أطياف
لقشة من الدنيا

لقشة من الدنيا: فيلم تونسي يجسّد قصة حب بين رجلين ويكسر المحرّمات

في خطوة جريئة وغير مألوفة على الساحة السينمائية العربية، قدّم المخرج التونسي نصر الدين السهيلي فيلمه الوثائقي الجديد “لقشة من الدنيا” ضمن فعاليات مهرجان قرطاج السينمائي، الذي انطلقت فعالياته مطلع نوفمبر الجاري في العاصمة التونسية.

هذا الفيلم التسجيلي المثير للجدل لا يكتفي بتناول موضوع الإدمان والفقر فقط، بل يغوص في أعماق العلاقة الإنسانية بين رجلين متشردين، ويصوّر تحوّل صداقتهما المعقدة إلى قصة حب رومانسية وحميمة، لتصبح تلك العلاقة محورًا رئيسيًا يعكس الهشاشة والحنان والتعلق وسط قسوة الحياة على هامش المجتمع.

قصة حب من الهامش: رزوقة وفانتا

تدور أحداث الفيلم حول شخصيتين رئيسيتين تعيشان في منطقة باب الجديد، أحد الأحياء الشعبية في تونس العاصمة.

الأول يُدعى رزوقة (عبدالرزاق)، وهو رجل طُرد من إيطاليا وعاد ليعيش في الشوارع. والثاني هو لطفي (ويُلقب بفانتا)، متسول يعاني من إدمان شديد لمادة “السيبيتكس”، وهي مخدر يُحقن في الوريد ويُعرف بخطورته الشديدة وتأثيره المدمّر.

الفيلم الذي استغرق تصويره ثلاث سنوات يرصد محاولات رزوقة للخروج من دوامة الإدمان، ونجاحه في ذلك، ثم سعيه الحثيث لمساعدة صديقه فانتا على الخلاص من نفس المصير.

يصطحبه إلى الطبيب، ويتابع الفيلم رحلتهما الشاقة في مواجهة الإدمان والفقر والتهميش، وسط ظروف قاسية ومعاناة صحية واجتماعية متفاقمة.

الحب في زمن الإدمان والمرض

على الرغم من الشجارات والانهيارات النفسية التي تقع بين الاثنين خلال رحلة العلاج، وقرار رزوقة في أحد المشاهد بالتخلي عن صديقه، إلا أن مفاجأة طبية تعيد العلاقة إلى مسارها العاطفي، حين يُكتشف أن فانتا مصاب بالتهاب الكبد الفيروسي.

يدفع هذا التشخيص رزوقة لاتخاذ قرار نبيل: مواصلة الوقوف إلى جانب صديقه مهما كانت تكلفة العلاج.

ومن خلال سلسلة من المشاهد الحميمية، يتجلّى تطور العلاقة بينهما من صداقة متوترة إلى حب حقيقي وصادق، لا سيما في مشهد اقتحامهما حمّامًا شعبيًا وسط السوق، وهو أحد المشاهد الجريئة التي حملت طابعًا بصريًا صادقًا وواقعيًا، بعيدًا عن الابتذال، لكنه أيضًا مثير للنقاش.

ردود الفعل والانقسام المجتمعي

الفيلم، الذي يُعتبر من بين الأعمال القليلة جدًا في السينما التونسية والعربية التي تُظهر علاقة عاطفية بين رجلين، أثار ردود فعل متباينة بين الحضور والنقّاد.

البعض أشاد بالجرأة الإنسانية والفنية للمخرج وموضوعه الذي نادرًا ما يُطرح، بينما انتقد آخرون ما اعتبروه تجاوزًا للخطوط الحمراء في مجتمع لا يزال يجرّم العلاقات المثلية.

من الجدير بالذكر أن تونس، رغم بعض مظاهر الانفتاح الثقافي، لا تزال تُجرّم المثلية الجنسية بموجب الفصل 230 من القانون الجنائي، الذي يفرض عقوبات بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات، وهو ما يجعل طرح هذه المواضيع في السينما مسألة محفوفة بالتحديات والمخاطر.

نصر الدين السهيلي: كسر الصمت بالصورة

المخرج نصر الدين السهيلي، الذي اشتهر بأعماله الواقعية والمتمردة، قال في تصريحات صحفية إن الفيلم جاء من رغبة حقيقية في كسر الصمت حول العلاقات المهمّشة، وتقديم الإنسان كما هو، بعيدًا عن الصور النمطية أو الأحكام الأخلاقية. وأضاف أن “الحب يمكن أن يوجد في أبسط أشكاله، حتى في الشارع، حتى بين مدمنين، وحتى بين رجلين”.

السينما كأداة لتغيير النظرة

“لقشة من الدنيا” لا يقدم فقط قصة حب، بل يُسلّط الضوء على قضايا الإدمان، والفقر، والتهميش، والحقوق الإنسانية للأقليات الجنسية. الفيلم محاولة لكشف الطبقات المخفية من الواقع التونسي، وتقديمها للجمهور من خلال لغة سينمائية جريئة، صادقة، ومشحونة بالعاطفة.

خطوة جريئة في طريق محفوف بالمخاطر

في ظل واقع اجتماعي وثقافي يرفض الاعتراف بتنوع الهويات الجنسية، فإن “لقشة من الدنيا” يأتي كعمل فني وإنساني استثنائي، يفتح باب النقاش، ويحفّز الخيال، ويُعبّر عن تجارب تُعاش بصمت خلف الجدران.

الفيلم هو شهادة على قدرة الفن على إحداث الفرق، حتى وإن جاء ذلك بصوت خافت ولقشة من الدنيا.

الإعلان الدعائي لفيلم لقشة من الدنيا عبر يوتيوب

شروط الاستخدام

محتوى أطياف مرخص برخصة المشاع الإبداعي. يسمح بإعادة نشر المواد بشرط الإشارة إلى المصدر بواسطة رابط تشعبي، وعدم إجراء تغييرات على النص، وعدم استخدامه لأغراض تجارية.