تصريحات إيجابية نادرة من نجمة مصرية
في خطوة نادرة وملفتة في المشهد الإعلامي المصري، صرّحت الفنانة سمية الخشاب خلال مقابلة تلفزيونية بأنها تعتبر المثلية الجنسية حرية شخصية، مؤكدة أن لديها أصدقاء من المثليين، وأن ميولهم لا تؤثر على نجاحهم أو عبقريتهم.
وقالت الخشاب خلال لقائها في برنامج “الفصول الأربعة” مع الإعلامي اللبناني علي ياسين: “فكرة المثلية دي حرية شخصية، أنا مقدرش أعلق على دا، وأنا عندي أصحاب كتير جدا، كل واحد يعني ممكن يكون عنده فكرة المثلية، لكن هو عبقري أو ذكي أو شاطر وناجح في حياته، دي حاجة خاصة، وأنا ماليش علاقة”.
دعم مهم للحريات الشخصية
تصريحات سمية الخشاب تُعدّ خطوة مهمة في دعم الحريات الفردية والاعتراف بوجود المثليين في المجتمع المصري والعربي.
كما تسلط الضوء على أن المثليين ليسوا استثناءً، بل هم جزء من النسيج الإنساني، يبدعون ويتميزون في مختلف المجالات كغيرهم من الأفراد.
لكن رغم أهمية هذه التصريحات، من الضروري تصحيح مفاهيم شائعة؛ فالمثلية الجنسية ليست “فكرة” أو “اتجاهًا فكريًا”، بل هي ميول جنسية طبيعية يولد بها الإنسان. الخلط بين الميول والأفكار يُستخدم غالبًا لتبرير العنف والاضطهاد ضد المثليين.
مقارنة بين تصريحات 2022 و2025: تغير حقيقي في موقف النجمة الصريح تجاه المثليين
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها سمية الخشاب عن المثلية الجنسية. ففي عام 2022، خلال لقائها مع الإعلامية أسماء إبراهيم على قناة “القاهرة والناس”، أبدت رأيًا مختلفًا تمامًا، إذ قالت: “المثليين كتروا وانتشروا بشكل غير طبيعي وكتير من الأفلام اللي بتتعمل على المنصات بشكل مش طبيعي بتتكلم عن الموضوع ده بشكل مش طبيعي”.
وعندما سُئلت عما إذا كانت ستؤدي دورًا لامرأة ذات “ميول غير طبيعية” (في إشارة إلى المثلية الجنسية)، أجابت: “لو في أمامي موضوع هادف وبيوجه الشباب الجديد لحاجات مينفعش يعملوها عشان منافية لعاداتنا وتقاليدنا وديننا أكيد هعملها… ممكن نتناول موضوع حساس زي المثليين من غير ما نجرح المشاهد، وتعتمد على مخرج شاطر وورق كويس”.
وأضافت: “تقدري تقوليله ابعد عن السكة دي، دي مش صح، الحلال كذا، والحرام كذا”.
هذا التصريح عام 2022 قوبل بانتقادات واسعة من جمهورها على الإنترنت، خاصةً بعد أن ردّت على أحد المتابعين ساخرة حين سألها عن سبب تصريحاتها المتناقضة مقارنة بمواقفها الداعمة على تويتر، وقالت حينها: “هقول إيه على قناة مصرية؟”، في إشارة إلى ضغوط الإعلام الرسمي في مصر عند تناول المواضيع المتعلقة بالمثلية الجنسية.
التصريحات المتناقضة بين 2022 و2025 تسلط الضوء على الضغوط الإعلامية والمجتمعية التي يواجهها الفنانون عند الحديث عن قضايا المثليين والترانس ومجتمع الميم أو التعبير عن آرائهم الشخصية والرغبة الطوعية أو الضغوط الخارجية لمسايرة التيار المحافظ.
كما يكشف كيف يمكن للفنانين والنجوم والشخصيات العامة أن تتبنى رأي ثابتًا رغم الضغوط والضوابط التي تُفرض عليهم بسبب مساءلة ودعم الجمهور وعند معرفة أن الجمهور ليس فقط المحافظين.
منذ فيلم “حين ميسرة”: سؤال لا ينتهي
منذ عرض فيلم “حين ميسرة” عام 2007، حين ظهرت فيه الفنانة غادة عبد الرازق في دور امرأة تحاول إغواء ناهد (التي لعبت دورها سمية الخشاب) لعلاقة حميمة، ورفضت الأخيرة قائلة: “كلكو طماعنين في جسمي، رجالة وستات؟”، وسمية الخشاب تتلقى نفس السؤال مرارًا وتكرارًا في كل ظهور إعلامي: هل تندمين على هذا الدور؟ وهل كنتِ ستؤدينه مرة أخرى؟
أليس من الغريب أن يظل المذيعون في مصر والمنطقة العربية يطرحون نفس السؤال منذ 2007 وحتى 2025؟ أليس التمثيل هو تجسيد شخصيات مختلفة؟ لماذا يجب على الفنانة والمذيعين أن يٌرضوا المحافظين الذين في الأصل يعارضون الفن والممثلين والإعلام؟
الدور الذي أظهر امرأة مثلية (غادة عبد الرازق) كان رغم تمثيله السلبي، علامة فارقة في السينما، حيث سعت الشخصية إلى علاقة دون موافقة ناهد، وعندما رفضت، أهانتها واختزلتها في جسدها فقط.
ورغم مرور سنوات، لا تزال النجمتان تواجهان أسئلة وتعليقات هجومية من الإعلاميين والصحفيين والجمهور، الذين تغلب عليهم النزعة الذكورية والنظرة الجنسية للمثليات والعلاقات بين النساء.
دور المشاهير في دعم حقوق المثليين ومجتمع الميم
في منطقة تعاني من ارتفاع وتيرة الكراهية والعنف ضد المثليين والترانس ومجتمع الميم، تلعب الشخصيات العامة دورًا محوريًا في كسر حاجز الصمت والخوف والتوعية بأهمية التعايش السلمي واحترام الآخر ووقف العنف والاضطهاد على أساس الهوية.
حين يعلن فنان أو فنانة عن موقف داعم لحقوق المثليين، فإن ذلك لا يمنح فقط الأمل لمجتمع المثليين في بلد الفنان، بل يُحدث صدى في المنطقة بأكملها، بل والعالم.
تجربة سمية الخشاب قد تفتح المجال لفنانين آخرين للتعبير عن مواقفهم بدون خوف من الترهيب المجتمعي أو الإعلامي، كونهم يعرفون أن جميع الناس يستحقوق العيش في أمان وسلام وحرية دون كراهية ورفض وعنف وتنكيل وقتل.
الإعلام والنهج الإشكالي في تناول المثليين
من الجدير بالذكر أن الإعلامي علي ياسين، مقدم برنامج “الفصول الأربعة” على قناة الجديد اللبنانية، طرح موضوع المثلية بأسلوب يوحي بأن الموضوع محل جدل أخلاقي، لا حقيقة إنسانية طبيعية.
هذا النهج الإعلامي ليس جديدًا، إذ تلجأ بعض البرامج في لبنان والمنطقة إلى تصوير المثلية كـ”ظاهرة دخيلة”، وغالبًا ما تُستخدم أسئلة استفزازية بهدف إحراج الضيوف.
في هذه المقابلات، يتم تقديم الميول الجنسية المثلية الطبيعية والمثليين على أنهم مادة للمواجهة وليس منطلقًا لفهم الواقع أو لتسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها الأفراد المثليين في حياتهم اليومية من عنف، وكراهية، إقصاء، وتحريض، وسجن، وقتل.
أهمية تغيير الخطاب الإعلامي
بدلاً من تصوير المثلية والمثليين على أنهم خطر أو موضوع مثير للجدل والمشاهدات، ينبغي للإعلام العربي أن يستخدم منصاته لإبراز التحديات التي يواجهها المثليين والترانس ومجتمع الميم، بما في ذلك:
- غياب الحماية القانونية.
- العنف الأسري والمجتمعي.
- الاضطهاد السياسي والديني.
- السجن والتنكيل.
- وصمة العار في أماكن العمل والتعليم والرعاية الصحية.
- القتل والعنف والتعذيب والعنف الجسدي.
تسليط الضوء على هذه القضايا يمكن أن يُحدث تغييرًا حقيقيًا في وعي الجمهور، ويساهم في خلق بيئة أكثر إنصافًا ويساهم في وقف الكراهية والعنف ضد المثليين والترانس ومجتمع الميم.
الخطوة التالية: من التصريحات إلى التغيير
تصريح سمية الخشاب، رغم بساطته، هو تذكير بأهمية المواقف العلنية في دعم المجتمعات المهمشة. لكن المطلوب الآن هو المزيد من الشجاعة من قبل الشخصيات العامة والمؤسسات الإعلامية لتبني خطاب أكثر عدالة وشمولًا.
من خلال توعية الجمهور، وتشجيع الحوار المفتوح، وتفكيك الصور النمطية، يمكن للإعلام والفن أن يكونا أدوات تغيير حقيقية في سبيل حقوق الإنسان، وكرامة كل فرد، مهما كانت هويته أو ميوله الجنسية.