في ثقافة مجتمعات الميم، تتداول العديد من المصطلحات التي تعبّر عن الهويات والأنماط الجسدية المختلفة، ومنها مصطلح “توينك” (Twink) الذي أصبح شائعًا في الأوساط الإعلامية والاجتماعية، خصوصًا بين الشباب المثليين.
ورغم انتشار الكلمة، إلا أن معناها الدقيق وتاريخها واستخداماتها المتعددة لا تزال تثير الجدل والنقاش.
في هذا المقال، نستعرض تاريخ مصطلح “توينك”، مواصفاته الشائعة، ودلالاته الثقافية، والإشكاليات المرتبطة به داخل وخارج مجتمعات الميم، مع إبراز السياق الاجتماعي الذي ساهم في انتشاره وتحوله من توصيف ساخر إلى أيقونة ثقافية حول العالم، ودخوله الثقافة العربية.
من هو الـ”توينك”؟ الخصائص العامة:
يشير مصطلح “توينك” عادةً إلى رجل، ويكون شاب أو شاب المظهر، يتميز بجسم نحيل، وأملس، وبشرة ناعمة، وملامح جذابة ولطيفة.
غالبًا ما يكون التوينك بلا شعر جسدي أو لحية، ويقع عمره النموذجي بين أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينيات.
يُنظر إلى “التوينك” في الثقافة العامة عند البعض على أنه نقيض للرجولة التقليدية المبالغ فيها (العضلات، والذكورة الخشنة، واللحية وشعر الجسد، إلخ).

ظهر هذا النموذج في آخر عقدين في مسلسلات مثل “Queer As Folk” و”Glee”، ومع نجوم مثل تيموثي شالاميه وتروي سيفان وجو لوك، الذين جسّدوا صورة “التوينك” في الإعلام.
الأصل التاريخي للمصطلح:
وفقًا لقاموس أكسفورد، استخدم مصطلح “توينك” لأول مرة في خمسينيات القرن العشرين، لكن جذوره قد تعود إلى كلمات إنجليزية أقدم مثل “twank”، التي كانت تستخدم للإشارة إلى رجال مثليين يعملون بالجنس التجاري.
إحدى النظريات الشائعة تفترض أن الكلمة مشتقة من الحلوى الأمريكية الشهيرة “توينكي أو توينكز في مصر والمنطقة ” (Twinkie) التي تعكس مظهرًا جذابًا ولينًا وأملسًا من الخارج.

انتقل المصطلح إلى التداول الأوسع في التسعينيات والألفية الجديدة، وبرز في الثقافة الشعبية وأدبيات مجتمع الميم، مثل كتاب وقاموس “Homolexis”.
كما أصبح المصطلح شائعًا على تطبيقات المواعدة مثل جرايندر Grindr، وفي المحتوى الإباحي والجنسي، مما ساهم في ترسيخ صورة معينة عن “جمال المثليين”.
توينك في الثقافة العربية:
غير معروف متى بدأ تعريب المصطلح ومعاملته على أنه لفظة عربية وتداوله على هذا النحو بين متحدثي اللغة العربية، مثل “التوينك” والجمع “توينكات” وغيرها من المشتقات المختلفة.
لكن يرجح أن تعريب وتداول المصطلح بمشتقات عربية ربما بدأ في عام 2015 مع انتشار الهواتف الذكية وتطبيقات المواعدة والمحتوى الكويري عبر المنصات المختلفة وإنطلاقة المنصات الكويرية والخاصة بمجتمعات الميم الناطقة بالعربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كما يوجد في اللغة العربية مصطلح يعتبر مكافئًا للفظة الإنجليزية “توينك” وهو “أمرد” والجمع “مُرْد” وهو الشاب الذي خلا وجهه وجسده من الشعر، وشاع المصطلح بشكل كبير في الشعر والأدب العربي وخاصةً في العصر العباسي (بين عام 750 م — وحتى عام 1258 م)، وأشهر من تغزل في المُرد هو الشاعر العباسي أبو نواس.
نِك ابنَ العمّة الأمرَدَ وابنَ الخالِ والخالَه
يشيد الشاعر أبو نواس بجمال نكاح الشاب المُرد حتى وإن كانوا من بني العمومة أو الخال والخالة. كما تطرق في شعره إلى ما شاع في مجتمعه من النفور من الشباب بمجرد ظهور الشعر على وجوهم وأجسادهم.
قالَ الوُشاةُ بَدَت في الخَدِّ لِحيَتُهُ
فَقُلتُ لا تُكثِروا ما ذاكَ عائِبُهُ
الحُسنُ مِنهُ عَلى ما كُنتُ أَعهَدُهُ
وَالشَعرُ حِرزٌ لَهُ مِمَّن يُطالِبُهُ
أَبهى وَأَكثَرُ ما كانَت مَحاسِنُهُ
أَن زالَ عارِضُهُ وَاِخضَرَّ شارِبُهُ
وَصارَ مَن كانَ يَلحى في مَوَدَّتِهِ
إِن سيلَ عَنّي وَعَنهُ قالَ صاحِبُهُ
يتغزل الشاعر أبو نواس في محبوبه، قائلاً أن الشعر الذي بدأ ينبت في خده لا يعيبه كما يقول الناس، وأن جماله يطغى على شعر وجهه، والذي يُبعد الرجال عنه، كونهم يفضلون الشباب المُرد.
حيث كان من الشائع آنذاك، أن الرجال يمارسون الجنس مع المُرد بشكل عادي، وكان المجتمع يقبل ذلك بشكل كبير، بينما ممارسة الجنس بين الرجال المشعرين لم تكون مقبولة مجتمعيًا بنفس الدرجة.
البعد الثقافي والانتقادات:
رغم أن مصطلح “توينك” قد يبدو بريئًا أو طريفًا، إلا أنه يحمل أبعادًا نقدية تتعلق بالعنصرية، ورهاب السِمنة وهي كراهية أصحاب الوزن الكبير، والمركزية البيضاء وهي الاعتقاد بأن البيض هم أساس الجمال.
دراسة نشرت عام 2008 حللت مجلات المثليين في التسعينيات، وجدت أن 97% من الصور كانت لرجال بيض، و73% منهم نحيفون بشكل ملحوظ، و98% بلا شعر جسدي — مما يعكس هيمنة صورة “التوينك الأبيض النحيف” على تصورات الجمال عند عدد كبير من المثليين، وهو ما يظهر تأثرًا بالمعايير الجمالية التي رسختها السينما والفنون حول الجسد والمظهر.
في عام 2017، أثار هاشتاغ #GayMediaSoWhite جدلاً واسعًا حول غياب التمثيل المتنوع في وسائل الإعلام المثلية والكويرية، وانتقد تمجيد الإعلام الغربي لنمط جسدي واحد، على حساب التنوع في الأجساد والأعراق والأنماط الجنسية المختلفة.
تروي سيفان، المغني والممثل الأسترالي، انتقد مؤخرًا استخدام مصطلح “توينك” من قبل الأشخاص غير المثليين على أنه سُبة أو إهانة.
وصرّح: “إذا كنت تقصد قول كلمة مهينة للمثليين واستخدمت بدلًا منها ‘توينك’، فهذا يبقى إساءة. إنها كلمتنا، ولا أظن أن الأشخاص المغايرين وخارج مجتمع الميم يجب أن يستخدموها بهذه الطريقة”.
أنواع التوينكات:
مع مرور الوقت، تطورت مفاهيم “التوينك” لتشمل أنواعًا متعددة مثل:
- توينك معضل (Twunk): يجمع بين المظهر النحيف والعضلات الواضحة، مثل توم هولاند.
- تجمع لفظة Twunk بين مصطلحين وهما Twink وHunk والتي تعني فحل معضل.

- توينك فيم/أنثوي (Femme Twink): رجل شاب نحيف يعبر عن نفسه بأسلوب غير تقليدي للجندر ويكون أنثوي.

هل “توينك” مصطلح مسيء؟
المصطلح لا يُعد شتيمة في الأصل، لكنه قد يُستخدم بطريقة مسيئة، خاصة عندما يُسقط خارج سياقه من قبل أشخاص غير مثليين.
ويمكن أن يحمل دلالات سلبية تتعلق بالسذاجة أو التشييء الجنسي أو حتى الطفولية.
ما هو “موت التوينك” (Twink Death)؟
عبارة ساخرة انتشرت على الإنترنت، وتشير إلى لحظة تجاوز الرجل لمرحلة “التوينك” (غالبًا بعد الثلاثين أو تغيّر في الجسم مثل نمو شعر الوجه والجسم)، وبدء فقدان الامتياز المرتبط بهذا النموذج الجمالي.
لكن في المقابل، استخدمها البعض للاحتفال بالتنوع وتحرير الجسد من المعايير النمطية.
الخلاصة حول مصطلح توينك:
يبقى مصطلح “توينك” من أكثر المصطلحات إثارة للجدل في ثقافة مجتمع الميم، حيث يجمع بين الاحتفاء بالشباب والنعومة والتحرر من أنماط الذكورة التقليدية، وبين الانتقادات المتعلقة بإقصاء الأجساد والأعراق المختلفة.
فهم هذا المصطلح يحتاج إلى وعي بالسياق، واحترام لهوية من يستخدمه، وانتقاد لما قد يحمله من تحيّزات.
وفي النهاية، فإن الجمال لا يُختزل في قالب، والحرية الجسدية جزء أصيل من نضال مجتمع الميم نحو العدالة والمساواة.