أطياف

جدري القرود والمثليين

طوال الأسابيع الماضية، نُشرت عشرات الأخبار والتقارير الإعلامية باللغة العربية، عملت على الربط بين مرض جدري القرود وبين مجتمع المثليين، حيث نسبت إلى المثليين سببية وجود المرض وانتشاره. استندت تلك الأخبار والتقارير إلى معلومات من جهات صحية بلجكية وبريطانية رصدت إصابة أكثر من رجل مثليين و/أو مزدوجي التوجهات الجنسية إثر حضورهم حفلات بها عدد كبير من الأشخاص.

لا يعتبر هذا المنهج في إلقاء اللوم على المثليين بسبب الأمراض جديدًا، حيث سبق وأن اتبعته وسائل إعلامية ومؤسسات دينية وحكومية وسياسية، بل وحتى طبية، لتبرير كراهيتهم للمثليين وجعلها مسببة، وذلك أثناء تفشي وباء الإيدز في الثمانينات، ومؤخرًا أثناء تفشي جائحة كورونا.

لا ينشر هذا المنهج معلومات خاطئة وغير حقيقية وحسب، بل يعمل على تعزيز ودعم ثقافات الكراهية والممارسات العنيفة التي يواجهها أفراد مجتمع المثليين وأفراد مجتمع الميم بشكل عام طوال الوقت، ويزيد من تلك الوقائع التي يتورط فيها أفراد من العائلة والجيران والغرباء والمؤسسات الدينية والحكومية والصحية. كما يمثل عائقًا أمام احتواء أي انتشار محتمل أو إصابات لجدري القرود، حيث سيخشى الأشخاص المصابين بالمرض من التواصل مع الخدمات الصحية خوفًا من الوصم الذي نتج وينتج عما تنشره الوسائل الإعلامية وبعض الشخصيات العامة بشكل مغلوط، مما سيهدد فرصتهم في تلقي الرعاية الصحية المطلوبة ويعرضهم والآخرين للخطر.

ايه هو فيروس جدري القرود؟

هو مرض فيروسي نادر تم اكتشافه عام 1958 بالمعهد الحكومي للأمصال في الدنمارك، وهو فيروس حيواني المنشأ وينتشر أحياناً بين الحيوانات البرية وأحياناً ما ينقل من الحيوانات للإنسان، وأول إصابة بشرية تم اكتشافها كانت في عام 1970 لطفل عنده 9 سنوات في الكونغو.

طرق الانتقال

يمكن أن تنتقل العدوى من الحيوان إلى الإنسان عن طريق المخالطة المباشرة لدماء الحيوانات المصابة بعدواه أو سوائلها الجسدية أو آفاتها الجلدية أو إفرازاتها المخاطية.

ويمكن انتقال العدوى من إنسان إلى آخر عند المخالطة الوثيقة بإفرازات الجهاز التنفسي أو الآفات الجلدية لشخص مصاب أو أشياء ملوثة حديثًا لإنسان مصاب.

الأعراض

تبلغ فترة حضانة الفيروس من خمسة أيام إلى ثلاثة أسابيع وتلك هي الفترة الخاصة بمرحلة الإصابة بالعدوى لمرحلة ظهور أعراضه.

يمكن تقسيم العدوى هنا إلى فترتين:

في الفترة الأولى الخاصة بمرحلة الإصابة بالعدوى التي تكون في أول خمس أيام، تظهر علامات بالحمى والصداع المبرح وتضخّم العقد اللمفاوية والشعور بآلام في الظهر وفي العضلات وفقدان شديد للطاقة.

في المرحلة الثانية الخاصة بالظهور الواضح للأعراض، هي فترة ظهور الطفح الجلدي الذي يظهر ويتركز بنسبة 95% على الوجه والأطراف، وراحتي اليدين والقدمين بنسبة 75% والأغشية المخاطية للفم بنسبة 70%، والأعضاء الجنسية بنسبة 30%.

ويتطور الطفح الجلدي تدريجيا من بقع  (آفات ذات قاعدة مسطحة) إلى حطاطات (آفات صلبة ناتئة قليلاً، ثم حويصلات (آفات مليئة بسائل شفاف) فبثور(آفات مليئة بسائل يميل إلى الصفرة)، قبل أن تتحول إلى قشور تجف وتتساقط.

هل ينتقل المرض عن طريق الجنس؟

برغم أن حالات الإصابة البشرية منتشرة في أنحاء وسط وغرب أفريقيا  وبين الأطفال وأصحاب المناعة الضعيفة، فحتى الآن لم يتم توثيق انتشار جدري القرود من قبل عبر ممارسة الجنس، ولكن يمكن انتقاله عن طريق الاتصال الوثيق مع الأشخاص المصابين، وتبادُل سوائل أجسامهم وملابسهم أو الاحتكاك بملاءات سرير واحد يجمع بينهم.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية أنه ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان جدري القردة ينتقل على وجه التحديد عن طريق الانتقال الجنسي. ويتعين إجراء دراسات بهذا الشأن للإلمام بهذا الخطر على نحو أفضل.

هل هناك علاج لفيروس جدري القردة؟

عادة ما تزول أعراض مرض جدري القردة من تلقاء ذاتها بعد فترة تتراوح من 2 إلى 4 أسابيع.

بالرغم أنه حتى الآن لا يوجد علاج أو لقاح مخصص لفيروس “جدري القردة”، إلى أن التطعيمات السابقة التي كانت لمرض “الجدري” أثبتت نجاح عالي للوقاية من “جدري القردة”، فمن خلال العديد من الدراسات القائمة على الملاحظة أن التطعيم ضد الجدري فعال بنسبة 85 في المائة تقريباً في الوقاية من جدري القردة.

كيفية الكشف عن فيروس جدري القردة

الفحص المختبري، استخدام ال (PCR) كفحص مختبري نظرًا لدقته. فالعينات التشخيصية المثلى لجدري القردة تأُخذ من الآفات الجلدية (سقف أو سوائل الحويصلات والبثور والقشور الجافة). 

الوقاية من فيروس جدري القرود

 تجنّب المخالطة الجسدية الحميمة للمصابين بالمرض، وضرورة المداومة على غسل  اليدين.

تجنب المخالطة غير المحمية بالحيوانات البرية، خاصة تلك المريضة أو الميتة، بما في ذلك لحومها ودمها، يجب طهي جميع الأطعمة التي تحتوي على لحوم أو أعضاء حيوانية جيدًا قبل تناولها.

لماذا هذه المرة يتم التعامل مع فيروس “جدري القردة” بطريقة مختلفة؟

هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها انتشار فيروس “جدري القردة” في دول وبلدان خارج أفريقيا ولأشخاص لم يسافروا حتى لأفريقيا من قبل.

إبلاغ البعض أن معظم الحالات المصابة كانت لرجال مارسوا الجنس مع رجال آخرين بالرغم من أن ممارسة الجنس ليس سببا اكيدا بعد، والقلق من انتشار الفيروس في الصيف، وتجمعات الناس في الحفلات والمهرجانات وغيرها من المناسبات مما قد يساعد على انتشاره في المرحلة القادمة.

لا، التاريخ لن يكرر نفسه هذه المرة

مع الخوف من انتشار فيروس “جدري القردة” تعالت الأصوات وتصدرت الأخبار الحديث عن هذا المرض على أنه “مرض خاص بالمثليين” ومحاولة حقن هذا المصطلح في عقول الناس والمجتمعات، نفس المصطلح ونفس الخطأ الذي حدث منذ 40 عاماً عند حدوث جائحة ال AIDS/HIV ، فعند انتشار جائحة الإيدز ظن الأفراد المغايرون جنسياً أن هذا لن يصيبهم أبداً، وتم نبذ المثليين وقتها ورفض علاجهم والإعتناء بهم في الكثير من الأحيان وتعالت أعمال وخطابات العنف والكراهية ضدهم، مما نتج عنه الكثير من الإهمال والوصم والمعاناة والموت وأثر هذا على الكثير والكثير من مختلف البشر في النهاية وخاصة المجتمع الكويري وقتها. 

فتلك الخطابات المليئة بالكراهية بداخلها تحاول إظهار بأنها فقط تقوم بالتحذير، ولكن في الحقيقة يقومون فقط بنشر معلومات غير صحيحة بخصوص الفيروس معرضة حياة الآخرين للخطر وجعل العلاقات الجنسية بين أفراد المجتمع الكويري مليئة بالوصم. برغم أنه لم يثبت حتى الآن أن فيروس “جدري القردة” هو فيروس ينتقل عن طريق الممارسات الجنسية، ومازالت الأبحاث مستمرة بخصوص الانتشار المتصاعد لهذا الفيروس.

ويمكنكم مراجعة المنشورات والمعلومات السابقة التي تحدثنا فيها عن فيروس “جدري القردة” وعدم الانجراف لأي معلومات غير صحيحة أو الشعور بالهلع عند متابعة تلك الأخبار الخاطئة، وأيضاً للحفاظ على سلامتكم الخاصة.