أطياف
حمودي المطيري

العراق: اغتيال المراهق حمودي المطيري بسبب الاشتباه في مثليته

جريمة مروعة تهز الرأي العام العراقي والعربي

في 8 أكتوبر 2018، استيقظت الساحة العراقية والعربية على وقع جريمة بشعة راح ضحيتها فتى عراقي في الخامسة عشرة من عمره، هو حمودي المطيري، في حادثة وثّقتها عدسات الجناة ونشروها دون خجل أو خوف.

وظهر المطيري في لحظاته الأخيرة مضرجًا بدمائه، يطلب من قاتليه أن ينقلوه إلى المستشفى، ويهمس بكلمات تكسوها البراءة: “أريد أمي”.

هذه الجريمة التي هزت الضمير الإنساني لم تكن حادثة فردية عابرة، بل جاءت امتدادًا لسلسلة طويلة من أعمال العنف الممنهج التي تستهدف المثليين أو من يُشتبه في ميولهم الجنسية في العراق.

تفاصيل الجريمة: شكوك المظهر تبرر القتل؟

بحسب ما أوردته وسائل إعلام عراقية، كان حمودي المطيري عائدًا من مباراة لكرة القدم في حي اليرموك ببغداد حين تم اختطافه من قبل مجهولين.

لاحقًا، تم العثور عليه مضرجًا بالدماء، بعد تعرضه للطعن المتكرر. وظهر في فيديو انتشر على نطاق واسع، وهو يتألم ويطلب رؤية والدته وسط سخرية الجناة الذين صوروا لحظاته الأخيرة بدم بارد.

لم يكن للطفل أي تهمة سوى مظهره غير النمطي وجماله الذي أثار شكوك المتطرفين بأنه مثلي، وهو ما دفعهم لإعدامه ميدانيًا في جريمة وحشية.

العراق ومجتمع الميم: واقع قاتم وظروف قانونية محفوفة بالمخاطر

رغم أن القانون العراقي لا يجرّم المثلية الجنسية بشكل صريح، إلا أن العديد من المواد القانونية الفضفاضة، كـ”الفعل الفاحش” أو “الإخلال بالآداب العامة”، تُستخدم لتجريم الأفراد بناءً على ميولهم أو مظاهرهم الخارجية.

في ظل غياب قوانين تحمي حقوق مجتمع الميم، أصبح العراق واحدًا من أخطر الأماكن على المثليين ومجتمع الميم والأشخاص غير نمطيي المظهر في المنطقة.

تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى تؤكد أن أفراد مجتمع الميم الفعليين أو من يتصور كونهم من مجتمع الميم يتعرضون للقتل، والتعذيب، والابتزاز دون رادع قانوني.

سلطات متواطئة وصمت رسمي مقلق

من المؤسف أن السلطات العراقية لم تتخذ إجراءات جادة للتحقيق في مقتل المطيري، كما لم تُلق القبض على الجناة رغم ظهور وجوههم في الفيديو المنشور.

هذا الصمت يُنظر إليه على أنه نوع من التواطؤ الضمني، ويعكس بيئة سياسية وقانونية تُشجع ضمنًا على العنف ضد من يُنظر إليهم كمختلفين.

تغيب الحماية القانونية ويتصدر العنف المجتمعي والعشائري المشهد. وغالبًا ما تُرتكب الجرائم بدوافع “الشرف” أو “الدين”، في حين يتم تبريرها في الإعلام والخطاب الديني المحافظ.

ردود فعل محلية ودولية: استنكار واسع وغضب متصاعد

ما إن انتشر خبر الجريمة، حتى تصدر هاشتاغ #حمودي_المطيري ترند تويتر في العراق وعدة دول عربية.

وأعرب النشطاء عن غضبهم الشديد، مطالبين بالعدالة وإنهاء ثقافة القتل على أساس الهوية.

  • كتبت ناشطة: “بأي ذنب يُقتل طفل لأن مظهره لا يطابق الذكورة النمطية؟”
  • وغرّد آخر: “#حمودي_المطيري، دليل جديد على أن داعش لم تُهزم، بل تسكن في العقول”.

كما نددت منظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية وILGA Asia بالجريمة، وطالبت بفتح تحقيق دولي مستقل، وإصدار تشريعات لحماية الأفراد من التمييز والعنف على أساس ميولهم الجنسية.

جرائم مماثلة: تسلسل لا ينتهي

لم تكن حادثة المطيري الأولى من نوعها، فقد سبقها العديد من حالات الاغتيال:

  • في 2017، تم اختطاف وقتل الشاب كرار نوشي بسبب شكوك حول ميوله الجنسية.
  • في 2018، اغتيلت عارضة الأزياء تارة فارس في وضح النهار.
  • أيضًا، لقيت الناشطة سعاد العلي، وخبيرتا التجميل رفيف الياسري ورشا الحسن حتفهن في ظروف مريبة.

هذه الحوادث تكشف عن تصاعد نمط خطير من العنف الموجه ضد كل من يُعتبر خارجًا عن “النمط المقبول” اجتماعيًا ودينيًا.

من أجل العدالة: ماذا نحتاج؟

في مواجهة هذا العنف المتصاعد، ينبغي على الحكومة العراقية والمجتمع المدني والدولي اتخاذ إجراءات حقيقية، تشمل:

  • إلغاء المواد القانونية التي تُستخدم ضد مجتمع الميم.
  • حظر الفحوصات الشرجية القسرية، التي تُعد انتهاكًا جسديًا ونفسيًا.
  • إطلاق حملات توعية واسعة النطاق ضد خطاب الكراهية.
  • تدريب الشرطة والقضاة على التعامل مع قضايا التمييز.
  • ضمان وصول الضحايا إلى العدالة دون خوف.

حمودي المطيري.. أيقونة المظلومية في زمن الصمت

حمودي لم يكن سوى طفلًا يحلم بحياة عادية، لكن مجتمعه قرر أن مظهره كافٍ لإعدامه. قُتل لأنه جميل، لأنه مختلف، لأنه لم ينطبق على معايير ذكورة مفروضة.

قصته يجب أن تُروى، لا لتأجيج الغضب، بل للدعوة إلى التغيير. من أجل أطفال آخرين، من أجل شباب يحلمون بحرية أن يكونوا من هم، يجب ألا تمر جريمة حمودي مرور الكرام.

الكرامة ليست خيارًا، بل حق. والمجتمع الذي يسمح بقتل المختلف هو مجتمع بحاجة إلى مواجهة نفسه.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.