أطياف

هل تساءلتمن يومًا لماذا تحبون المسرح أو يحبه أصدقاء لكمن من مجتمعات الميم؟

منذ بداياته، شكّل المسرح مساحة فريدة للتعبير عن الذات، واكتشاف الهويات، وطرح الأسئلة حول المجتمع والسلطة والجندر. هذه الخصائص جعلته بطبيعته ملاذًا للكثير من الأفراد المثليين والترانس ومن مجتمعات الميم الذين وجدوا فيه مساحة آمنة للخلق، والحضور، والتمرد.

فما الذي يجعل العلاقة بين المسرح والأفراد المثليين والترانس والكويريين بهذا العمق؟ وكيف ساعد المسرح على تشكيل سرديات وهوية مجتمعات الميم؟ وما الذي تقوله الدراسات الاجتماعية عن هذه العلاقة؟

لماذا يحب الأفراد المثليين والترانس والكوير المسرح؟

هناك عدة أسباب تجعل المسرح يحتل مكانة خاصة في قلوب الأفراد الكوير:

  1. مساحة للتعبير الحر
    في المجتمعات التي تفرض رقابة صارمة على التعبير عن التوجهات والهويات الجنسية والجندرية، يوفّر المسرح مساحة فنية يمكن فيها تجاوز هذه الحدود. على الخشبة، يمكن للفرد أن يجسد شخصيات متنوعة، ويعيش قصصًا أخرى، ويعبر عن رغباته، أو ينتقد القمع – كل ذلك من خلال الفن.
  2. إعادة تصور الهوية
    المسرح يسمح بإعادة تفكيك وبناء الهوية. يمكن للأفراد الكوير أن يجدوا فيه وسيلة لتجربة الذات والتعبير عنها، بما يتجاوز الحدود الصارمة للجندر والأدوار المتوقعة تحت ثنائية الأنوثة والذكورة. كثير من الكويريين يجدون في المسرح تجسيدًا لما لا يستطيعون عيشه في الواقع.
  3. تاريخ طويل من الكويرية
    من أيام المسرح اليوناني الذي كان يُمثّل فيه الرجال أدوار النساء، إلى مسارح الشوارع في أوروبا، كان المسرح دائمًا مرتبطًا بالكسر المؤقت للقواعد. لاحقًا، في القرن العشرين، أصبح المسرح موطنًا للدراما الكويرية الحديثة – من أعمال تينيسي ويليامز إلى الأداء الكويري في عروض الدراج (Drag).
  4. الشعور بالانتماء
    توفّر الفرق المسرحية غالبًا شبكات دعم اجتماعي وعاطفي. داخل هذه الدوائر، يجد العديد من الكويريين ملاذًا من العزلة، ومساحة لبناء صداقات وعلاقات إنسانية. التمرين، والكتابة، والأداء، والمشاركة الجماعية كلها تخلق شعورًا بالقبول والانتماء.

المسرح أداة مقاومة وتحرر

في بعض الدول والمجتمعات حيث لا تزال الهويات الكويرية مرفوضة أو مجرّمة، يصبح المسرح فعل مقاومة. في مصر، تُقام عروض مسرحية صغيرة في الدوائر المغلقة أو عابرة تتناول قصص التهميش والعبور الجنسي وقمع المثليين مثل حادثة كوين بوت وغيرها من القمع المجتمعي والعنف الجنسي بين الرجال البالغين بجانب نقد القيم المجتمعية التي ترفض الاختلاف والتنوع الجندري والجنسي وتأثيرها على مجتمعات الميم.

أما في لبنان مثلًا، قدّمت فرق مسرحية كويرية عروضًا مثل “جوغرافيتيا” التي تناولت التهميش الجندري، كما تقدم فرق المسرح المختلفة في تونس عروض تشتبك مع السرديات المجتمعية السائدة حول التوجهات الجنسية والهويات الجندرية مثل العرض الشهير “فلافرنتي” الذي يعكس تجارب أفراد كويريين من تونس.

المسرح هنا لا يعمل فقط كمنصة تعبير، بل كمساحة نضال ضد القمع، ضد الصمت، ضد النفي المجتمعي، وضد العنف.

العلاقة بين الأفراد الكوير والمسرح ليست مجرد علاقة حب، بل شراكة نضالية وجمالية طويلة. المسرح كان ولا يزال مساحة يستطيع فيها الأفراد الكوير أن يظهروا، يصرخوا، يرقصوا، ويعيشوا ليس فقط كممثلين، بل كأشخاص يستحقون الظهور والحب والاحترام. وفي عالم لا يزال يقمع هوياتهم، يظل المسرح خشبة للنجاة.

دراسات تناولت العلاقة بين المثليين والترانس والكوير والمسرح

تناولت العديد من الأبحاث الأكاديمية العلاقة بين المسرح والأفراد الكوير من زوايا متعددة، منها الفنية، والنفسية، والاجتماعية. ومن تلك الدراسات:

● دراسة بعنوان “Queer Performances and the Politics of Visibility”
نشرت في مجلة Theatre Journal، وتتناول كيف يستخدم الفنانون الكوير المسرح كأداة لتأكيد وجودهم في المجال العام ومقاومة التهميش، مع التركيز على الأداءات التي تتحدى الهويات الجندرية والتوجهات الجنسية التقليدية.

● أطروحة دكتوراه بعنوان “The Queer Stage: Identity, Resistance, and the Theatre”
قدمتها الباحثة الأمريكية ميغان تومسون، ودرست فيها تجارب الكوير في المسرح المجتمعي في عدة مدن أمريكية، ووجدت أن الانخراط في المسرح ساعد في بناء ثقة الأفراد الكويريين بأنفسهم، وساهم في تحسين صحتهم النفسية.

● كتاب “Staging the Queer: Theatre and Identity in the 21st Century”
يضم مجموعة دراسات مقارنة من لندن ونيويورك ومصر والبرازيل وتنزانيا وباكستان ودول أخرى، ويركز على كيف يُستخدم المسرح في نقد السرديات المهيمنة حول الجندر والجنس، وكيف ساعد الكوير في إعادة تشكيل لغة العرض المسرحي.

شاركونا تجارب عشتوها أو عاشها معارف لكم من مجتمعات الميم مع المسرح.

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.