منذ بداياته، اشتهر كونان جراي (Conan Gray) بقدرته على تحويل مشاعره الشخصية إلى سرديات موسيقية تمسّ جمهورًا واسعًا.
أغنيته This Song (هذه الأغنية) التي أصدرها في مايو 2025 كانت أول اعتراف صريح بالحب المثلي في كتالوجه الفني، وقد تناولناها سابقًا كمحطة فارقة في مسيرته.
لكن مع The Wishbone Trilogy (ثلاثية ويشبون/عظمة الترقوة)، يقطع كونان شوطًا جديدًا: ليس مجرد أغنية منفردة، بل مشروع بصري موسيقي يمتد لثلاثة فصول (This Song «هذه الأغنية»، Vodka Cranberry «فودكا بالتوت البري»، Caramel «كراميل»)، صُوِّر كفيلم قصير مدته 13 دقيقة، ليقدّم للجمهور تجربة كاملة عن قصة حب بين شابين، بحلاوتها ومرارتها.

سردية متتابعة: من الوميض الأول إلى النهاية المفتوحة
تبدأ الثلاثية بفصل أول هو This Song (هذه الأغنية): لقاء صيفي بريء بين ويلسون (يجسده كونان) وبراندو (Corey Fogelmanis – كوري فوغيلمانيس).

الكاميرا تتبع خطواتهما في حقول خضراء وبيوت صغيرة في تكساس، حيث يتحول الخجل إلى حب معلن بلحظة غروب وقبلة رومانسية. كان ذلك بمثابة إعلان ولادة علاقة جديدة.
لكن الفصل الثاني Vodka Cranberry (فودكا بالتوت البري) يغيّر النبرة جذريًا. الألوان تصبح أكثر برودة، الكاميرا أكثر قربًا، والحب الذي بدا صادقًا يتصدّع أمام الغيرة والخيانة والخذلان. هنا يختبر المشاهد الصدمة نفسها التي عبّر عنها كثيرون على يوتيوب:
“أحببت كيف جعلنا كونان نعتقد أنه وجد الحب، ثم مزّق قلوبنا في الجزأين الثاني والثالث.”

أما Caramel (كراميل) فيأتي كخاتمة حزينة ـ حلوة، حيث يلتقي الحبيبان مرة أخيرة في مشاهد وداع هادئة، تختلط فيها العاطفة بالمرارة. النهاية ليست مأساوية بالكامل ولا سعيدة، بل مفتوحة مثل واقع الكثير من العلاقات التي تتأرجح بين الأمل والانكسار.

جمالية الصورة: ألوان، رموز، وحركة كاميرا
إخراج Danica Arias Kleinknecht (دانـيكا أرياس كلاينكنِخت) أضفى على الثلاثية هوية بصرية واضحة. نلاحظ:
- الألوان: انتقال متدرّج من الأصفر والبرتقالي في This Song (هذه الأغنية) – رمز البدايات والدفء – إلى الأزرق البارد في Caramel (كراميل) – رمز الفقد والابتعاد.
- الزمن والمكان: استخدام ضوء الغروب، البيوت الريفية، والحقول المفتوحة في تكساس كرمزية لبراءة البدايات.
- الكاميرا: لقطات واسعة وهادئة في البداية تتحول إلى قريبة وسريعة في لحظات الانهيار، كأن العدسة نفسها تعكس اضطراب العلاقة.

العنوان Wishbone (ويشبون): خلفيته الثقافية
اختار كونان جراي أن يطلق على الألبوم Wishbone (عظمة الترقوة)، وهو اسم مأخوذ من تقليد شعبي موجود في الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية. في هذا التقليد، يأخذ شخصان عظمة الترقوة على شكل “Y” من الديك الرومي أو الدجاجة بعد طهيها، ويشدّها كل واحد من طرف. من يحصل على الجزء الأكبر يُقال إنه يربح الأمنية التي تمناها في صمت.
في الثقافة الأميركية يُنظر إلى لعبة Wishbone على أنها طقس عائلي أو احتفالي مرتبط غالبًا بوجبات عيد الشكر أو الأعياد. لكنها أيضًا تحمل معنى رمزي: أن الأمنيات ليست متاحة للجميع، وأن هناك دائمًا خاسر ورابح.

حين يستخدم كونان هذا الرمز عنوانًا للألبوم والثلاثية، فهو لا يقصد مجرد لعبة تقليدية، بل يشير إلى الرغبات والأحلام الكويرية التي كثيرًا ما تُجهَض أو تُكسر بفعل المجتمع أو الظروف. هذا المعنى الرمزي يتجاوز حدود الثقافة الأميركية، ليكون مفهومًا عالميًا: الأمنيات التي لا تتحقق، أو الحب الذي ينتهي قبل أوانه.
من الغناء إلى السينما: كونان كراوٍ بصري
ما يميّز The Wishbone Trilogy (ثلاثية ويشبون) هو أنها لا تكتفي بالأغنية، بل تمزجها بالسينما لتخلق تجربة وجدانية كاملة. هنا لا نسمع فقط، بل نرى ونعيش القصة. اختيار كونان أن يجسّد شخصية رئيسية بنفسه، إلى جانب Corey Fogelmanis (كوري فوغيلمانيس)، يعكس رغبة في أن يكون الحضور الكويري شخصيًا وملموسًا، لا مجرد رمز أو تلميح.

الجمهور الكويري خصوصًا تفاعل بقوة مع الثلاثية، معبّرين عن خليط من الإعجاب والألم.
في سياق أوسع: التمثيل الكويري في البوب
كما أشرنا في مقالتنا السابقة، يظل تمثيل العلاقات المثلية في الفيديوهات الموسيقية محدودًا وغالبًا ما يُقدَّم بشكل رمزي أو غير مباشر. ما يفعله كونان جراي هنا مختلف: ثلاثية تعرض علاقة مثلية بكل تفاصيلها — بداية، صراع، ونهاية — بدون خوف من الوضوح.

هذا الوضوح يكتسب أهمية إضافية في المنطقة العربية، حيث تُمنع عادةً مثل هذه المشاهد من الوصول للجمهور. ومع ذلك، فإن انتشار هذه الأعمال عبر الإنترنت يتيح لشباب كويري عربي فرصة لرؤية قصصهم تمثَّل بصدق على الشاشة العالمية.
عن صُنّاع العمل وتفاصيله
وقف خلف The Wishbone Trilogy (ثلاثية ويشبون) فريق سينمائي متكامل أعطى المشروع طابعه الخاص.
الإخراج حمل توقيع Danica Arias Kleinknecht (دانـيكا أرياس كلاينكنِخت)، وهي مخرجة شابة برزت في أعمال بصرية موسيقية سابقة، وتمكنت هنا من صياغة قصة رومانسية مثلية بأسلوب بصري متماسك.
شارك في البطولة المغني Conan Gray (كونان جراي) بنفسه بدور “ويلسون”، إلى جانب الممثل الأميركي Corey Fogelmanis (كوري فوغيلمانيس) المعروف من أعمال شبابية تلفزيونية، والذي أدى شخصية “براندو”. هذا الاختيار منح القصة صدقية أكبر، إذ بدا التمثيل قريبًا من الواقع أكثر منه أداءً مصطنعًا.

تولّى التصوير مدير التصوير Mika Altskan (ميكا ألتسكان)، الذي اعتمد على الضوء الطبيعي وألوان متدرجة لتجسيد الانتقال من دفء البدايات إلى برودة الانكسار. أما المونتاج فكان من عمل Alexander Farah (ألكسندر فراه)، الذي استخدم إيقاعات بصرية متقطعة لزيادة التوتر في الفصل الثاني، ثم العودة إلى إيقاع أبطأ وأكثر تأملاً في الخاتمة.
أُنتجت الثلاثية بواسطة شركات Iconoclast (آيكونوكلاست) وSide Label (سايد ليبل) وBigKid.tv (بيغ كِد تي في)، وصُوّرت بالكامل في مدينة Georgetown, Texas (جورج تاون – تكساس)، في أماكن مفتوحة وبيوت صغيرة تضيف حسّ الحميمية والواقعية. وقد جاءت النتيجة فيلمًا قصيرًا مدته 13 دقيقة و33 ثانية، يتجاوز حدود الفيديو الموسيقي التقليدي ليقترب من السينما المستقلة.
أكثر من فيديو موسيقي
مع The Wishbone Trilogy (ثلاثية ويشبون)، يثبت كونان جراي أنه لا يكتفي بكتابة أغنيات مؤثرة، بل يصنع عوالم بصرية تعكس تجارب الكويريين كما هي: جميلة، وصعبة، ومعقّدة. إذا كانت This Song (هذه الأغنية) لحظة ولادة رومانسية، فإن الثلاثية بأكملها هي خريطة لحياة حب كاملة.
بالنسبة لجيل كامل من الشباب الكويري في العالم والمنطقة العربية، يمثل هذا المشروع أكثر من مجرد عمل فني. إنه مساحة اعتراف: نحن موجودون، نحب، ونستحق أن تُروى قصصنا.