السجون، دون أي دعم أو مساندة. تُنبذهم عائلاتهم، ولا يمكنهم إيجاد عمل، ويُتركون في الشوارع. على الحكومات أن تسنّ قوانين لحمايتهم.”
إيمان وطفولة قاسية ونشأة في بيئة لا تفهم الترانس
تعكس رحلة إيمان معاناة طويلة بدأت منذ الطفولة. فقد نشأت في قرية مصرية صغيرة، وكانت تدرك في داخلها أنها فتاة.
لكن التعبير عن ذلك جلب لها العنف والاعتداء. منذ سن الثامنة، تقول إنها تعرضت للاغتصاب لمدّة عامين على يد شخص مقرّب من العائلة، وهو أمر كان معروفًا لكنه مسكوت عنه.
لاحقًا، تعرضت لاعتداءات جنسية أخرى، وانتهى بها الأمر بطعنة في الصدر بسبب “العار” الذي شعرت به عائلتها، لولا تدخل أختها التي أنقذت حياتها.
وعند انتقالها لاحقًا، قررت أن تتخذ لنفسها اسم “إيمان”، تكريمًا لأختها التي أنقذتها، كما اتخذت اسم “القاهرة” بالفرنسية (Le Caire) اسمًا ثانيًا، كي تكون إيمان لو كير أو إيمان القاهرية.
استخدمت إيمان الرقص كوسيلة لمواجهة القلق والهرب من واقعها، ونجحت في العمل كراقصة ومصممة رقصات في دار الأوبرا المصرية.
لكن مع تصاعد هجمات الشرطة على الترانس ولا نمطيي الجندر، وبسبب هويتها الجندرية وميولها الجنسية، اضطرت إلى مغادرة مصر بتأشيرة سياحية إلى نيويورك، وهناك تقدّمت بطلب لجوء.
اليقظة السياسية والاهتمام بالمجتمع عند إيمان
في نيويورك، واجهت إيمان الوحدة والاكتئاب، وأصبحت تتعاطى المخدرات. لكن لاحقًا، التقت بشريك حياتها جان-مانويل، وبدأت رحلتها مع العبور الجنسي في الثلاثينيات من عمرها، واستعادت شيئًا من الاستقرار.
أرادت إيمان البقاء في الظل والتركيز على عملها كفنانة أدائية، لكنها تأثرت بشدة بمقتل جورج فلويد في مايو 2020 وما تبعه من احتجاجات حركة “حياة السود مهمة”.
وجدت إيمان نفسها مدفوعة للمشاركة، وشعرت أن “الذكورية السامة” التي وقفت خلف هذا العنف تعكس ما عاشته في مصر.
تقول: “خرجت لأتظاهر، ووجدت التعافي هناك. كانوا يناضلون من أجل حياة السود وحياة الترانس أيضًا.”
بعد أسابيع، تلقت صدمة جديدة بوفاة سارة حجازي، الناشطة المصرية المثلية التي انتحرت بعد سنوات من الصدمة النفسية الناتجة عن سجنها وتعذيبها في مصر إثر رفعها علم قوس قزح في حفل موسيقي.
قالت إيمان: “لم تتحمّل الأمر. وأنا فهمت شعورها. لقد كنتُ في سجون مصر، وأعلم جيدًا ما يفعلونه بنا.”
واقع الترانس في الدول الناطقة بالعربية
في كثير من بلدان الشرق الأوسط، يُنظر إلى أفراد مجتمعات الميم، خاصة الترانس، على أنهم غير أخلاقيين، أو حتى مجرمون وكفار.
ووفقًا لتقرير أصدرته “هيومن رايتس ووتش” في عام 2020، غالبًا ما تُعامل النساء الترانس على أنهم مثليين ذكور، ويُلاحقن قانونيًا بناءً على اتهامات غامضة تتعلق بـ”الأفعال المخالفة للطبيعة” أو “تشبّه الرجال بالنساء”.
تتراوح العقوبات من السجن، كما في سوريا، إلى الإعدام كما في اليمن والسعودية.
وفي معظم الدول الناطقة بالعربية، يخضع العبور الجنسي لقيود صارمة، ويُسمح به فقط في حالات “تشوه الأعضاء الجنسية”، ويستلزم موافقة لجان طبية ودينية.
يلجأ البعض إلى إجراء العمليات في عيادات غير مرخصة، ما يشكل خطرًا على حياتهم. وحتى بعد العبور الجنسيـ فإن تغيير الاسم والنوع في الوثائق الرسمية يكاد يكون مستحيلاً.
إيمان وحلم بناء مجتمع آمن للترانس
في عام 2020، وأثناء مشاركتها في مسيرة “تحرير بروكلين”، ظهرت صور لإيمان وهي تحتج مع 15 ألف شخص يطالبون بحماية الترانس السود. هذه الصور دفعت ريتاج للتواصل معها، لتصبح أول حالة إنقاذ تقوم بها إيمان.
انضمت إيمان لاحقًا إلى منظمة TransEmigrate التي تدعم الترانس الراغبين في مغادرة بلدانهم، قبل أن تؤسس منظمتها الخاصة “Trans Asylias“، التي تقدم الدعم القانوني والإنساني لطالبي اللجوء من الترانس.
تقوم إيمان بتقديم الاستشارات، ومراجعة الطلبات، وتقديم الدعم النفسي عبر مكالمات منتظمة، كما تجمع التبرعات لمساعدة هؤلاء الأشخاص على البدء من جديد.
لكنها تُقرّ بأن عدد من تمكنوا من الهرب لا يُقارن بمن لا يزالون يعيشون تحت تهديد دائم. حلمها الأكبر هو إنشاء مجتمع يوفّر لهم السكن والرعاية الطبية والمساحة الآمنة للتعافي.
تختم إيمان حديثها قائلة: “أريد أن أبني مكانًا جميلًا، فيه منازل وأطباء، حيث يمكن لكل من عانوا أن يتلقّوا العلاج ويتعافوا، كما فعل الآخرون من أجلي.”
اعتراف عالمي بجهود إيمان لوكير في حماية الترانس
في عام 2021، أُدرج اسم إيمان لو كير ضمن قائمة “بي بي سي لأفضل 100 امرأة في العالم“ التي تسلط الضوء سنويًا على 100 امرأة ملهمة ومؤثرة حول العالم.
هذه القائمة تُعد من أبرز المبادرات الإعلامية التي تحتفي بقيادة النساء وتضامنهن في مجالات حقوق الإنسان، والسياسة، والعلوم، والفنون، والتعليم.
اختيار إيمان ضمن هذه القائمة جاء تكريمًا لشجاعتها وعملها الحيوي في إنقاذ الأفراد الترانس من ظروف قمعية، ومنحهم فرصة لبداية جديدة آمنة.
قائمة “بي بي سي 100 امرأة” لا تحتفي بالإنجازات الفردية فحسب، بل تسعى أيضًا لتسليط الضوء على التحديات التي تواجه النساء في العالم، وتشجيع الحوار والتغيير المجتمعي.
وجود إيمان في هذه القائمة يمنح قصص الترانس من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأفريقيا مساحة نادرة للظهور على منصة دولية، ويعزز من أهمية تمثيل الفئات المهمّشة.