في وقت لا تزال فيه صورة المرأة المسلمة في الإعلام الغربي محصورة بين نمطية “المضطهدة” أو “المتطرفة”، ظهر مسلسل The Bold Type ليكسر هذه الصور النمطية من خلال شخصية “أدينا العالمين”، مصورةإيرانية مثلية مسلمة ترتدي الحجاب وتعيش حياتها بشجاعة وتوازن بين إيمانها وهويتها الجنسية.
هذه الشخصية التي تلعب دورها الممثلة الإيرانية الكندية نيكول بوشهري أحدثت نقلة نوعية في تمثيل المرأة المسلمة الكويرية على الشاشات، لتصبح مصدر إلهام لفئة طالما غابت عن السرد البصري الأميركي.
أدينا العالمين: مسلمة، مثلية، فنانة، ومتحررة
ظهرت أدينا في الحلقة الأولى من The Bold Type كمصورة وفنانة نسوية، تعمل على مشروع يصور نساء مسلمات يحملن لافتات تعبر عن تجاربهن. لكنها لم تكن مجرد عنصر جمالي في الحبكة، بل شخصية محورية تثير الجدل والأسئلة وتطرح تصورًا جديدًا عن المرأة المسلمة.
عندما تسألها “كات”، مديرة وسائل التواصل الاجتماعي في مجلة Scarlet، عن سبب ارتدائها الحجاب، تجيب أدينا بهدوء: “الحجاب لا يقيدني، بل يحررني من توقعات المجتمع حول شكل المرأة”.
هذه الجملة وحدها كانت كفيلة بأن تهز مفاهيم كثيرين حول الحجاب والهوية الإسلامية.
الحبكة تتحدى الصور النمطية
في مسلسل تسيطر عليه شخصيات نسوية شابة، تلعب أدينا دورًا رئيسيًا في مساعدة “كات” على اكتشاف ميولها الجنسية. العلاقة التي تنشأ بين أدينا وكات، والتي أصبحت تُعرف لاحقًا باسم #Kadena على وسائل التواصل، لاقت ترحيبًا واسعًا بين جمهور شغوف بتمثيل كويري صادق ومتوازن.
ما يميز أدينا أنها تجمع بين الجرأة والواقعية؛ فبينما تعمل على مشاريع فنية متمردة، نجدها في مشهد آخر تعبئ ألعابًا جنسية لتهريبها خارج البلاد. هي شخصية غير نمطية، تجمع بين الجدية والمرونة، وتُجسد ما يعنيه أن تكون امرأة مسلمة حرة.
تمثيل نادر ومؤثر في الإعلام الأمريكي
بحسب دراسة أعدتها جامعة جنوب كاليفورنيا عام 2016، لم تتجاوز نسبة الشخصيات الشرق أوسطية في الأعمال الترفيهية 2.3% من إجمالي الشخصيات الناطقة، وغالبيتها إما إرهابية أو كاريكاتورية.
- لكن أدينا كسرت هذا النمط:
- امرأة ملونة.
- مثلية الجنس.
- فنانة ناجحة.
- مؤمنة، وتفتخر بإسلامها.
كل ذلك في شخصية واحدة، لا تُقدم بوصفها ضحية أو رمزًا للتضحية، بل بوصفها إنسانة قوية وواقعية.
ردود فعل من نساء مسلمات كويريات حول العالم
في تحقيق شمل ثماني نساء مسلمات كويريات من خلفيات متنوعة (كندا، ماليزيا، تركيا، نيجيريا، هولندا…)، عبّرت المشاركات عن مدى تأثير شخصية أدينا عليهن.
قالت “نور” (21 عامًا، ماليزيا):
“من المهم أن يرى الناس أننا موجودات: نساء مسلمات نرتدي الحجاب، مثليات أو بانسكسوال، ومؤمنات في الوقت نفسه. أدينا أثبتت أنه يمكنك أن تكوني دينية وكويرية دون تناقض.”
وقالت “زَيْنَب” (16 عامًا، تركيا):
“كل يوم يُسألني أحدهم لماذا أرتدي الحجاب. أن أرى أدينا على الشاشة تجيب على هذا السؤال بطريقتها، منحني قوة وثقة.”
صناعة الشخصية: تعاون نيكول بوشهري مع الكُتاب
في مقابلة مع NBC News، أكدت الممثلة نيكول بوشهري أن دور أدينا لم يكن مطروحًا في البداية، لكنها ساهمت في بناء الشخصية بالتعاون مع الكُتاب، حتى من حيث لهجتها.
“أردتُ أن تكون أدينا حقيقية، حتى لو أغضبت البعض. لم يكن الهدف إرضاء الجميع، بل تقديم امرأة معقدة وواضحة، قادرة على تحدي المألوف.”
وأضافت:
“أدينا تُشبه الكثير من النساء اللاتي التقيتهن في بيروت، قويات، واثقات، ويمزجن بين الإيمان والتحرر دون تناقض.”
الرسالة الأوسع: النسوية ليست حكرًا على الغرب
The Bold Type يُصرّ على تقديم نسوية لا تستبعد أحدًا، ويواجه التحديات ليس من شخصيات سلطوية ذكورية بل من أدينا نفسها، التي تسائل مدى صدق المجلة في التزامها بقضايا المرأة.
ومع ذلك، تنجح المجلة في كسب ثقة أدينا، وتوافق على نشر أعمالها، ليبدأ مسار شراكة وعلاقة عاطفية لاحقة تُجسد تجربة معقدة ومؤثرة.
تمثيل يُغيّر الواقع
في ظل استمرار تهميش النساء المسلمات في وسائل الإعلام الغربية، فإن شخصية أدينا في The Bold Type لم تكن مجرد “إضافة”، بل نقلة نوعية في التمثيل البصري.
هذه الشخصية أعادت تعريف ما يمكن أن تكون عليه المرأة المسلمة الكويرية: قوية، مستقلة، فنانة، ومؤمنة. وفي عالم لا تزال فيه هوياتنا تخضع للتبسيط أو الإقصاء، فإن ظهور أدينا هو فعل مقاومة.