في منطقتنا والعالم، لا تزال خرافة “العلاج التحويلي” أو “التعافي من المثلية” تُستخدم كسلاح لإخضاع والتنكيل وتعذيب الأفراد المثليين والكويريين، رغم أن العلم والمجتمع الطبي والدولي حسموا الأمر منذ عقود: لا وجود لمرض اسمه المثلية.
ما يُقدَّم على أنه “علاج” ليس سوى قمع وتدمير للهوية، يخلّف وراءه جروحًا نفسية وجسدية قد تمتد لمدى الحياة.
لكن السينما لم تقف صامتة. من قاعات المهرجانات الكبرى إلى إنتاجات مستقلة وجريئة من منطقتنا، صوّرت الكاميرا قصصًا حقيقية وخيالية تمزّق القناع عن هذه الممارسات وتفضح عنفها.
الأفلام التالية ليست مجرد أعمال فنية؛ إنها شهادات بصرية، وذاكرة مقاومة، وصوت يقول بوضوح: نحن لسنا بحاجة لعلاج لأننا لسنا مرضى… نحن بحاجة لقبول وتفهم وتواصل وأن يتحمل الجميع المسؤولية وينبذ الرفض والكراهية والعنف.
Pray Away (صلِّ لله كي يشفيك من مثليتك)

سنة الإصدار: 2021
النوع: وثائقي
قصة الفيلم:
في سبعينيات القرن الماضي، انشق خمسة إنجيليين عن كنائسهم ليؤسسوا منظمة Exodus International، وهي أكبر حركة دينية في الولايات المتحدة روّجت لعقود طويلة أن المثلية يمكن “شفاؤها” بالصلاة والعلاج التحويلي أو “التعافي من المثلية”.
يتنقّل الفيلم بين أرشيف نادر وشهادات حيّة، ليكشف كيف تحولت تلك المبادرة الصغيرة إلى مؤسسة ضخمة، وكيف استندت إلى وعود زائفة سببت جروحًا عميقة في حياة آلاف الأشخاص.
تظهر أمام الكاميرا شهادات قادة سابقين عاشوا حياة مزدوجة — قادة على المنصات و”ضحايا” في الخفاء — قبل أن ينهاروا تحت ثقل التناقض، ويخرجوا علنًا للاعتراف بمثليتهم وللاعتذار عن الألم الذي ألحقوه بغيرهم.
يُبرز الوثائقي أيضًا قصص ناجين وناجيات واجهوا سنوات من القمع الداخلي والعنف النفسي وهم يحاولون أن يكونوا “مغايرين”، قبل أن يجدوا القوة ليعودوا إلى حقيقتهم.
كيف يفنّد الخرافة؟
يُظهر الفيلم بوضوح أن الهوية الجنسية ليست مرضًا يُشفى ولا خطيئة تُمحى، بل حقيقة إنسانية ثابتة. الاعترافات الصادمة التي يقدّمها قادة Exodus أنفسهم تفضح الوهم: الميول لا تختفي، بل ما يترتب على هذه الممارسات هو الاكتئاب، الانكسار، وأحيانًا التفكير بالانتحار.
أين يُعرض؟
متاح للمشاهدة على نتفليكس مع ترجمة عربية، ما يتيح وصوله إلى جمهور واسع في المنطقة.
ملاحظات إضافية:
عُرض لأول مرة في مهرجان تريبيكا السينمائي عام 2021، وتولّى الإنتاج التنفيذي ريان مورفي وجايسون بلوم، مما عزز حضوره العالمي وحوّله إلى مرجع بصري ودليل قوي ضد خرافة العلاج التحويلي والتعافي من المثلية.
Fair Haven (الملاذ الآمن)

سنة الإصدار: 2016
النوع: دراما مستقلة
قصة الفيلم:
بعد أن قضى جيمس فترة في مركز نفسي يدّعي علاج المثلية، يعود إلى منزل طفولته ومزرعة والده ريتشارد المعروف بجموده العاطفي.
يهوى جيمس العزف على البيانو ويحلم بمتابعة دراسته في الموسيقى، لكن والده يضغط عليه للتخلي عن حلمه والانخراط في أعمال المزرعة.
وسط هذا الصراع العائلي، يظهر من جديد تشارلي العشيق السابق لجيمس، الذي يحاول أن يساعده على التحرر من قيود العائلة ومخاوف الماضي ليشق طريقه الخاص ويستعيد ذاته وحلمه الموسيقي.
كيف يفنّد الخرافة؟
يوضح الفيلم أن محاولات “التغيير” لا تقتل الميول المثلية، بل تزرع صراعًا داخليًا طويل الأمد. الحل لا يكمن في القمع أو الاستسلام، بل في المصالحة مع الذات واختيار طريق أصيل.
أين يُعرض؟
غير متاح على أي منصة في المنطقة ولكنه مترجم إلى اللغة العربية من معمل إبدال للغة والترجمة الكويرية.
ملاحظات إضافية:
أخرجته كيرستين كارلهوبر، ووصفته Los Angeles Times بأنه معالجة مؤثرة وهادئة لموضوع حساس، بعيدًا عن الميلودراما المفرطة.
But I’m a Cheerleader (لكنني مشجّعة رياضية للرجال)

سنة الإصدار: 1999
النوع: كوميديا سوداء/ساخرة (Satire / Camp)
قصة الفيلم:
تبدو “ميغان” فتاة أمريكية مثالية: متفوقة دراسيًا، ضمن فريق التشجيع، ولها حبيب لاعب كرة قدم. لكن شيئًا ما لا يكتمل — فهي لا تشعر بالانجذاب نحوه كما تشعر بانجذاب خفي نحو الفتيات. عندما تلتقط عائلتها إشارات ميولها، يقرر والداها إرسالها إلى معسكر True Directions، مؤسسة تزعم أنها قادرة على “تصحيح” الميول الجنسية بخمس خطوات بسيطة تعيد الجميع إلى “الطريق المستقيم”.
داخل هذا العالم الكرتوني المبالغ فيه، حيث يُفرض على الفتيات والفتيان لعب أدوار جندرية قاسية وساذجة، تلتقي ميغان بــ”غراهام”، فتاة متمردة لا تخفي مثليتها.
بين الجدران الملوّنة والأوامر الصارمة، تنشأ علاقة حب صادقة، وتتحول رحلة “العلاج” إلى لحظة اكتشاف للذات ومقاومة للوصم.
كيف يفنّد الخرافة؟
الفيلم يستخدم الكوميديا السوداء والسخرية الحادة ليكشف عبثية البرامج التي تهدف إلى التعافي من المثلية، ويُظهر أن محاولات محو الهوية ليست سوى كاريكاتير اجتماعي ينهار أمام قوة الحب والصدق مع النفس.
أين يُعرض؟
الفيلم غير متاح حاليًا على منصات البث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكنه متوافر عالميًا مع ترجمة عربية من معمل إبدال للغة والترجمة الكويرية يمكن العثور عليها عبر الإنترنت.
ملاحظات إضافية:
واجه جدلًا رقابيًا عند إصداره بسبب جرأته، لكنه مع مرور السنوات تحوّل إلى فيلم أيقوني يُحتفى به كأحد كلاسيكيات السينما الكويرية. ألهم أجيالًا من المشاهدين/ات الذين وجدوا فيه صورة ساخرة لكن محرِّرة عن هوياتهم.
Boy Erased (محو الفتى)

سنة الإصدار: 2018
النوع: دراما سيرة ذاتية مبنية على قصة حقيقية
قصة الفيلم:
مبني على مذكرات غارارد كونيلي الصادرة عام 2016، يروي الفيلم قصة شاب من عائلة مسيحية محافظة يُجبر على الالتحاق ببرنامج Love in Action، أحد أشهر معسكرات ما يُسمى بـ”العلاج التحويلي” أو “التعافي من المثلية” في الولايات المتحدة. داخل هذا البرنامج، يواجه ضغوطًا نفسية شديدة وأساليب مهينة تهدف إلى محو هويته، ليجد نفسه أمام صراع قاسٍ بين رضوخ العائلة والاعتراف بذاته الحقيقية.
كيف يفنّد الخرافة؟
الفيلم يبرهن أن ما يُسمى بالعلاج التحويلي/التعافي من المثلية ليس علاجًا، بل ممارسة قمعية تُسبب صدمات طويلة الأمد. من خلال قصة مبنية على تجربة واقعية، يوضح أن الهوية الجنسية لا تُمحى، بينما الثمن يُدفع من صحة وكرامة الأفراد.
أين يُعرض؟
غير متوفر للمشاهدة عبر منصات البث في المنطقة ولكن الترجمة العربية متاحة عبر الإنترنت.
ملاحظات إضافية:
الفيلم مقتبس من كتاب Boy Erased: A Memoir (2016) لغارارد كونيلي، الذي قدّم فيه شهادته كناجٍ من أحد أكبر برامج العلاج التحويلي في أميركا. الكتاب أثار ضجة عند صدوره، واعتُبر وثيقة مهمة في فضح صناعة كاملة قائمة على الوصم واستغلال معاناة المثليين وأفراد مجتمع الميم بسبب الرفض والكراهية.
جويل إدجرتون اقتبس القصة باحترام، مع تعديل بعض التفاصيل مثل تحويل اسم المؤلف إلى “جاريد إيمونز” ليكون الشخصية الرئيسية في الفيلم، مما سمح بإبراز الصراع بين الدين، والعائلة، والهوية بشكل سينمائي مؤثر.
على مستوى الإنتاج، تولى إدجرتون الكتابة والإخراج وشارك في الإنتاج مع كيري كوهانسكي روبرتس وستيف غولن، ما أتاح للفيلم ميزانية مناسبة وتوزيعًا عالميًا عبر شركة Focus Features.
Lilies Not for Me (الزنابق ليست لي)

سنة الإصدار: 2024 (إصدار رقمي 2025)
النوع: دراما تاريخية رومانسية مع عناصر رعب نفسي
قصة الفيلم:
يأخذنا الفيلم إلى إنجلترا في عشرينيات القرن الماضي، حيث يُجبر شاب مثلي على دخول مؤسسة طبية تدّعي أنها قادرة على “معالجته” عبر ما يسمى بالعلاج التحويلي/التعافي من المثلية.
هناك، يتعرض لتجارب قاسية كالإخصاء وزرع الخصى، وهي ممارسات واقعية وموثقة في أوروبا أوائل القرن العشرين، حين اعتُبرت المثلية “مرضًا جسديًا” يجب استئصاله.
وسط هذه العلاجات الوحشية، تنشأ علاقة حب سرية تضع البطل أمام خيار مستحيل: الخضوع لما يفرضه المجتمع أم التمسك بحقيقته مهما كان الثمن.
كيف يفنّد الخرافة؟
من خلال استعادة تاريخ طبّي قمعي، يكشف الفيلم أن ما سُمي يومًا “علاجًا” لم يكن سوى تجارب عنيفة وانتهاكات ممنهجة، وأن النتيجة لم تكن سوى الألم والمعاناة.
أين يُعرض؟
عُرض لأول مرة في مهرجان إدنبرة السينمائي الدولي 2024، وتوفر عبر VOD في 2025. غير متاح حاليًا في المنطقة ولا توجد ترجمات عربية له.
ملاحظات إضافية:
هذا الفيلم هو أول تجربة إخراج طويلة لويل سيفريد، الذي كتب السيناريو أيضًا. استند في بحثه إلى تاريخ حقيقي من الممارسات “العلاجية” الوحشية في أوروبا، مثل الإخصاء الجراحي القسري في ألمانيا النازية، وتجارب زراعة الخصى من رجل مغاير للرجال المثليين بهدف تغيير الميول الجنسية المثلية، وحتى الإخصاء الكيميائي كما حدث مع آلان تورنغ في بريطانيا.
أراد المخرج أن يربط هذه الحقبة المظلمة بتجربة شخصية معاصرة، موضحًا كيف أن رسائل “أنت مريض ويجب أن تتغير” استمرت عبر الأجيال وأثرت في حياة أشخاص حتى ضمن بيئات داعمة.
واستوحى عنوان الفيلم من قصيدة Poppies التي يقرأها البطل لحبيبه: “Lilies, lilies not for me…” (الزنابق ليست لي). في القصيدة، الزنابق ترمز إلى الطهارة الدينية المفروضة، بينما يطلب الشاعر زهور الخشخاش الحمراء والبيضاء لتخدير الألم ونسيان المعاناة.
إدخال هذه القصيدة يضيف بعدًا شعريًا يوازي الدراما التاريخية، ويجسّد ببلاغة الصراع بين “قداسة” المجتمع التي تريد محو الفرد، ورغبة البطل في حب حقيقي حتى لو كان الثمن الفناء.
وقد وصف النقاد الفيلم بأنه “جميل ومرعب في آن واحد”، لأنه يجمع بين الرومانسية والشعر من جهة، وبين تاريخ عنيف من القمع المؤسسي من جهة أخرى.
The Miseducation of Cameron Post (التعليم المضلّل لكاميرون بوست)

سنة الإصدار: 2018
النوع: دراما النضج والبلوغ (Coming-of-age)
قصة الفيلم:
يعود بنا الفيلم إلى أوائل التسعينيات في الولايات المتحدة، حيث تجد مراهقة نفسها في معسكر ديني يُسمى God’s Promise بعد أن تُفتضح علاقتها السرية.
هناك، تُعامل المثلية على أنها خطيئة يمكن محوها من خلال جلسات علاجية صارمة، بينما يُطلَب من المراهقين والمراهقات “التوبة” والالتزام بتعاليم دينية صارمة.
كاميرون، البطلة، تُحاول التكيف وسط هذا القمع، لكنها تلتقي بشباب آخرين يشاركونها تجربتها، لتبدأ معًا رحلة صغيرة من الوعي والمقاومة.
كيف يفنّد الخرافة؟
الفيلم يفضح أسلوب مؤسسات العلاج التحويلي/التعافي من المثلية التي تدّعي إصلاح الهوية. عبر مشاهد إنسانية بسيطة، يُظهر أن هذه البرامج لا تُنتج سوى القلق والكسور النفسية، بينما قوة النجاة الحقيقية تكمن في التضامن والاعتراف بالذات.
أين يُعرض؟
غير متوفر للمشاهدة عبر منصات البث في المنطقة ولكن الترجمة العربية متاحة عبر الإنترنت.
ملاحظات إضافية:
مبني على رواية إميلي دانفورث (2012)، وأخرجته دزيري أخافان التي كتبت السيناريو بالاشتراك مع سيسيليا فروغيويلي.
بدأ تصويره عام 2016 في ولاية نيويورك، وعُرض عالميًا لأول مرة في مهرجان صاندانس 2018 حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى لأفضل دراما أميركية — وهي أعلى جوائز المهرجان.
كما عُرض لاحقًا في مهرجانات مرموقة مثل تريبيكا. حظي الفيلم بإشادة نقدية واسعة؛ إذ حصل على تقييم 86% على موقع Rotten Tomatoes، وأثنى النقاد على أسلوبه الذكي الممزوج بالتعاطف والروح الإنسانية.
Rupture Divine (ذاكرة جسد)

سنة الإصدار: 2018
النوع: فيلم قصير/دراما نفسية
قصة الفيلم:
يحكي الفيلم قصة “مايا”، شابة لبنانية تُجبرها والدتها على الخضوع لعلاج بالصدمات الكهربائية بعد اكتشاف علاقتها الكويرية مع “دانا”. تحت وطأة العنف الجسدي والنفسي، تبدأ مايا بالهلوسة واسترجاع ذكريات مرتبطة بحبها، ليتحوّل جسدها إلى ساحة صراع بين القمع الخارجي وصوتها الداخلي الباحث عن الحرية. الفيلم يضع المُشاهد مباشرة أمام وحشية العلاج التحويلي/التعافي من المثلية عندما يُمارس على الجسد.
كيف يفنّد الخرافة؟
بأسلوب بصري قاسٍ ومباشر، يُظهر الفيلم أن محاولات “علاج” المثلية عبر العنف الجسدي ليست سوى شكل من أشكال التعذيب.
من خلال التركيز على الصدمات الكهربائية، يفضح الفيلم كيف تتحوّل هذه الممارسات إلى أدوات إذلال وتدمير للنفس بدلًا من أي “علاج”.
أين يُعرض؟
يمكن مشاهدة الفيلم عبر موقع المخرجة الرسمي:
(الفيلم متوفر بالعربية مع ترجمة إنجليزية).
ملاحظات إضافية:
الفيلم من إخراج ملاك مروة، ويُعدّ من التجارب السينمائية الجريئة في لبنان التي تطرّقت مباشرة إلى موضوع العلاج التحويلي/التعافي من المثلية.
بفضل مدته القصيرة وكثافته البصرية، أصبح “ذاكرة جسد” جزءًا من ذاكرة سينمائية توثّق العنف الذي يتعرض له مجتمع الميم في المنطقة. النقاد اعتبروه عملًا صادمًا وحساسًا في الوقت نفسه، لأنه يضع الاضطهاد في قلب الشاشة دون مواربة.
من الوثائقيات الأميركية إلى الدراما اللبنانية القصيرة، ومن الكوميديا الساخرة إلى الأعمال التاريخية، تثبت هذه الأفلام حقيقة واحدة: لا يمكن محو الهوية، بل يمكن فقط تدمير الأرواح حين يُفرض الإنكار بالقوة.
هذه الأعمال تذكّرنا بأن ما يُسمى بالعلاج التحويلي/التعافي من المثلية ليس سوى تعذيب مغلف بلغة الدين أو الطب، وأن الأمل الحقيقي يولد من التضامن، والاعتراف، والحب.
بالنسبة للمثليين ومجتمع الميم في المنطقة، هذه الأفلام ليست مجرد قصص على الشاشة؛ إنها مرايا لآلامنا، وأدوات للتعليم والتوثيق، ورسائل أمل تؤكد أن وجودنا شرعي، وأن كرامتنا غير قابلة للتفاوض.