القرش المرقط

العلماء يرصدون علاقة جنسية ثلاثية بين ذكرين وأنثى من أسماك القرش المرقط

في اكتشاف نادر وغير مسبوق في تاريخ علم الأحياء البحرية، تمكن فريق من العلماء في أستراليا من توثيق أول حالة مسجلة لـ تزاوج ثلاثي بين أسماك القرش المرقط (Leopard Sharks)، حيث شارك ذكران وأنثى في علاقة جنسية جماعية قصيرة لكنها مثيرة للاهتمام العلمي.

أثناء الغوص قرب سواحل كاليدونيا الجديدة، وهي إقليم فرنسي يقع في جنوب غرب المحيط الهادئ، لاحظ الدكتور هوجو لاسوس (Hugo Lassauce) من جامعة صن شاين كوست Sunshine Coast, في أستراليا سلوكًا غير معتاد لثلاثة من أسماك القرش. يقول الباحث في تصريحات نُشرت حول الحادثة:

“فكرت بأن شيئًا استثنائيًا على وشك الحدوث، فبقيت في موقعي ومعي كاميرات GoPro لتوثيق اللحظة. وبعد ساعة من المراقبة، حدث الأمر أخيرًا.”

الفيديو الذي التُقط أظهر عملية تزاوج شملت تمركزًا مطوّلًا، إمساك الذكور بزعانف الأنثى وذيلها، وحركات دفع واضحة، إضافة إلى استخدام “الأعضاء الجنسية” الخاصة بالذكور والمعروفة بـ claspers. ورغم قصر مدة التفاعل، فإن العلماء وصفوا الحدث بأنه مثير ومليء بالمعطيات الجديدة.

بعد انتهاء العملية، بدا الذكران منهكين، مستلقيين بلا حركة في قاع البحر، فيما غادرت الأنثى المكان بنشاط. يوضح الدكتور لاسوس:

“فقد الذكور كل طاقتهم تقريبًا وظلوا ساكنين، بينما واصلت الأنثى السباحة بحيوية.”

الحدث أثار حماس فريق البحث إلى درجة أنهم لم يتمالكوا أنفسهم عن الهتاف والتشجيع، خاصة وأن توثيق مثل هذا السلوك في كائن بحري مهدد بالانقراض يُعدّ سابقة علمية.

أهمية البحث في حفظ الأنواع

البروفيسورة كريستين دوجدون (Christine Dudgeon)، وهي مشاركة في الدراسة التي بُني عليها هذا الاكتشاف، أكدت أن ما جرى رصده قد يساعد مستقبلًا في تطوير أبحاث التلقيح الصناعي لأسماك القرش المرقط. تقول:

“من منظور التنوع الجيني، نريد أن نفهم كم عدد الآباء الذين يساهمون في البيوض التي تضعها الإناث سنويًا. رؤية ذكرين يشاركان في التزاوج التسلسلي أمر مفاجئ ومثير للغاية.”

إضافة إلى القيمة العلمية، يسلط هذا الاكتشاف الضوء على مدى تنوع السلوكيات الجنسية في عالم الحيوانات البحرية، وكيف يمكن أن تختلف عن الصورة التقليدية للتزاوج الثنائي.

كثير من الدراسات الحديثة في علم السلوك الحيواني أوضحت أن العلاقات المعقّدة والمتعددة شائعة في مملكة الحيوان، سواء عند الطيور أو الثدييات أو حتى الكائنات البحرية.

المثلية والتنوع الجنسي في الطبيعة: من القرش إلى البطريق

الظاهرة التي رُصدت لدى أسماك القرش المرقط ليست استثناءً في الطبيعة. فالأبحاث العلمية وثقت سلوكيات جنسية مثلية وجماعية لدى أنواع مختلفة من الكائنات:

  • الدلافين مثلًا معروفة بانخراطها في تفاعلات جنسية بين الذكور لأغراض اجتماعية، تتجاوز مجرد التكاثر.
  • طيور البطريق شهدت مستعمراتها تكوين أزواج مثلية من الذكور والإناث على حد سواء، وغالبًا ما تتبنى هذه الأزواج بيضًا أو فراخًا لرعايتها.
  • حتى في بعض أنواع الأسماك الأخرى، رُصدت أنماط من التزاوج الجماعي أو العلاقات التي لا تقتصر على ذكر وأنثى فقط.

هذه المشاهدات تعكس أن التنوع الجنسي والسلوكي جزء أصيل من الطبيعة، وأن مفاهيم مثل التعددية والاختلاف ليست غريبة على الكائنات الحية.

بالنسبة للعلماء، فإن دراسة هذه الظواهر تساعد على فهم استراتيجيات البقاء والتكيف، بينما بالنسبة للمجتمع الكويري تمثل دليلًا إضافيًا على أن التنوع في الميول والسلوكيات ليس “ضد الطبيعة” كما يروّج الخطاب المحافظ، بل هو جزء من الحياة على هذا الكوكب.

من قاع المحيط الهادئ، خرجت للعالم قصة قصيرة لكن ذات صدى كبير في المجتمع العلمي: ثلاثة من أسماك القرش المرقط يكتبون فصلًا جديدًا في دراسة السلوك الحيواني.

وبينما يواصل العلماء تحليل النتائج وربطها بجهود الحماية والتكاثر الاصطناعي، تبقى هذه اللحظة مثالًا آخر على أن الطبيعة مليئة بالمفاجآت التي تعيد صياغة فهمنا للحياة والتنوع البيولوجي، وتؤكد أن التنوع الجنسي ليس استثناءً بل قاعدة أعمق في بنية الحياة نفسها.