زيارة غير متوقعة لبلدٍ مثقل بالجراح
في خطوة مفاجئة وغير معلنة مسبقًا، كشف المغني البريطاني الشهير سام سميث عن زيارته الأخيرة للعراق، حيث أمضى خمسة أيام وصفها بأنها “من أكثر اللحظات تأثيرًا” في حياته. وأوضح الفنان الحائز على عدة جوائز غرامي أن هذه الرحلة غيرت نظرته للعالم، وألهمته لكتابة ألبومه القادم، الذي يسعى من خلاله لتسليط الضوء على المعاناة والصراعات التي يعيشها كثيرون في أنحاء متفرقة من العالم.
من الظلم إلى الإلهام: العراق بعين سام سميث
في تصريح نُشر عبر حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، كتب سام سميث: “لقد شاهدت الظلم الحقيقي بعيني. شعرت بالخجل لأني كنت أعرف القليل جدًا عن حياة الآخرين. أريد أن أكتب عن بقية العالم، عن كيف أن الحياة ليست جميلة طوال الوقت.”
ووفقًا لتقارير إعلامية، زار سميث مدنًا عدة من بينها الموصل، التي كانت قد شهدت معارك ضارية خلال العامين السابقين بين الجيش العراقي وتنظيم داعش.
وقد ترك الدمار الذي خلفته الحرب في المدينة القديمة بصمة نفسية واضحة على زوارها، بمن فيهم الفنان البريطاني، الذي قال إن تجربته جعلته يعيد التفكير في معنى الفن ودوره في نقل الألم والأمل.
الموصل: مدينة تنهض من تحت الركام
من الجدير بالذكر أن مدينة الموصل كانت واحدة من أبرز بؤر الصراع في العراق خلال سيطرة تنظيم داعش عليها منذ عام 2014 وحتى تحريرها في يوليو 2017.
وقد تسببت المعارك في دمار واسع للمدينة، ونزوح مئات الآلاف من السكان، ووقوع انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
في هذا السياق، أبدى سام سميث تأثره الشديد بالقصص التي سمعها من أهالي المدينة، لا سيما أولئك الذين فقدوا أحبائهم أو منازلهم. وقال في أحد تصريحاته: “الفن لا يمكن أن يكون فقط وسيلة للهروب، بل يجب أن يكون مرآة للواقع.”
المثلية الجنسية في العراق: واقع خطير
زيارة سام سميث، الذي عُرف منذ بداية مسيرته بموقفه الداعم لمجتمع الميم وكونه شخصًا مثليًا علنيًا، تأتي في وقتٍ لا تزال فيه أوضاع المثليين في العراق محفوفة بالمخاطر.
ورغم عدم وجود قانون صريح يُجرّم المثلية الجنسية في الدستور العراقي، فإن العديد من المواد القانونية تُستخدم لمعاقبة المثليين، وقد تصل العقوبات في بعض الحالات إلى الإعدام، خاصة في المناطق التي كانت تحت سيطرة جماعات متشددة.
وبحسب تقارير منظمات حقوق الإنسان، لا يزال أفراد مجتمع الميم والمثليين في العراق يواجهون مخاطر كبيرة تتراوح بين التهديد، والاعتداء، والتشهير، بل وحتى القتل على يد أفراد أو جماعات تزعم تطبيق “العدالة” خارج نطاق القانون.
الفن كوسيلة لمناصرة الحقوق
من خلال زيارته واهتمامه بتسليط الضوء على المعاناة في العراق، لا سيما في سياق الحرب والتمييز، يعيد سام سميث التأكيد على دور الفنان كناقل للواقع، لا كمجرد صوت جميل يُطرب المستمعين. ويُنتظر أن يتضمن ألبومه القادم رسائل إنسانية قوية تُعبّر عن الألم، وتُطالب بالعدالة، وتُعبّر عن تضامنه مع الشعوب المهمّشة.
كما عبّر العديد من متابعيه من المنطقة العربية عن امتنانهم لهذه اللفتة، معتبرين أن وجود شخصية فنية عالمية في بلد مثل العراق، ومواجهته لواقع الناس، يُعد بحد ذاته موقفًا سياسيًا وإنسانيًا.
ردود الفعل: إشادة وانتقادات
بينما أثارت زيارة سميث تفاعلًا إيجابيًا واسعًا على الإنترنت، لم تخلُ من الانتقادات. فقد علّق بعض النشطاء على أن زيارته لم تترافق مع توثيق إعلامي كافٍ، في حين رأى آخرون أن مجرد وجود فنان عالمي مثلي في بلد كالعراق يشكّل خرقًا رمزيًا للتابوهات.
وفي المقابل، أشاد عدد من الحقوقيين بخطوة سام سميث، معتبرين أنها قد تسهم في زيادة الوعي العالمي بقضايا الحريات والحقوق في العالم العربي، خاصةً ما يتعلق بواقع مجتمعات الميم في مناطق النزاع.
ألبوم بملامح إنسانية
لم يتم الإعلان بعد عن عنوان ألبوم سام سميث الجديد أو تاريخ إصداره، لكن ما أكده الفنان هو أن ما شاهده في العراق سيكون حاضرًا في كلمات الأغاني وإيقاعاتها. إنها رسالة من فنان عالمي إلى جمهور عالمي: العالم لا يزال مليئًا بالألم، وعلينا أن نصغي.
زيارة سميث تمثل لحظة نادرة يتقاطع فيها الفن مع السياسة، والإنسانية مع الشهرة، والغرب مع الشرق، في محاولة لفهم الآخر ومناصرة قضاياه.